فوزي عبد الرحيم
كتبت في الماضي ولأكثر من مرة مقالات عن السياسة الخارجية العراقية فصلت فيها آليات صناعتها وماتمثله وعلاقة ذلك بطبيعة النظام وسياساته الداخلية،لكن وخلال العام الماضي حدثت تطورات سياسية تستوجب الكتابة عن هذا الموضوع المهم ،
لاسيما وأني كتبت قبل مدة عن محاولات تفكيك العراق بل وإلغاؤه كفاعل سياسي إقليمي والتي تقوم بها قوى خارجية وداخلية حيث أكدت الأحداث صحة توقعاتي ووجهة نظري في الموضوع في أن هذه المحاولات رغم تحقيقها نجاحات هامة لكنها فشلت في التقدم أكثر لوجود مقاومة وطنية أولاً كان من تجلياتها إنتفاضة تشرين إضافة لصحة الرأي القائل بأن المعطيات الستراتيجية للكيان العراقي حقيقية وموضوعية ويصعب إلغاؤها فالعراق كيان سياسي ليس مفتعلاً كما ذهب
لذلك كتّاب وسياسيون كثيرون بل هو كيان عدا عن كونه حقيقة فإنه يستمد قوته من تجربة المائة عام ألتي أعقبت تأسيس الدولة العراقية الحديثة والتي رسخت وجود الدولة كمفهوم والعراق كوطن والعراقيين كشعب مسندة بتضحيات نادرة ونضال وطني من أجل بقاء هذا الكيان ..
إن السياسة الخارجية التي أتصورها لايمكن توقعها في ظل هيمنة الفئات الطفيلية على القرار السياسي لذلك هي تفترض وضعاً سياسياً مختلفاً هو الآن مطلب غالبية العراقيين كما نعتقد وهو ما تثبته الأحداث ..إن السياسة الخارجية لأي بلد هي تعبير عن المصالح العليا للبلد وهو ليس حال سياستنا الخارجية المتبعة منذ سنين وأول خطوة لإنجازها تكون بتحديد أهداف هذه السياسة وأولوياتها ومراعاة ذلك لقيم المجتمع وثوابته وحيث أننا نعيش في عالم متواصل بشكل غير مسبوق في التاريخ وجزء من إقليم فإن السياسة الخارجية تأخذ بنظر الإعتبار ذلك كحقيقة وتضع في إعتبارها علاقات جيدة متبادلة المصالح مع الآخرين..
إن أي سياسة خارجية تحتاج كفاءة في إستخدام الصفات والمميزات الستراتيجية للبلد بشكل رشيق وبأولويات حسب الظروف السياسية للبلد والأقليم والعالم ولتحقيق ذلك يجب أن يكون تحسين العلاقات مع دول الجوار والإقليم والعالم من أهم أهداف هذه السياسة فمن الضروري أن تكون العلاقات طبيعية تقوم على المصالح المتبادلة مع إيران وتركيا وغيرهما من دول الجوار والإقليم لكن ذلك لن يتحقق لمجرد رغبتنا بذلك فما الذي يجعل إيران أو تركيا تدخل في علاقة تبادل مصالح متوازنة معنا وهي قادرة على إقامة علاقات مختلّة التوازن لمصلحتها كما هو الوضع الآن؟ يجب أن تكون هناك قوة يتمتع بها صاحب القرار السياسي العراقي كي يفرض علاقة جديدة تراعي المصالح العراقية وهذه القوة تأتي من مصادر متعددة مثل القوة العسكرية والورقة الاقتصادية وعلاقات البلد بالدول الأخرى التي يتم تجييرها لتصبح مصدر قوة أزاء الآخرين،فالعلاقة مع إيران أو تركيا مع وجود قوة ردع عسكرية ستجعل الرغبة العراقية في علاقات متوازنة غير الحالية المختلة لصالحهما ممكنة ومدعومة بالقوة ،إضافة إلى أن المناورة بالعلاقات بين الدول يقوي أوراق العراق التفاوضية مع أي منهم فتركيا تسعى لتوسيع علاقاتها الإقتصادية مع العراق وعندما يبدي العراق إشارات أنه قد يستعيض عن هذه العلاقات أو يقلصها لحساب إيران مالم تتحسسن شروط العلاقة معها،فإن ذلك مع أوراق أخرى يلعبها العراق سيجبر تركيا على تحسين شروط العلاقة لصالحنا وهكذا الأمر مع إيران بل وحتى مع أميركا التي من الضروري والحيوي للعراق وجود علاقات قد لا تكون متوازنة في البداية لكنها مهمة لإحداث توازن في العلاقة مع إيران وتركيا والآخرين..
إن الإنفتاح على علاقات واسعة مع العالم يعطي مرونة كبيرة لصاحب القرار السياسي ،فالعلاقة مع الولايات المتحده ليست أمراً مريحاً لبعض دول الجيران والإقليم لكنها مهمة لنا ، إذ في الوقت الذي نرى أن أميركا تقف خلف الكثير من مآسينا المتأتية من مصالحها غير المشروعة في العراق والمنطقة وأيضاً بسبب عدم فهم حكام العراق لكيفية التعامل معها في الماضي فإن أميركا هذه هي من الدول القليلة التي لامصلحة لها في تفكيك العراق على الأقل في الوقت الحاضر وهو أمر يجب العمل عليه بجدية وعقل مفتوح وحكمة لتحقيق الفائدة الوطنية وعدم السقوط في حبائل المخططات التي لا تفيد البلد وقد تضر بدول مجاورة ..إن مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخرين وعدم السماح لهم في التدخل في شؤوننا مبدأ أساسي يجب التمسك به والعمل عليه كما أن هناك مصالح ستراتيجية مع بعض البلدان الإقليمية والعربية يجب الحفاظ عليها حتى ولو إننا لسنا موافقين على سياساتهم في مجالات أخرى أو حتى في سياستهم تجاهنا وبشكل أكثر تحديداً فإننا لا يجب أن نكون طرفاً في إضعاف القوة الإيرانية ولا نساهم في محاولات تهديد أمن السعودية
إن إدارة السياسة الخارجية بكل تناقضاتها وملفاتها أمر يحتاج عدا ماذكرناه الى كفاءات ومهارات يسبقهما فهم عميق للعالم ووطنية حقيقية .
اترك تعليقك