الكاردينال لويس ساكو في لقاء حصري مع (المدى): زيارة البابا فرانسيس ستجعل العراق منفتحاً على جميع الدول

الكاردينال لويس ساكو في لقاء حصري مع (المدى): زيارة البابا فرانسيس ستجعل العراق منفتحاً على جميع الدول

 شخصية الفرد العراقي معتدلة وميالة إلى المدنية والحكم المدني

 حاوره/ محمد صباح ... عدسة: محمود رؤوف

عشية وصول البابا فرنسيس إلى العاصمة بغداد نهار يوم غد الجمعة، وهي الزيارة الأولى للحَبَر الأعظم للعراق، تحدث نيافة الكاردينال مار لويس روفائيل ساكو، عن وجود مفاجآت في اللقاء الذي يجمع البابا بالمرجع الديني علي السيستاني يوم السبت المقبل، متوقعا دعوة الاخير لزيارة الفاتيكان استعدادا لتوقيع وثيقة الأخوة الإنسانية.

وأوضح بطريرك الكلدان في العراق والعالم في لقاء موسع مع (المدى) ان زيارة الحبر الأعظم تأتي لبناء الثقة والصداقة والتسامح مع كل الأطياف، كاشفا عن قيام جمعيات خيرية كنسية بتقديم المساعدة لإعادة بناء الكنائس المهدمة في مدينة الموصل.

 في البدء نسألكم عن أهداف وأبعاد هذه الزيارة التاريخية لقداسة البابا فرنسيس إلى العراق في ظل الظروف الأمنية والصحية غير المستقرة؟

إن البابا فرنسيس صرح عن أهمية هذه الزيارة التاريخية، وأنه كإنسان وقيادي في المجتمع البشري، أحب أن يكون قريبا من الموجوعين العراقيين الذين تعرضوا للأذى في السنوات الماضية، إضافة إلى أن العراق بلد محوري في المنطقة، ويعد أرضا مقدسة لكون أن نبي الله إبراهيم انطلق منها مع العديد من الأنبياء. وتعود أبعاد هذه الزيارة لحث أقدم جماعة مسيحية في ارض الرافدين، للبقاء والتوصل وبناء الثقة مع كل العراقيين، فضلا عن أنها رسالة لدول سوريا ولبنان واليمن وإيران ولكل دول المنطقة للعيش بسلام وأمان.

 رغم المآسي والتهميش والاضطهاد الذي تعرض له أبناء المكون المسيحي طيلة الفترة الماضية، كيف تعيشون وتترقبون حاليا للحظات الانتظار لمجيء أو استقبال البابا في أول زيارة لشخصية دينية بابوية مهمة إلى البلد الذي ولد فيه أبو الأنبياء إبراهيم؟

نعم إن المسيحيين مسرورون كثيرا من هذا الحدث المهم والكبير، ولديهم الحماسة للزيارة، وتكاد تكون اللحظة المفرحة الوحيدة لنا بعد العام 2003، وهي خطوة لدعمهم بعد معاناتهم التي تعرضوا لها جراء الأحداث الاخيرة على الساحة العراقية. ان البابا يحمل همّ كل المسيحيين والعراقيين، وزيارته ستسهم في خلق وئام بين أبناء الشعب العراقي الواحد، وتدعو لمغادرة كل المشكلات والخلافات، والتأكيد على الهوية العراقية الجامعة لكل الأديان والطوائف والقوميات، وتنبذ الطائفية والتفرقة بين كل الأديان. وما أفرحنا حقا الترحيب من قبل المسلمين بقدوم قداسته إلى ارض النهرين، من خلال الأناشيد والصور والبوسترات. نعم، هي زيارة تهم كل أطياف الشعب العراقي من دون استثناء، وهي حافز للمكون المسيحي للبقاء في هذه الأرض المقدسة، والاهم من هذا كله عملية الترميم للشوارع والأزقة تحضيرا للقاء المرتقب.

 رأيكم بالنسبة للاستعدادات الحكومية والشعبية لاستقبال البابا في العاصمة بغداد على مختلف الأصعدة، واقصد هنا الاستعدادات الأمنية واللوجتسية الأخرى؟

نعم، كما أسلفت للتو، إن الترحيب والحماسة لدى أبناء الشعب العراقي بمختلف أطيافه ومكوناته، أدهشتنا جميعا. ففي بغداد نلاحظ الاستعدادات الحكومية والشعبية قائمة طوال الوقت ومتمثلة بإعادة تعبيد الشوارع وتأهيل الأبنية والأزقة. وفي محافظة النجف التي لها رمزية معينة، هي الأخرى بدأت تتحضر لهذا الحدث التاريخي المهم بنشر اللافتات والأعلام الفاتيكانية وصور البابا فرنسيس، والكتابات المختلفة. وما لاحظته في مدينة الموصل واستعداداتها مشابه لباقي المدن. في محافظة ذي قار قامت الحكومة المحلية بإنارة مدينة أور التاريخية للمرة الأولى، وجهزت منصة وقاعة كبيرة لاستقبال الصحفيين. إن تلك الاستعدادات تعبر عن طبيعة شخصية الفرد العراقي بأنه شخصية منفتحة ومعتدلة بعيدة عن التطرف وميالة إلى المدنية والحكم المدني. هذه المواقف رأيتها في أفعال الكثير من الناس أثناء اللقاء بهم ومن المسلمين على وجه التحديد كانوا فرحين بهذه الزيارة، وهنا إذا تسمح لي أريد أن أتحدث وأركز عن نقطة في غاية الأهمية، هي أن هذه المواقف تمهد لعودة الكثير من المهجرين الذين من الممكن أن يعيدوا بناء الوطن بخبراتهم، ولنا في إقليم كردستان مثل يحتذى به في عودة اغلب المهاجرين بعد العام 2003، حيث تمكنوا من بناء مدنهم بطريقة حضارية، وانقل لكم ولقرائكم الكرام، من باب الطرفة، أن أهالي بغداد باتوا يطالبون بإطالة زيارة البابا من اجل قيام الدوائر المعنية بزيادة عمليات الإعمار والبناء.

 ماهو جدول زيارة البابا المرتقبة إلى العراق، وإن سمحتم نطلب بشيء من التفصيل إن أمكن لكم ذلك بدءا من وصوله حتى مغادرته بغداد ؟

المقرر لوصول البابا إلى العاصمة بغداد، وكما مخطط له هو في تمام الساعة الثانية بعد ظهر يوم الجمعة، وسيكون في استقباله رئيس مجلس الوزراء مصطفى الكاظمي في مطار بغداد الدولي، ثم بعدها سينتقل إلى القصر الجمهوري ويكون في استقباله رئيس الجمهورية برهم صالح ومئة وخمسين شخصية عراقية متنوعة من سياسيين ورجال دين وشيوخ عشائر ونخب ثقافية. وسيوجه البابا بعد كلمة ترحيب رئيس الجمهورية رسالة إلى السياسيين العراقيين سيشدد فيها على أهمية الإصلاح والسلام والاستقرار، والتأكيد على المواطنة والعدالة، ثم سيلتقي برجال المسيحيين في كنيسة سيدة النجاة، بعد ذلك سيتجه إلى مقر إقامته في سفارة الفاتيكان في منطقة الكرادة مقابل المسرح الوطني، طبعا سيكون مروره في شاع السعدون وسط العاصمة. في اليوم الثاني (السبت) سيغادر إلى مدينة النجف للقاء المرجع الديني السيد علي السيستاني، ومنها إلى مدينة أور للقاء مع ممثلي الديانات في العراق وأداء الصلاة. وبعد ذلك يوجه رسالته للجميع، ثم يعود إلى بغداد لإقامة القداس في كنيسة ماري يوسف ظهرا بحضور مسؤولين حكوميين مع مئة وخمسين شخصية مسلمة (دينية وسياسية وعشائرية)، ثم يتجه نحو اربيل يوم الأحد وإلى نينوى.

 ماهي الإمكانية التي سيذهب إليها البابا في مدينة الموصل تحديداً التي تعيش وضعاً صعباً بعد اجتياح داعش وتحريرها؟

بعد وصوله إلى اربيل سينتقل إلى الموصل بطائرة هيليكوبتر. ستشمل زيارته الموصل القديمة (الساحل الأيمن) والذهاب إلى أربع كنائس مهدمة وتحديدا كنيسة الطاهرة للسريان الكاثوليك، كنسية السريان الارثذوكس، وكنسية الأرمن، وكنيسة الكلدان. بعد ذلك التوجه إلى سهل نينوى وقرة قوش للقاء مع المسيحيين الذين عادوا إلى بيوتهم، ثم يعود مجددا إلى اربيل لإقامة القداس في احد ملاعب المدينة، ثم الرجوع إلى بغداد لتوديعه بحفل خاص في العاصمة بغداد يوم الاثنين، اي أن البابا سيبقى في العاصمة بغداد لمدة ثلاثة أيام.

 ما المعنى والهدف من لقاء البابا فرانسيس بالمرجع السيد علي السيستاني؟

إن اللقاء سيؤكد على الأخوة البشرية. البابا كتب رسالة "كلنا إخوة" وهذا الكلام للسيد المسيح في إنجيل متى، وأيضا في الإسلام أن الإمام علي يقول "أخ لك في الدين ونظير لك في الخلق"، وان سماحة السيد عمل بوسترا وضع صورته مع البابا مع غصن الزيتون مع حمامة السلام مع وضع عبارة "انتم جزء منا ونحن جزء منكم". إن هذه العبارات تدل على الأخوة. ربما بعد اللقاء سيكون هناك تصريح أو موقف مشترك للتأكيد على العيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين.

 بحكم قربكم من البابا هل هناك رسالة معينة يحاول إيصالها إلى السيستاني؟

إن مكتب المرجع الديني السيستاني نفى وجود توقيع وثيقة مع البابا، إن العمل على هكذا وثيقة يتطلب عملا كبيرا، ربما الظروف غير مهيأة حاليا لتوقيع مثل هكذا وثيقة بين السيد والبابا.

 هل كان في نية الحَبَر الأعظم توقيع وثيقة مع المرجع الديني علي السيستاني على غرار ما حدث مع شيخ الأزهر؟

لا لم يكن كذلك، لكن ما استطيع قوله إن هذا اللقاء هو الأول من نوعه لبناء الثقة والصداقة بين الطرفين حتى تتحول هذه الثقة إلى لقاءات أخرى لإبرام مثل هذه الوثيقة الموقعة مع شيخ الأزهر مستقبلا.

 أتعتقدون أن البابا سيوجه دعوة إلى السيستاني لزيارة الفاتيكان؟

كل شيء ممكن ووارد الحصول في هذه الزيارة او اللقاء، لكن العمر وجائحة كورونا قد يكونان مشكلة تعرقل مثل هكذا توجهات او نوايا، وبالتالي ممكن حدوث مفاجآت في هذه الزيارة او اللقاء.

 ماذا تقصدون بالمفاجآت، هل بالإمكان إن سمحتم التوضيح لنا عن هذه المفاجأة؟

ما اقصده بالمفاجأة هو من الممكن أن تكون هناك دعوة موجهة من البابا إلى السيد السيستاني لزيارة الفاتيكان للقاء به أو قد يكون هناك تصريح مشترك فيه فتوى مشتركة يتبناها كل من البابا والسيستاني لنبذ الكراهية والعنف والدعوة للتسامح والعيش الكريم بعيدا عن كل الخلافات والتطرف.

 إذن ربما تكون هذه الزيارة كبادرة أولى من أجل التوقيع على وثيقة نبذ الطائفية والكراهية في الفترات المقبلة خصوصا ونحن نتكلم عن وجود نية بتوجيه دعوة للسيستاني لزيارة الفاتيكان؟

نعم ستكون مثل هكذا دعوات، ما نأمله مستقبلا هو التوقيع على الوثيقة في الفترات المقبلة على غرار ماتم التوقيع عليه مع الأزهر لتوحيد الصفوف والمواقف.

 هل تتوقعون إجراء مؤتمر صحفي مشترك بينهما؟

حتى هذه اللحظة لا يوجد مؤتمر صحفي، وإنما سيقتصر الموضوع على اخذ الصور الفوتوغرافية، وتصوير فيديوي لا تطول مدته عن دقيقة واحدة.

*لماذا لم تكن في البروتكول زيارة مخصصة للقاء بشخصية سنية دينية؟

نعم أود أن أوضح أن البابا سبق وان زار الأزهر في الفترات السابقة وكما هو معروف أن الأزهر يمثل المكون السني، وان السنة لهم اهتمام كبير بزيارة الأزهر والذي وقعت في حينها على وثيقة لنبذ الكراهية والدعوة إلى السماح في أبو ظبي مع البابا فرنسيس، فضلا عن وجود شخصيات سنية كبيرة تمت دعوتها إلى القصر الجمهوري وكذلك إلى الكنيسة، وأيضا نحن في حوار معهم بشكل مستمر.

 هل تتصورون أن من أبعاد هذه الزيارة أنها تأتي نتيجة لاستهداف المكون المسيحي وهجرتهم من العراق؟

إن الزيارة من ضمن أهدافها قد تكون لمساندة المكون المسيحي وجميع المكونات العراقية للبقاء في العراق ودعوة لكل العراقيين للمحافظة على التنوع لان هذا التنوع الديني الموجود في العراق غير موجود في دول كثيرة، فهذه الفسيفساء يجب المحافظة عليها.

 دعني أسألكم في هذه المناسبة عن أوضاع المكون المسيحي حاليا بعد تعرضهم إلى التهجير والتهميش مما اضطرهم إلى مغادرة العراق؟

إن المكون المسيحي بات مهملا، ولولا الكنيسة لم يتبق أي مسيحي في العراق، واضرب لكم مثلا أن عدد مسيحيي العراق وصل إلى مليون ونصف المليون قبل العام 2003، أما اليوم فتعدادهم اقل من ذلك بكثير، إذ يصل لقرابة نصف المليون مواطن مسيحي (بين 400 ألف إلى 500 ألف)، في الحقيقة لا توجد إحصائية دقيقة عن العدد حاليا لكن الذين غادروا العراق إلى أوروبا ودول الجوار أعدادهم كبيرة بسبب ظروف الاضطهاد والتهجير والخطف والاستحواذ على بيوتهم في بغداد وباقي المحافظات العراقية الأخرى، في بغداد وحدها عدد المسيحيين يكاد يصل إلى مليون تقريبا في فترة من الفترات، أين هم الآن؟.

 أين بيوت هؤلاء الذين غادروا العراق، هل استحوذت عليها العصابات والمجاميع المسلحة؟

أوكد لكم أن عملية الاستحواذ على بيوت المسيحيين جاءت من قبل أشخاص معينين أو جماعات تحمل السلاح، إلا أن الحكومة غير قادرة على أن تعمل شيئا أمام هذه المشكلة الحقيقية لإعادة هذه البيوت إلى مالكيها الحقيقيين، والقبض على الجناة وتسليمهم للقضاء لينالوا جزاءهم، إضافة إلى ذلك أن هناك أكثر من ألف ومائتي مسيحي قتل خلال السنوات الماضية.

 ماذا عن عدد الكنائس التي هدمت وخربت والتي تم الاستيلاء عليها ؟

هناك 58 كنيسة فجرت في بغداد وكركوك ونينوى وغيرها من المدن والمحافظات قبل مجيء عصابات داعش واحتلالها لبعض المناطق والمدن، وتمكنا من ترميم قسم من هذه الكنائس وقسم آخر لم نُعد ترميمها وبناءها حتى هذه اللحظة مع شديد الأسف.

 هل سيقوم البابا بتبرع لإعمار الكنائس المهدمة؟

هناك جمعيات خيرية كنسية بدأت بتقديم مشاريع لإعادة بناء الكنائس في مدينة الموصل والمساهمة باعمارها.

 ما هي أمنياتكم من هذه الزيارة، ورسالتكم التي تحبون توجيهها للعراقيين بهذه المناسبة؟

ما نتمناه هو استثمار العراقيين لهذه الزيارة التاريخية للخروج من هذه القوقعة والأزمة، وان هذه الزيارة ستجعل من العراق بلدا منفتحا على جميع الدول، وما اعلمه أن هناك 350 صحفيا سيرافقون البابا ما يعني أن العراق سينفتح على كل العالم من خلال هذه الزيارة التي ستشجع السياحة، وبالتالي نحن مع بناء دولة مدنية لان الدين غير قادر على بناء دولة معاصرة، لان الدين له مبادئ ثابتة، والسياسة متحركة، وأوروبا لم تتقدم ألا بعد فصل الكنيسة عن الدولة.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top