الجيد والسيئ والقبيح في التعليم عن بعد

آراء وأفكار 2021/04/17 09:51:04 م

الجيد والسيئ والقبيح في التعليم عن بعد

 أ.د. محمد الربيعي

في هذه المقالة أحب تسليط الضوء على الوجوه الجيدة والسيئة والقبيحة للتعليم عن بعد (عبر الانترنت) في العراق، وعلى الحاجة الملحّة لسياسات التعليم الشامل.

مع إغلاق المدارس والجامعات بسبب جائحة كوفيد 19، أصبح التعليم عبر الإنترنت وسيلة لتحقيق استمرارية الدراسة، وقامت الجامعات بالتبديل باستخدام منصات الإنترنت، وما إلى ذلك، بينما لا تزال المدارس تجدها مهمة شاقة، تحديات التعليم عبر الإنترنت متعددة الأوجه، لقد حان الوقت نحن العراقيين، كمجتمع، أن نفهم عوالم التعليم عبر الإنترنت من أجل شباب وأطفال العراق.

الوجه الجيد

يسمح بمرونة متزايدة لاستخدام الوقت بحيث يمكن للطلاب العمل وفق سرعتهم الخاصة في إطار معين، ويمكن تقسيم عملية المشاركة في التعلّم، والتعليم "أون لاين"، إلى أجزاء أصغر من الوقت، مع وجود فرصة للتفكير فيما بينهما، وبسبب زيادة مرونة الموقع يمكن التعلّم والتعليم في أي مكان (المنزل، المكتب، أثناء التنقل، المقهى)، ويمكن أن يشمل الطلاب والمعلمين من مختلف الأماكن طالما يتوفر الانترنت، ويوفر التعليم الالكتروني فرصاً للوصول إلى المعلومات ومشاركتها بسهولة ويسر، بالإضافة الوصول إلى عمق واتساع أكبر للموارد والمعلومات، ويمنح الطالب تجربة متنوعة وغنية بحيث يمكن لهذا النوع من التعليم أن يعزز تجربة تعلم الطلاب من خلال توفير فرص للتعاون عبر الاستاذ وخارج الجامعة، يمكن أن تحدث تجربة التعلم هذه على المستوى العراقي أو الدولي، ويمكن إثرائها بزيادة التفاعل والمشاركة وتعليقات الزملاء ومهارات العمل الجماعي ، عن طريقه يتمتع المتعلم بإمكانية الوصول إلى موضوعات غير محدودة، والى خبراء عالميين في موضوعات متخصصة - وهو أمر لا يمكن أن يحصل عليه معظم الطلبة، تسمح البرامج عبر الإنترنت للأشخاص من الفئات العمرية الكبيرة بالتعلم بالسرعة التي تناسبهم، دون موانع، ودون التضحية بمسؤولياتهم الأخرى، وينمي التعلم عبر الإنترنت مهارات معرفة القراءة والكتابة الرقمية المطلوبة بشكل متزايد في المجتمع المعاصر وبيئات العمل ويمكنه تبسيط بعض الجوانب الإدارية للتعليم.

مع ظهور وانتشار كوفيد 19 في العراق، انتقل التعليم عبر الإنترنت إلى المستوى الأساس - المدارس والجامعات! أصبح خيار الإنترنت حاجة ضرورية في ظل هذا الوضع الوبائي، ولأنه تعليم أكثر مرونة لذا من المحتمل أن يجده الطلاب تغييراً مرحباً به من حيث افتقاره للجداول الزمنية الصارمة والتنقلات لمسافات طويلة للوصول للمدرسة أو الجامعة، بالنسبة للبعض الآخر من الذين يجدون التعلّم في الصفوف الكبيرة أمراً مخيفاً، قد يكون التعليم عن بعد خياراً أقل إرهاقاً، ويستفيد العديد من المدرسين من هذه الوضعية من خلال استكشاف طرق جديدة للتدريس والتقييم.

هذا جيد، لكن في اللحظة التي ينتقل فيها التعليم عبر الإنترنت من الشكل الاختياري إلى الشكل الوحيد للتعلم، وعلى المدى الطويل جداً، يبدأ الوجهان، السيئ والقبيح، بالظهور، وهذا ما بدأ يتجلى في العراق.

الوجه السيئ

يُعد استخدام الإنترنت للترفيه أمراً شائعاً، ولكن بالنسبة للدروس عبر الإنترنت يمثل تحدياً كبيراً، قد لا يكون المعلمون على دراية جيدة بإنشاء محتوى رقمي ونقله بشكل فعال عبر الإنترنت بسبب ضعف القدرة على استخدام التكنولوجيا، ولأن بعض التقنيات والأدوات تتطلب التدريب، في بعض الحالات، قد لا يكون التدريب التقني متاحاً بسهولة للطلاب أو التدريسيين.

من الصعب إدراك أهمية لغة الجسد والاتصال بالعين، وهما إشارات مهمة للمعلم قد تفتقر في الدراسة عبر الإنترنت. فلا يتلقى المدرس تعليقات مستمرة في شكل ردود فعل الطلاب أثناء الجلسات، مما يقلل من فعالية التدريس. لا يمكن للمدرس ان يعرف عدد الطلاب الذين انتبهوا في الدرس؟ وكم من هؤلاء فهم الدرس؟ وهل وتيرة التدريس على ما يرام؟ هل تُرك بعض الطلاب من دون اهتمام؟ تطرح هذه الأسئلة حتى في الفصول الدراسية التقليدية، ولكن من الصعب معالجتها في الفصول الدراسية عبر الإنترنت، قد لا ينبغي أن تكون هناك دروس عبر الإنترنت للأطفال الصغار بسبب قصر فترة تركيزهم ويفقدون الانتباه بعد فترة،

يبدو أن طلاب الجامعات يقدرون تجربة التعلم داخل القاعات أكثر بكثير من التجربة الافتراضية، يعترف الكثيرون بأن الهواتف يمكن أن تكون مشتتة للغاية. بالإضافة إلى ذلك، غالبا ما تتضمن برامج العلوم والتكنولوجيا جلسات مختبرية عملية ومشاريع ورحلات ميدانية لاستكمال الدراسات النظرية، هذا الجانب من التعلم محدود للغاية في التعليم عبر الإنترنت.

أخيراً، لا يقتصر التعليم على المعرفة بالموضوع فحسب، بل يتعلق أيضاً بتطوير المهارات الاجتماعية والفنية والروح الرياضية بين الطلاب، والتي يتم بناؤها على مدار سنوات، قد يؤدي الاعتماد فقط على التعليم عبر الإنترنت إلى إعاقة التطور الشامل للأطفال، وقد يؤدي انعدام الاختلاط الاجتماعي ودعم المدرسة والجامعة الى تأثير سلبي وقت لاحق على حياتهم المهنية والشخصية.

الوجه القبيح

يتمتع العراق بتنوع ثقافي واسع، إلا أنه يعاني أيضاً من فجوة اجتماعية واقتصادية ضخمة، ليس كل الطلاب والمعلمين لديهم وصول منتظم، أو موثوق إلى الإنترنت، في العديد من الحالات، قد يقتصر الوصول إلى الإنترنت على سرعة الطلب الهاتفي خصوصاً في المناطق النائية والريفية حيث الانترنت بطيئة والكهرباء غير منتظمة، كما يكون الاشتراك غالي الثمن بالنسبة لبعض فئات الناس، إن انقطاع التيار الكهربائي، وضعف الاتصال بالإنترنت أو عدم وجوده، وعدم القدرة على شراء الأجهزة الضرورية هي عقبات رئيسية. لا يحضر كثير من الطلبة بانتظام لكثرة المشاكل التي تواجههم في الاتصال، لقد اثبت التعليم الالكتروني انه تجربة محبطة لإشراك الطلاب في وضع الاتصال الحالي بالإنترنت لقلة رغبة الطالب في هذا النوع من التعلم مفضلاً المحاضرات الجاهزة والطريقة التقليدية في التلقين.

هناك اعتقاد واسع بأن مستوى التدريس على الإنترنت لا يصل إلى نفس المستوى في التدريس وجها لوجه، ويؤكد هذا الاعتقاد وجود صعوبات في فهم الدروس وبأن هذا الأسلوب يعزز التعلم الشائع عن ظهر قلب، وينطبق الشيء نفسه على البرامج المسجلة التي يتم بثها على التلفزيون والتي لا تكون طريقة التدريس مشوقة أو مبتكرة، على الرغم من أنها تلبي احتياجات عدد أكبر من الطلاب الذين لا يمكنهم الاستفادة من الدروس المباشرة عبر الإنترنت. هذا بالإضافة الى تفشي ظاهرة الغش وانتشار التحايل خلال الامتحانات الالكترونية وهو أشد ما يقلق المدرسين ويثير حفيظتهم.

هناك قدر كبير من النتائج تظهر أن الطلاب عبر الإنترنت بحاجة إلى الشعور بأن المعلم "موجود" عبر الإنترنت، أي التفاعل مع الطلاب، وتوجيههم إلى المقالات أو الأمور ذات الصلة، والاستجابة السريعة للأسئلة، علماً أن كثيراً من المحاضرات في الجامعات العراقية غير تفاعلية ولا يحدث نقاش فيها بين الاستاذ والطلبة.

هذا ليس كل شيء، مع محدودية سبل العيش في الأسر الفقيرة، غالباً ما تكون الفتيات أول من يتلقى الضربة، نسبة الفتيات اللواتي يمتلكن هواتف ذكية في منازلهن اقل من الأولاد، وغالبا ما تكون هذه الهواتف الذكية مملوكة للبالغين من الذكور، وتكون أقل وصولًا إلى الفتيات مقارنة بالأولاد، ولا تستطيع هذه العائلات تحمل تكلفة الإنترنت ولا الى ملكية اكثر من هاتف واحد مشترك.

الطلاب ذوو الإعاقة هم من بين أكثر الطلاب اعتماداً على التعليم الشخصي وبالتالي هم أقل احتمالية للاستفادة من التعلّم عن بعد، هؤلاء الطلبة بحاجة الى التدريس الحضوري لأنه التدريس الفعال للذين يعانون من اضطرابات التعلم والتوحّد وضعف البصر، قد يؤدي نقص التعليم الفعال إلى تفاقم معدلات التسرب المرتفعة لهؤلاء الأطفال من المدارس.

الحاجة الى سياسات للتعليم الشامل

هناك اعتراف عالمي بالحاجة إلى سياسات التعليم الشامل خلال هذه الفترة، لجعل التعليم عبر الإنترنت أكثر فعالية وسهولة في الوصول إليه وأكثر أماناً، لابد من تطوير العديد من الموارد عبر الإنترنت من مثل برامج ودورات تدريبية من قبل الوزارة لتمكين المعلمين والمؤسسات التعليمية بأي من الطرق المتبعة في منتديات وورش عمل تنفذ باستمرار كجزء من التعليم المستمر، ويشارك فيها المهتمون من خارج الجامعة كالموظفين والمهندسين وأصحاب المهن الطبية تشمل تقديم المحاضرات الالكترونية بصورة تفاعلية، وتشجيع الجامعات بتأسيس شبكة اتصالات مقيدة وخاصة (انترانت)، حيث يمكن استخدامها لغرض التعليم "أون لاين".

ملاحظة أخيرة، يفتح التعليم عبر الإنترنت الكثير من الاحتمالات للطلاب والمعلمين على حدٍ سواء، ومع ذلك، فقد يؤدي أيضاً إلى توسيع التفاوتات في النسيج الاجتماعي والاقتصادي للعراق، يجب أن تسعى جميع سياساتنا وتدخلاتنا فيما يتعلق بالتعليم عبر الإنترنت إلى أن تكون شاملة، الرؤية الصائبة والجهود المخلصة والوقت سيظهر فيما إذا كنا نسير في الطريق الصحيح.

تعليقات الزوار

  • د.عبد الجليل حسن

    احسنت د. محمد بما تفضلت به من ملاحظات . اتمنى من المعنين مراجعة برامجهم من اجل مستقبل واعد للاجيال القادمة.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top