الأستاذ نجيب محيي الدين .. وداعاً

آراء وأفكار 2021/02/26 09:04:26 م

الأستاذ نجيب محيي الدين .. وداعاً

 رفعة عبد الرزاق محمد

كنت اسمع باسمه في العديد من المناسبات ، كاحد الوطنيين الديمقراطيين اللذين آثروا البقاء على منهج الأستاذ كامل الجادرجي الفكري ، ولكني لم احظ بلقائه على الرغم من معرفتي أغلب قياديي الحزب الوطني الديمقراطي التاريخيين واتصالي بهم وإجراء اللقاءات معهم ..

غير أن في مجلس الفاتحة لوفاة والدي في تشرين الأول 1997 تقدم الأستاذ خالص محيي الدين وقدم شقيقه نجيب محيي الدين لي ، وكانت تلك المناسبة الحزينة فاتحة صلتي بالأستاذ محيي الدين التي استمرت الى استقراره في العاصمة الأردنية قبل نحو سنتين ، ولكنه استمر بارسال بعض الكتب التي يراها مفيدة لي ، ومنها مجلدات ( حديث الثلاثاء ) التي تضم المحاضرات التي تُلقى في مجلس الأستاذ عطا عبد الوهاب التي آلت بعد وفاة الأخير الى إدارة الأستاذ شوقي ناجي الساعاتي ، وقد بلغ ما أرسله الأستاذ محيي الدين عشرة مجلدات كبيرة من تلك الأحاديث .

أقول بقي الأستاذ نجيب محيي الدين ممثلاً لمدرسة الأستاذ كامل الجادرجي الى النهاية ، وبقي قريباً من الجادرجي الى وفاته في الأول من شباط 1968 ( ذكر لي أنه التقى الجادرجي قبل ثلاثة أيام من وفاته )، ولما حدثت الخلافات داخل صفوف الحزب الوطني الديمقراطي بعد ثورة تموز 1958 ، أو بين الثلاثة الكبار في الحزب : الجادرجي وحديد وجميل ،كان محيي الدين من أنصار الأول وإنْ كان موقفه إيجابياً من حكومة عبد الكريم قاسم ! ، وبسبب هذا الموقف ولغيره تعرض الى إنتقادات البعض ، ثم كان اعتقاله في انقلاب شباط 1963 وتعرضه الى انتهاكات الانقلابيين المعروفة .

عرف الأستاذ نجيب محيي الدين بدماثة الخلق وطيب المعشر ، وتفقده لأصدقائه ، وكان متشبعاً بالفكر الديمقراطي ، وقد تجلى ذلك في اللقاءات التي أجراها طالبو الدراسات العليا في الجامعات المختلفة ، فقد كانت الحقيقة منهجه الأثير في تقديم المعلومات لطالبيها ، وصدق الرواية وإنْ كانت مؤلمة ، وقد سرّني في العديد من الأحاديث أن الأحداث التي لها صلة بتاريخ الحزب الوطني الديمقراطي ، أو ما تعرض له من صنوف الاضطهاد ، أو صلته بعبد الكريم قاسم عندما تولى نقابة المعلمين في عهد قاسم ، هي أحداث تجردت من حساسياتها الشخصية أو السياسية ، وأصبحت في ذمة التاريخ ، ولا حاجة الا لذكر الوقائع كما هي . وقد أبدى الأستاذ توفيق التميمي في لقائه معه استغرابه من ذكر بعض الأحداث التي وجدها موضع نقد لعبد الكريم قاسم ، فكانت إجابته : إنها الحقيقة أقولها وعليك مضاهاتها أو تحليلها اذا انتحلت دور المؤرخ الرصين !!

كانت ولادة الأستاذ نجيب محيي الدين في الخالص سنة 1925 ، ثم انتقل والده الموظف الحكومي بأسرته الى بعقوبة ، وليس صحيحاً ما ذكره عدد من الكتّاب أن ولادته في بعقوبة التي اكمل فيها الدراسة المتوسطة والثانوية ، حتى التحاقه بدار المعلمين العالية التي أصبح معاوناً لمديرها سنة 1950 بعد أن تولى إدارة عدد من المدارس المتوسطة والإعدادية .

تمتع الأستاذ محيي الدين بروح وطنية وثابة ، ولعل تلك الروح ورثها من أبيه الذي كان من قراء المجلات العربية الرصينة والكتب الحديثة ، ومن الطريف ذكره اني القيت كلمة في تكريم الأستاذ محيي الدين في مجلس من مجالس بغداد الأدبية وتحدثت عن ابيه ، وعندما ابدى محيي الدين المحتفى به اعجابه بالمعلومات التي ذكرتها عن ابيه ، سال عن مصدر تلك المعلومات ؟ فقلت له ان الأستاذ كاظم سعد الدين ــ متعه الله بالصحة ــ حدثني عن ذلك عند حديثه عن نشأته في بعقوبة ، فاجابني محيي الدين : لقد صدقت القول !!

اعتقل نجيب محيي الدين للمرة الأولى في انتفاضة تشرين الثاني 1953 وهو معاون مدير دار المعلمين لمسانتدته المظاهرات الطلابية في مدينة بعقوبة وهو موظف حكومي ، وتقرر بعدها عزله عن االوظيفة ، فالتحق مدرساً في الثانوية الجعفرية واستقر ببغداد ، فأصبح قريباً من الأستاذ الجادرجي والحركة الوطنية المتأججة في بغداد الخمسينيات . وهنا أود التأكيد على أن تولي نجيب محيي الدين منصب نقيب المعامين لدورتين من عام 1959 ، ليس بسبب انتمائه الى الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان زعيم الثورة عبد الكريم قاسم يبدي إعجابه ( أو انتمائه ) به ، وإنما بسبب سمعته التربوية الفائقة ، وكان توليه هذا المنصب قد أفاد شريحة المعلمين كثيراً للمنجزات الكبيرة لنقابة المعلمين على عهده .

الحديث عن نجيب محيي الدين وعن سيرته الفكرية والمهنية حديث طويل ، ومن محاسن الأيام أن نحتفي به سنة 2014 في مؤسسة المدى التي كانت قريبة إليه ، وان نصدر ملحقاً خاصاً به ، وكان ذلك مبعث سعادته التي لا ينساها

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top