وجهة نظر: الشعر والشهرة

وجهة نظر: الشعر والشهرة

عبد الخالق كيطان

طالعت مجلة ثقافية عربية مؤخراً وقد كرّست صفحات فيها لتجربة أحد مواطنيها من الشعراء. الشاعر المحتفى به أصدر عدداً من المجاميع الشعرية،

وكان آخرها كتاب مختارات من شعره. شاعرنا يعد من أبرز شعراء الموجة الجديدة في بلاده، وأضيف: في الشعر العربي..

ليس في هذا الخبر ما يريب. وربما لا حاجة لي في تبرير تعمدي إخفاء إسم هذا الشاعر. أردت أن أقول، وبحسب حساسية شخصية مردّها عملي السابق في الإعلام المرئي والمكتوب، أن هذا الشاعر ظل بعيداً عن الشهرة التي نالها شعراء آخرون، بعضهم ظهر بعده.

ولكن: ألم تحتف به أكبر مجلة ثقافية في بلاده؟ وأكاد أجزم، مضيفاً، إن هذا الاحتفاء لم يكن الأول من نوعه. وأجيب بسرعة بأن ذلك يمثل احتفاء "صالونات" أو "نخب" وكنت أقصد شيئا آخر.

أنني هنا أتحدث عن احتفاء من نوع آخر، احتفاء سببه شهرة الشاعر. كيف؟

كتب الصديق الروائي محسن الرملي مغرداً في "تويتر" مع صورة جمعته بالشاعر الراحل محمود درويش في مدريد قبل عشرين سنة لتقديم ترجمة كتابه ‎"ذاكرة للنسيان" إلى الإسبانية، يقول: "امتلأت أكبر قاعات مركز الفنون والممر والسلالم التي تؤدي إليها.. تُرى متى سنحظى مرة أخرى بشاعر عربي يملأ بجمهوره القاعات شرقاً وغرباً".

شخصياً كنت شاهداً على "شهرة" محمود درويش في العاصمة الأردنية عمان. حضر مرة عرضاً مسرحياً في قاعة المركز الثقافي الملكي، فسحب وراءه جمهور المسرحية. شهرة محمود درويش لا نجد لها مثالاً معاصراً، ربما يحدث الأمر ذاته مع نزار قباني، مظفر النواب…. و… لا أكاد أعثر على إسم رابع. هل على الشعراء الباقين، وهم كثر جداً، أن يشعروا بالحسد، الغيرة إزاء تلك الشهرة التي يفتقدون إليها؟ ربما العكس هو الصحيح. ولكن قبل هذا وذاك، ما هي الشهرة؟ وهل يعد شعراء من وزن بدر شاكر السياب، مشهورين؟ وإذا تحدثنا عن مثال معاصر يقفز إسم الشاعر الذي تحدثت عنه في أول المقال إلى الواجهة، خاصة وأنه أمضى خمسة عقود مع الشعر. هل يمكن أن يملأ جمهوره قاعة ما في القاهرة أو بغداد أو عمان أو تونس؟ أجيب بمنتهى الأريحية بـ : لا. قطعا لن يستطيع.

لا أريد هنا أن أسقط في فخ التحليلات المكرورة، والسخيفة، حول "أزمة الشعر"، إذ لا توجد أي أزمة في هذا الخصوص. كما أنني سأسقط من الحساب مقولات "النميمة" وآهات مقاهي المثقفين. ما الأمر إذن؟

يبدو أن الأمر، أقلها بالنسبة لي، سببه مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة. نحن اليوم بالفعل لا نستطيع الوصول إلى تلك المواقع كلها، فهي كثيرة جدا. بعض الدول أنشأت مواقعها الخاصة، هذه المواقع صارت تتحكم باتجاهات التلقي في مختلف جهات الأرض. لقد منحت شهرة للمديرية، وأسقطت شهرة آخرين. قارئ تلك المواقع هو القارئ المستقبلي، على ما يبدو. لن يسقط قارئ الكتاب، مطلقاً، ولكنه سينتظر إشارات مواقع التواصل ليقرأ هذا الكتاب أو ذاك. هذه المواقع، اليوم وغداً، صنعت مشاهيرها. ومن ضمن هؤلاء المشاهير شعراء.

صادف أن مررت على حسابات لشعراء عرب لم يطبعوا مجموعة شعرية واحدة، مع ذلك، فجمهورهم في مواقع التواصل أكبر بكثير جداً من جمهور شاعر له عدد من الإصدارات. هل يصح هذا القياس؟ لم لا.. أقول إن المنصّة في زماننا هي موقع التواصل، والجمهور هو عدد المتابعين في تلك المنصّة. الشاعر ينشر نصوصه في المنصّة، جمهوره يختار أن يتابعه إذا أعجبه ذاك النص أو يلغي متابعته في حال العكس. معادلة بسيطة ولكنها معاصرة.

سوف تنعكس شهرة الشاعر هذا على إصداراته، كما ستنعكس على عدد الذين يحضرون أمسياته الشعرية على أرض الواقع. لقد جلب جمهوره من مواقع التواصل، لا من إصداراته، ولا من نقاد شعره، ولا من الصحف أو وسائل الإعلام الكثيرة. الأمر كان مختلفاً في زمان درويش، والسياب، والشاعر الذي كنت أتحدث عنه.

نصل الآن إلى السؤال الحاسم في هذا المقال: هل الشهرة ضرورة للشاعر؟

بالنسبة لي أقول، بثقة وقناعة، إن ذلك ليس مهماً أبداً. الشعر في جوهره قول شخصي إزاء حركات العالم من حولك. قد يبذل الشاعر جهداً في سبيل إيصال قوله للجمهور، ولكنه قطعاً غير معني بأن تنشد الحشود من حوله أغاني المنتصرين.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top