على فكرة: إعدام نازك الملائكة

د. أحمد الزبيدي 2021/04/05 09:55:15 م

على فكرة: إعدام نازك الملائكة

 د. أحمد الزبيدي

على امتداد بساط الشعرية العربية، وهو يتجاوز عتبة الألف ونصفه بمئتي عام ويزيد، ليس فيه صوت نسوي أنثوي شريك في صناعة التحول الشعري مثل صوت نازك الملائكة، وإن كانت الخنساء (البدوية) قد سبقت نازكًا ( المدنية ) بعشرات القرون فإن ذكرها لا يخرج عن الوظيفة الرئيسة للمرأة العربية وهي ( البكاء ) على الأخ أو الزوج...

وكثيراً ما ارتبطت شهرة المرأة العربية وشجاعتها برجل تنتسب إليه .. وحين جعل القرآن الجنة تحت قدميها فإنه جعلها تحت قدمي الأم، أي ( الوظيفة ) وليس الجنس أو الذات أو الكينونة!.. فإلى إيّ حدّ سمحت الثقافة العربية للمرأة: الكينونة، الذات، النوع .. أن تكون شريكة في صناعة الثقافة والفكر والتحول وتتصدر المشهد الثقافي أو حسب تعبير مدني صالح ( القيادة الثقافية )؟

ولم يكن الفرزدق الشاعر الفحل وحده من أعلن عن موقفه تجاه المرأة الشاعرة، حتى ذهبت مثلًا: ( إذا صاحت الدجاجة صياح الديك فلتذبح ) فما الفرزدق إلا نتاج منظومة نسقية عربية دينية قبلية كوّرت عقله وفكره وثقافته فهو نتاجها بالوعي أو اللاوعي .. لم يكن الفرزدق وحده من تبرز في مواقفه النزعة البدوية الفحولية ، فالثقافة العربية قائمة على تلك الأنساق وحين تبرز حركة فكرية أو جمالية ذات توجه تنويري أو تحرري فإنها حركة تنطلق من التمرد على تلك الأنساق الموروثة المتشربة في أجسادنا ولكن هل استطاعت ( الحداثة ) أن تنزع ما في صدور( رجالها ) من غلّ ثقافي تجاه المرأة ؟ وحين صدحت نازك الملائكة بالشعر الحر وأعلنت أنها أوّل من دقّ جرسه عام 1947 م ألم يُبعَث الفرزدق من جديد ويتداول شعراء حداثتها مثل الدجاجة والديك ؟ ولماذا كانت الخصومة بين ( نازك) المرأة والسياب ( الرجل ) ؟ فبلند الحيدري والبياتي أعلنا أنهما سبقا المتخاصمين في الشعر الحر ومع ذلك بقي الصراع بين الذكر والأنثى و( ليس الذكر كالأنثى ) طبعًا .. صحيح أن الصراع كان بين قطبين رئيسيين في الشعر الحر وقد تصدرا النزاع عبر مقالات ونشر قريب لكنني لا أبرّئ النزعة النسقية الثقافية من تحفيز التصادم ..

إن موجات الرفض لنازك الملائكة والإساءة إليها ابتدأت من جيلها نفسه ! فحين حاور الدكتور مالك المطلبي الشاعر عبد الوهاب البياتي في القاهرة عام 1969، ونشر الحوار في كاتب عنوانه " الموقف الشعري إلى أين ؟". سأل المطلبي عبد الوهاب البياتي عن نازل الملائكة وإن كان يتفق معه كونها معلمة ناقدة قبل أن تكون شاعرة ؟ فقال البياتي ما نصه : " أما كونها (نازك) معلمة فأرفضه رفضاً قاطعاً فكتابها (قضايا الشعر المعاصر) كتاب تافه ومتهافت يمتاز بالسطحية والتسرع واطلاق الاحكام الميكانيكية ومن ثم فهو لا يصلح أن يكون كتاباً مدرسياً، ورأيي أن نازك ليست مفكرة بقدر ما هي شاعرة ولكن شاعريتها تنتهي عند شطان معينة " .. وقد أطنب الناقد جابر عصفور في كتابه " تحولات شعرية " عن نازك الملائكة وتحدث عن نهايات حياتها في مصر وكيف وصل بها الحزن إلى مستوى مرض الاكتئاب وكيف سأل وبحث عن أسباب تكوّره فرآى أن السلطة الدكتاتورية كانت من بين أسباب مرض نازك: " كان من الطبيعي أن يتجاهل الإعلام العراقي، في عهد صدام، نازك الملائكة تماماً، ولا يتعرض لها أو يشيد بذكرها ، كما لو كان صدر حكما بإعدامها إعلاميّاً. والنتيجة أن توقف الدارسون والنقاد في العراق عن ذكرها أو الإشادة بدورها الرائد في ابتداع قصيدة الشعر الحر، تلك التي نسبوا ريادتها إلى بدر شاكر السياب ".

ولا أظن أن الحملات الإعلامية والسياسية كانت سبباً متفرداً في ضمور نازك، بل على العكس فإن المرحلة الدكتاتورية لم تكن تمنع دراستها لا في الجامعة ولا في الصحافة ولا في النقد بل إن أشهر المثقفين والشعراء المحسوبين على السلطة وإيديولوجيتها كانوا يقرون بريادة نازك وسبقها على السياب ولكن لعل القارئ الكريم يتفق معي أنها كانت _ أيضاً _ حملة ( الديك ) على ( الدجاجة )! .

تعليقات الزوار

  • عدي باش

    ( الجنة تحت أقدام الأمهات) ليس آية قرآنبة أو حديث نبوي ، بل قول عربي مأثور لتكريم مكانة الأم

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top