اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > تاركو الأثر.. يفتح مغاليق تجربة الأديب والفنان والمعماري

تاركو الأثر.. يفتح مغاليق تجربة الأديب والفنان والمعماري

نشر في: 10 مايو, 2021: 09:59 م

أ. د. عقيل مهدي يوسف

بنهج استقرائي يخوض (علاء المفرجي) حوارات متنوعة الآفاق والمنطلقات، مع نماذج من أعلام الثقافة، ليبني من جزئيات ما أبدعوه ،

خلاصة دالة، (لا يتموتيف)، تضيء تجربة كلٍّ منهم، بفرادتها، الثقافية والفكرية والابداعية ، سواءً على مستوى "السرديات" و"الشعر" أو "المسرح" و"الموسيقى" والتاريخ" و"السينما" و"الرسم" و"العمارة.. متوسلاً بركائز توثيقية في طبيعة نِسبها وعلاقات عناصرها وأهمية دلالاتها، وكأنه يفتح مغاليق تجربة الأديب والفنان والمعماري، بتحفيزات أسئلة نوعية، ذكية، تتعلق بطبيعة نتاجاتهم ذاتها، في سماتها، وخصائصها، وبالتالي يظهر المبدع وهو يبوح بأخصّ أسراره، ليسْتَكْنِهْ منها، رؤاه الفنية، ولينقل ذخيرتها الى العلن في صحيفة يومية، كانت (مادة) كتابه هذا، التي سيقارب القارئ، تظاهرتها الدالة، والمحسوسة من أبعاد تنظيرية، حيث يصبح المبدع نفسه هو الشاهد الأوّل ، على تقييم كنز منتجاته الإبداعية، وتدوين تاريخ، ومعاناته في حقل تخصصّه الميداني.

يوظف (المفرجي) مفاهيمه Cencepts ليصنّف، المبدعين، في حواراته المنهجية بمقاربة موضوعية، تكشف عن أسلوبياتهم المتنوعة في الرؤية، والتفكير والشعور والإنجاز، بهدف إيصال أصواتهم بأمانة الى القرّاء بدقة وعناية، والتأكيد على اختلاف (هوياتهم) الخلاقة، المتباينة وموقفهم من العالم والمجتمع والثقافة، عرّفتنا النظريات الأدبية، على طروحات (أرسطو) عن الشعر والأسطورة والدراما، بمثل ما فعل المنظّرون اللاحقون في فترات تاريخية قريبة في زمن (ديدرو)، الذي يرى في الدراما، (ملهاة) تفضح الرذيلة، و(مأساة) عن شقاء العظماء – أو تجد (فان تيغيم) يعرّف (الشعر) ، في قوة الخيال ، وجرأة الابتكار ، وجزالة التصميم ، ودقّة الموضوع، أو أن (سارتر) يرى (التاريخ) قوة تحركنا من داخلنا، كما تصنع الشعوب تاريخها، عبر الأجيال المتوالية.

ويحذرنا (برتراند راسل)، بأن (الحرب) ليست لعبة لذيذة، حين تدْهم الناس في بلادهم ، لتستحيل الى لعبة مقيتة!

سيعرّفنا، (المفرجي) بحواراته، كيف وقف المبدع العراقي في "داخل" الوطن، و"خارجه" من فنّه، ومشروعه الفكري، وكيف استطاع رعاية نمو تجربته، أو حافظ على حرية اختياراته في تلك الأعمال الفريدة في بابها الخاص.

سنستدل على معاناة الأديب، والمثقف بشكل عام، واقفاً تحت اختبارات ، "مخاضات" السياسة ، وصراع القوى المتعارضة ونقائضها، وما أفرزته من مكابدات ومطاردات ودمار وحروب، ليبقى مناضلاً في بحثه عن الحرية والعدالة، ضدّ الاستلاب والدكتاتورية، ولأن كتاب (تاركو الأثر) يستدعي القارئ، للتمتع بكلّ لفظة وردت فيه، تغني معرفته، سوف لا يتسع المجال لذكر رقم (19) ممن أجرى معهم اللقاء، وهي لقاءات غير قابلة للاختزال، انما للإشارة الى بعض مؤشراتها، إذ ترى شاعراً عراقياً، يوظف جملة للمخرج (بازوليني) ، تقول (بان الشاعر الذي لا يخيف، فليهجر العالم) وشاعرنا يرى أن بغداد (مدينة مبدعة)، حتى منائرها ملوّنة بالقاشاني والطفل العراقي ، ينطق وجهه بالحياة وشعب حاد، ورقيق، والعنف الثوري، انساني، وليس دموياً. والشعر بالفصحى نحت بالصخر، وبالعامية، اشتغال بالطين – وكأنها عشيقه مطواعة ، نضِرَة مورقة، وثمة آخر، شاعر عراقي مغترب ومترجم، لرواية (يوليسيس) جيمس جوبس وبعض أعمال شكسبير، وهو لم يقف بفضوله الثقافي عند (جانر) أو (نوع) شعري واحد ، وتنوعت مراميه مثل اليوت، المنهمك بالمسرح والنقد، والمقالة، والترجمة والفلسفة كما (توفيق الحكيم) في الرواية، والمسرح ، والمذكرات.. أو يذكر بمقولة (برناردشو) – بان كل مكان أفيدُ منه هو (وطني) – ويخلص الى أن اغترابه جعله يضيف شكسبير الى المتنبي، ولورنس أوليفيه الى سامي عبد الحميد ويختتم حديثه بانه اختار موته، كما فعل السهروردي، ليحرم قائله من إشباع حقده. ويتباهى بمنجز عراقي قديم مترجمنا هذا فيسوق قول (ريلكه) بأن (ملحمة جلجامش مذهلة) لديهم رواية (البيكارسك) ، ممهّدة للرواية الجديدة.

ويرى في (شكسبير) أن (الاصداء) في (تراجيدياته)، أهمّ من (أصواتها) في المعنى، والمبنى، والايقاع، لما تقيمه (الكلمات) من علاقات بما قبلها وما بعدها. وينفر (شاعر) عراقي آخر من بعض الأدباء الذين يرون (الاكاديمية) سُبَّة ! ويدين هذه اللاعلمية في كلامهم، ويقوم بتوصيف تجربته في القصيدة المركبة من لون، وموسيقى وسينما، في فن صياغة العبارة ومهارة التعبير عن الفكرة وقد تستدرج (المؤسسات) المثقف، وتساومه، والا فانها تطلق أزلامها، كما قال (بن حزام):

تكنّفني الواشون من كلّ جانب

ولو كان واشٍ واحدٍ لكفاني!

وترى شاعر من جيل سبعيني، يراهم قد انقذوا الشعر من الانحطاط، بوصفه يحتل مناطق ذوقية وجمالية ومضامين روحية ، في نصوص مفتوحة، بمعانيها المواربة المدهشة، وثقافتها في السياسة، وشاعر آخر، يبحث عن وجوه الجمال المتعددة، بصورة شعرية قابلة التأويل، ويرى أن المثقف العراقي، سواء في الخارج أو الداخل، هو ثراء للثقافة الوطنية العراقية – وفي السرديات، تبعاً، لتسلسل الأسماء المدرجة في كتاب (المفرجي) ، ترى الروائية الى الايدلوجيات سبب خراب عشّ المرأة – في وطن تعرّض لهزّات عميقة والواجب، هو أن تقاوم الانقراض، ويجد (معمارياً) أن العمارة في العراق، تتعرض للتشويه، والتغيير التعسفي – مؤكداً على أهمية الحوار بين ثقافات المعمار العالمي، لتجاوز (تصحّرنا المعماري). ويرى معمارياً آخر، بان (التَزْييف ، "آفة" محقت المناطق الحضرية وبلا إنجاز مشاريع ضخمة.

وترى روائية، أنها حفيدة سلالة مائية، وتبشر بعصيان الوصايا وهي موسيقية، وتشكيلية، متغلغلة في صورة (روائية)، تبحث عن (تخييل تاريخي) : "Historical imagination"

لاستكشاف روابط خفيّة في واقعنا البشري.

أما الروائي الآخر، فيعتبر الرواية، غريزة مثل الجوع، والجنس، ويعدّ نفسه مغامراً في النقد والفكر، والفلسفة. وآخر كاتب وشاعر ومترجم، يحسب الترجمة، إعادة كتابة، في اللغة وتقنياتها، وآخر، يرى ظهور جيل روائي جديد في العراق، وإن كلَّ مكوّن، يريد أن يروي قصته الخاصة لهويته المتفردة.

ويحرص قاص على تلك اللحظة الفاصلة، في هبوط الوحي، بمظلة الفن والجمال- وفي حقل (الرسم) يرى الرسام، إن مشاهدة (كوديا) في متحف اللوفر، قدّم له الحلّ الفني ، فهو الأقرب الى ذهنيّته وميوله – كما فعل (دودو) أيضاً، وهو من سلالة عراق ما بين النهرين ما قبل التاريخ، جعله، يشكّل شخصياته في اللوحة، ممثلين لأصحاب المهن والحرف، التي يأسف على انقراضها من عالمنا الجميل – ومن المعاصرين يتذكر مواضيع المقهى التي استلهمها من (محمد غني حكمت) من قطعة خشب بارزة النحت. وهناك مصور فوتوغرافي يرى أنه قدم قصائد بصرية، تشبهه. وفنان تشكيلي، يرى أن ينظر الى الأشياء من زاوية مختلفة، أما فنان المسرح الرائد فيرى، أن المسرح التجريبي عندما، قد ابتُذِل، كما أننا لم نؤسس لمسرح تقليدي بعد. ويوافقه فنان مسرحي (تجريبي)، بقوله ، لا يوجد مسرح عربي، إنما توجد تجارب مسرحية عربية.

وينقل مخرج سينمائي في فيلمه الأخير، بَلده العراق الى المنفى، في حين يرى (موسيقي) عراقي، ضرورة، التوفر على معرفة، التأليف الاوركسترالي، والهارموني، ومراحله، وقوالبه الموسيقية، وهيكليتها!

ختاماً، أرى ضرباً من العزف الحواري، مع مبدعينا العراقيين، بمثل هذه اللقاءات التي أدّت هدفها الثقافي الجاد، بأسلوب شائق، مكتنز بالوعي، والالتزام بتعددية المنظورات الإبداعية، الحرّة، مما يجعل كتاب (تاركو الأثر) – إصدار (المدى) – 2020 كتاباً جديراً، بالقراءة الجادة الرصينة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملاحق المدى

مقالات ذات صلة

16-04-2024

مثقفون: الجامعة مطالبة بامتلاك رؤية علمية تكفل لها شراكة حقيقية بالمشهد الثقافي

علاء المفرجي تحرص الجامعات الكبرى في العالم على منح قيمة كبيرة للمنجز الثقافي في بلدانها، مثلما تحرص الى تضييف كبار الرموز الثقافية في البلد لإلقاء محاضرات على الطلبة كل في اختصاصه، ولإغناء تجربتهم معرفتهم واكسابهم خبرات مضافة، فضلا على خلق نموذج يستحق ان يقتدى من قبل هؤلاء الطلبة في المستقبل.السؤال الذي توجهنا به لعدد من […]
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram