إسماعيل مطر يرفض استراحة المحارب ويسجّل هدفاً مارادونياً

إسماعيل مطر يرفض استراحة المحارب ويسجّل هدفاً مارادونياً

 يونس محمود صدمته فلسفة شنيشل .. وأشقته هموم المنازلة الانتخابية!

 متابعة : إياد الصالحي

لم تنجب الكرة العربية نجوماً كباراً خُلقاً وفنّاً ومُنجزات، وصموداً طويلاً في تحدّي تقدّمهم في السن مثلما أنجبت ثلّة من لاعبي الزمن الصعب في العراق والإمارات على سبيل المثال لا الحصر،

ممثلين بالكابتنين يونس محمود وإسماعيل مطر أكثر النجوم تأثيراً في الإعلام، وأميزهم صناعة للفرح الجماهيري طوال السنين المارّة منذ أن توهّجت موهبتهما مطلع عام 2000 وسارا في رحلة عطاء فريدة في تاريخ كرة البلدين، ولم تكن خاتمة يونس سعيدة مثلما أرادها فتوقّف في منتصف عام 2016 مودّعاً الكرة بقرار غير مدروس، فيما رفض صديقه “سُمعة” استراحة المحارب وواصل معاركه في المستطيل الأخضر حتى الساعة.

للمقارنة الفنية، وليس نبشاً للأحداث الماضية، يبقى السؤال مطروحاً: هل كان باستطاعة يونس محمود أن يستمر ولا يَضعف أمام قرار الاعتزال طواعية محلياً ودولياً؟ وما سرّ ديمومة عطاء إسماعيل مطر مع نادي الوحدة واستعداده لخدمة “الأبيض” في تصفيات المونديال؟!

بداية، إن اللاعبين ولِدا عام 1983، واحتفى يونس بالذكرى 38 في الثالث من شباط الجاري، بينما ينتظر إسماعيل عيد ميلاده في السابع من نيسان المقبل، وكانت بداية كل منهما موضع ثقة مسؤولي كرة المنتخبين في سنٍّ مبكّرة، فقد أعتمد المدرب عدنان حمد الكابتن يونس ضمن قائمته في معسكر إيطاليا استعداداً لبطولة غرب آسيا 2002 في سوريا التي خطف العراق لقبها بجدارة، في حين بدأت رحلة مطر مع فريق الرجال عام 2003، ولفت كليهما الأنظار في أهم مناسبتين هما، كأس العالم للشباب في الإمارات عام 2003 التي حصل فيها مطر على الكأس الذهبية كأفضل لاعب في البطولة، وبعد عام كتب يونس أفضل صفحة في تاريخ الكرة الأولمبية بتحقيق المركز الرابع في دورة أثينا من خلال عروض خلابة برفقة المدرب عدنان حمد وأهمّها هزيمة كتيبة البرتغال بأربعة أهداف بينها هدف ليونس (د56) وخروج كريستيانو رونالدو من ملعب (بامبيلوبونيسياكو) بباتراس وهو يلعق بدموع المرارة!

الوحدة .. ومحطات الاحتراف

للمصادفة ، كان نادي الوحدة الذي يلعب له إسماعيل مطر المحطة الأولى ليونس في مشوار الاحتراف موسم 2003-2004 وعانى كثيراً من تعامل مدرّبه الهولندي تيني ريخس بسلوك (عُنصري) حسب قوله، وكان لمطر مواقف مؤثرة في مساندة زميله.

استقرار إسماعيل مطر مع نادي الوحدة منذ عام 1998 حتى الآن أحد الأسباب الجوهرية في ديمومة الثقة بالنفس وإحاطته برعاية استثنائية من إدارة النادي حتى في أسوأ الظروف الفنية التي تواجه اللاعب يكون تحت العناية الصحّية والنفسية والإعلامية، والأخيرة لها دورها في تعزيز القناعة بإمكانية الاستعانة بسلاحه المهاري في معارك المنتخب الكروية، وفي المقابل استنزف تنقّل يونس بين محطّات احترافية متعدّدة (الوحدة الإماراتي 2003، الخور القطري 2004، الغرافة القطري 2006، العربي القطري (إعارة) 2008، الوكرة القطري 2011، السد القطري 2013، الأهلي السعودي 2013) ثم عاد لتمثيل ناديه الأم الطلبة عام 2015، وفي الوقت الذي اسهمت تلك التجارب في زيادة خبرته، فإنها استنزفت جهوداً كبيرة منه خاصة في الغرافة الذي عوّل كثيراً على ماكنته التهديفية وسط حصار كبار اللاعبين المحترفين!

المراقبة والدعم

سياسة مراقبة إسماعيل في تنفيذ منهاجه الشخصي والكروي كانت تضطلع بمشورة ناديه واتحاد الكرة والإعلام الرياضي، ونجح مع منتخب بلاده في صناعة أفضل النتائج خلفاً لجيل عدنان الطلياني سفراء مونديال 1990، فحقق “سُمعة” مشاركات مميّزة في بطولة الخليج وكأس آسيا والأسياد والأولمبياد وتصفيات كأس العالم، واختير أفضل لاعب في آسيا عام2008 ، ولم يصطدم مع الإعلام قط، بل لديه مقولة (من يريد أن يسمع كلام مطر عليه أن يجلس معه، فحلّ المشكلات ليس مكانها الإعلام)!

أما يونس، فواجه (حرب ضروس) مع الإعلام، بالرغم من مساهمته في إهداء العراق أول لقب آسيوي في تاريخه من كرة رأسية في مرمى السعودية بنهائي كأس آسيا2007 وسُرق منه لقب أفضل لاعب في آسيا العام نفسه (كما يذكر دائماً) ومازال يبحث عن لجنة تحقيق عادلة في الاتحاد الآسيوي للعبة تسترد له اللقب برغم مرور 14 عاماً عليه.. ثم انهالت عليه السِهام بعدها منذ بطولة خليجي 19 مسقط 2009 في حملات تشكيك بروحيته الوطنية خاصة بعد الإقصاء المرير أمام قطر في دبي حزيران 2008 ضمن تصفيات كأس العالم 2010، وتلتها بعد عامين هجمة منظّمة في عهد المدرب البرازيلي زيكو الذي استبعدهُ في طريق تصفيات كأس العالم 2014، ولم يستقرّ الحال في ظلّ صمت الاتحاد آنذاك وعدم مساندة نجم كبير بحجمه.

وفيما تواصل اتحاد الكرة الإماراتي بمساندة مدرب المنتخب السابق مهدي علي (المستقيل عام 2017) لاحتضان إسماعيل في الاستحقاقات القارية الكبيرة كان الاتحاد العراقي يعد خطة الاستغناء عن نجوم آسيا 2007 بالقطعة، حتى وصل التهميش الى يونس عندما كشف مدرب المنتخب راضي شنيشل يوم الخامس من حزيران 2016 قائمة لاعبيه استعداداً للمرحلة الثالثة من تصفيات كأس العالم 2018 ليس بينهم السفاح الذي سجّل أربعة أهداف في تصفيات المرحلة السابقة، وخرج المدرب بفلسفة جديدة أن المنتخب يحتاج الى مرحلة بناء ولن يتوقف على لاعب ما ، ولديه تجربة في الدوري القطري أن المدافعين حسموا المباريات من حالات ثابتة، وأن لاعبي خط الوسط سجّلوا 40 هدفاً وحصيلة المهاجمين 20 ! ليكون هدف السفاح في مرمى الصين تايبيه يوم 17 تشرين الثاني 2015 آخر أهدافه الدولية.

صدمة شنيشل مع عدم تروّي يونس في التعامل معها، وردّ الاعتبار في الملعب المحلي مع الطلبة بشكل متواصِل وانجرافه مع أهواء موقع (فيسبوك) الاجتماعي لدعم ترشيحه لرئاسة الاتحاد ثم عدوله وقبوله بالمنافسة على منصب النائب، عجّل من اتخاذ قرار الاعتزال بشكل نهائي، وهو قرار منفعل رامَ من خلاله الثأر لنفسه من تآمر الاتحاد حسب قوله بإبعاده عن المنتخب، وخوضه المنازلة الانتخابية بعد اعتزاله بعامين .. فخرج بأسرع مما توقّع!

القرار الفني

اللافت أن إسماعيل مطر يحتفظ بلياقته البدنية العالية في الموسم 2020-2021 مع الوحدة، وأذهل العالم بهدف جميل على طريقة الراحل دييغو مارادونا في مرمى شباب الأهلي 30 تشرين الأول 2020 بعدما راوغ ببراعة نصف لاعبي المنافس من وسط الملعب، ومع ذلك لم يضعه مدرب المنتخب الهولندي فان بيرت مارفيك في قائمته الأخيرة مطلع كانون الثاني 2021، وكان رد “سُمعة” أن القرار الفني مُحترم، ولا يمكن انتقاد المدرب إلا بعد انتهاء مهمّته في التصفيات ومعرفة نتائجه وفقاً لخياراته، واحترم الجمهور الإماراتي قناعة المدرّب ورد فعل اللاعب.

لاعب كبير مثل يونس محمود لم يزل المنتخب الوطني بقيادة السلوفيني سريتشكو كاتانيتش يبحث عن مهاجم بقيمته الفكرية والمهارية للخلاص من ضياع الفرص وتحقيق الانسجام في المقدمة، وهذا درس مهم للاعبين الكبار اليوم مستقبلاً ألا يستسلموا لضغوطات الإعلام والجمهور، فمعركة الحياة مستمرّة للمغامرة بقناعة وتطويع المستحيل، قبل إلقاء سلاح المواجهة والتفرّغ لكتابة المذكّرات التي ستفخر سطورها بما قدّمه يونس محمود وإسماعيل مطر للعراق والإمارات.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top