بابا الفاتيكان والقاضية جوسلين متى

آراء وأفكار 2021/03/01 09:33:01 م

بابا الفاتيكان والقاضية جوسلين متى

 هادي عزيز علي

وصفت وزارة الخارجية العراقية الزيارة التي سيقوم بها البابا فرانسيس بأنها رسالة سلام للعراق والمنطقة بأسرها . فالرجل سيزور العراق وهو يحمل أرثاً ثقافيا مميزاً مستمد من عصر الأنوار وفلاسفة التسامح والأفكار العصرية لإدارة التنوع .

وترسيخ مفاهيم قبول الآخر . ويبدو أن مجموعة من الأفكار قد تشكلت في ذهن الرجل كانت دافعاً لهذه الزيارة لعل أولها التناقص المريع لأعداد المسيحيين العراقيين وانتشارهم في المنافي البعيدة ، فضلاً عن التهميش الذي فرضته الدوغما المسلمة الذي تجلى في أبشع صوره خلال سيطرة داعش على سهل الموصل والمناطق الأخرى . أما الدافع الثاني للزيارة فيمكن تلمسه من خلال بيان الفاتيكان الذي وصف العراق بالبلد المقدس الذي سكنه الأنبياء والمشيد بتاريخه ومقوماته المتنوعة ، وهذا بحد ذاته يعد إقراراً بمكانة العراق في الحضارة الإنسانية .

إن الافكار التنويرية التي تبنتها المؤسسة الدينية في الفاتيكان خاصة في ولاية البابا فرانسيس المتعلقة بلزوم الفصل بين المعتقد الشخصي والحقوق المدنية . والسعي لإدارة التنوع من خلال التوازن لا من خلال الصراع والمتماهي مع الأحكام العامة لحقوق الإنسان بعهودها ومواثيقها النازعة نحو قبول الآخر والمغادرة لاقصائه ، تركت أثرها الإيجابي في التربية والسلوك لكافة الفئات المقصودة بذلك الخطاب . ولعل أحد الأمثلة الإيجابية لذلك هو ما قامت به القاضية جوسلين متي القاضية في إحدى محاكم طرابلس في الشمال اللبناني التي تمنكت من إدراك أحكام العدالة وتطبيقها بعيداً عن القصاص الثأري الذي كان متاحاً لها ، لا بل من دون المرور بالنص القانوني الحاكم لهذه الحالة .

وملخص القضية - إن ثلاثة شبان من المسلمين احيلوا إليها بتهمة إثارة النعرات والإساءة للمقدسات ( إزدراء الأديان ) ، كونهم وجهوا إهانة للسيدة العذراء ، وأقروا بالفعل المنسوب إليهم . وموضوع كهذا لا يحتاج الى كبير اجتهاد لصراحة المادتين 473 و 474 من قانون العقوبات اللبناني التي تفرض الحبس في هذه الحالة مدة لا تزيد على ثلاث سنوات ، إذ كان بأمكانها أن تحيلهم ومن ثم تجري محاكمتهم على وفق المادتين المذكورتين وتكون بذلك قد طبقت القانون تطبيقاً وظيفياً سليماً وهذا أولاً ، وثانياً فأن من اليسير عليها أخذ الثأر للسيدة العذراء فيما لو طبقت القانون، إلا أنها لم تسلك طريق العدالة التقليدي هذا ، بل طلبت منهم طلباً إنْ تمكنوا منه فسوف يلحقهم الإفراج وتسقط عنهم التهمة ، وإن عجزوا عن تنفيذ الطلب فان للقانون مجراه ، وتمثل ذلك في طلبها منهم حفظ بعض الآيات من سورة آل عمران وعلى وجه الخصوص الآية 42 منها وهي : [ وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين ] ، في اليوم التالي جاء الشبان يحمل كل واحد منهم نسخة من القرآن الكريم متمكنين من الحفظ المكلفين به ، فاتخذت القاضية قراراً بالإفراج عنهم . . هنا كان للعدالة وظيفتها التربوية أيضاً ، القاضية حكمت بروح القانون وليس بنص القانون ، لأن نص القانون فيما لو طبق في هذه الحالة لتمكن الشبان من التمسك بما اقترفوه ولبقت لديهم نزعة الإقصاء لأن العقوبة تحقق الردع ولكنها لا تلغي الدوغما . انتصرت هذه المرأة بالتغلب على عقيدتها وفضلت إدارة التنوع من خلال التوازن وليس من خلال الصراع وهي هنا تلتقي مع ذات الأفكار والمفاهيم التي يحملها البابا فرانسيس وهو يقوم بزيارته للعراق .

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top