رعد العراقي
تحتفِظ سجلات، ووثائق وزارة التربية، بأدلّة قاطعة تفخر بها تثبِت أنها الرحم الشرعي لانجاب الأبطال والمواهب بعد أن قدّمت كوكبة لنجوم لا حصر لهم لمختلف الألعاب الرياضية رفعت راية التمثيل الخارجي وحقّقت الإنجازات عبر عقود من الزمن.
تلك الأدلة شاهدة على أثر التخطيط والبناء السليم في تحفيز عوامل صناعة البطل حين يتوجّه نحو القاعدة التربوية المتهيّئة ذهنياً ونفسياً لاستلهام مفاهيم حُب الرياضة والمنافسة ومن ثم تطلق مكنون الموهبة بالتوجيه والنصح من خلال كوادر علمية متخصّصة بكل المراحل الدراسية التي تتخلّلها إقامة بطولات سنوية على أعلى مستوى من التنظيم والاهتمام لتكون ملاذاً وساحة يلجأ إليها مدربو الأندية والاتحادات الرياضية لاستقطاب الأفضل، وبنفس الوقت كانت مخارج تلك البطولات تتيح للراغبين من خريجي الدراسة الإعدادية القبول في كليات التربية الرياضية استثناء من شرط المعدّل بمجرّد تحقيقهم ألقاباً على مستوى بطولات تربيات العراق.
قد تكون بداية الوزير عدنان درجال دليلاً حاضراً على ما ذهبنا اليه بعد أن كانت انطلاقته مع كرة القدم من خلال بطولات التربية المدرسية التي اختصرت عليه وعلى اتحاد الكرة العثور على كنز موهبته التي خدم بها الأندية والمنتخبات الوطنية حتى استحق التربّع على كرسي الوزارة بجدارة، وبذات الوسيلة ظهر نجوم آخرين لمعوا في سماء الرياضة العراقية قد يطول المرور على اسمائهم أو تخوننا ذاكرتنا في الإشارة لأحدهم فنَجرَح حضورهم ونُجرَح ونُتهم بتجاهلنا لهم، في حين أن مكانتهم وعطاءهم طرّزتها انجازاتهم بحروف من ذهب في أرشيف الذاكرة العراقية التي لا يمكن إنكارها.
مراجعة بسيطة لسنوات قبل 2003 وما بعدها وحصيلة ما أنتجته الرياضة العراقية من مواهب ونتائج على الصعيد الداخلي والخارجي ربّما تسهم في الوقوف على الأسباب الحقيقية التي أدّت الى تراجع خطير ونضوب في اكتشاف الأبطال على مدار السبعة عشر عاماً الأخيرة مقارنة مع ما قبلها لنصل الى حقيقة مفادها أن مادة التربية الرياضية حين أهملت وأصبحت لا قيمة لها في نظر الطلبة وهمّشت الكوادر المتخصّصة، وسلبت مكانتهم الاعتبارية في وقت شهدت بطولات التربية توقفات وفوضى في التنظيم لتتحوّل تلك البطولات الى مجرّد تجمّعات احتفالية محدودة لا تستهوي عيون الكشافين أو تحفز الأندية والاتحادات لحضور فعّالياتها والتسابق على ضمّ المتميّزين منهم.
لا أبطال أو مواهب يمكن أن تشكّل مشروعاً مستقبلياً للنهوض بالرياضة العراقية وتحقيق الإنجازات من دون أن تخرج من بين أحضان البيئة التربوية وفقاً لمنهاج علمي مدروس يبدأ بتحفيز الطاقات المكنونة للطلبة منذ المرحلة الأبتدائية، وغرس حب الرياضة فيهم ليدركوا أهمية دورها في تنمية الفكر وتنشط القدرات البدنية والتركيز على اختيار المجال الأنسب لقدراتهم لتصبح المراحل الدراسية التالية ميداناً لتطوير قابلياتهم ودخول أجواء المنافسات من خلال البطولات المحلية لينتج عنها نموذجاً شبابياً يحمل العلم والمعرفة بفكر متفتّح وجسد سليم ورغبة في المنافسة وإثبات الذات .
بشيء من الحِكمة والإرادة الحقيقية لكل الجهات المعنية يمكن أن نعيد تجربة الرياضة المدرسية من خلال عقد اتفاقية تعاون ودعم بين وزارة الشباب والرياضة ووزارة التربية يتم فيه رسم ملامح مشروع متكامل يتضمّن أحياء مادة التربية الرياضية لكل المراحل الدراسية والتفكير بوضع منهاج تدريسي وتثقيفي بمطبوع يكون مادة امتحانية معتمدة مع تأهيل الملاكات المتخصّصة بدورات متطوّرة وتحديد البطولات المدرسية وكل مستلزمات نجاحها من تجهيزات وملاعب وزخم إعلامي ومكافآت تشجيعية وضمان لكل المواهب في استقطابهم ورعايتهم من قبل الاتحادات الرياضية والمراكز التدريبية المعنية وتفعيل ميزة الاستثناء بالقبول في كليات التربية البدنية لكل من يحقق إنجازاً في تلك البطولات.
باختصار .. إن اتفاقية التعاون بين وزارتي الشباب والرياضة والتربية وبإسناد ودعم من بقية الوزارات ربّما تكون الحل السحري والمنطقي لاستعادة بريق الرياضة العراقية وظهور جيل جديد من الأبطال الرياضيين وبذات الوقت فإن التخصيصات المالية التي سيتم رصدها للمشروع ستذهب باتجاه مقاصدها الصحيحة تحت بند رعاية الشباب وبنتائج مضمونة بعد أن اثبتت التجارب السابقة فشل كل محاولات إيجاد البديل لمشاريع شهدت هدر الأموال وضياعها من دون أن تنتج بطلاً واحداً.
اترك تعليقك