حسين جبار
تحظى الرياضة بشكل عام، وتأسيس الأندية الرياضة والاجتماعية والثقافية بشكل خاص، باهتمام الدول المتقدمة، وتضعها ضمن أولويات خططها الستراتيجية لِما للرياضة من أهمية في بناء الفرد، وترسيخ القيم الصالحة لديه، وبالتالي بناء المجتمع الحيوي القادر على العطاء.
ومن أبرز الأمثلة على سعة انتشار الأندية الرياضية في العالم أن ألمانيا المعروفة بنشاط وحيوية مجتمعها وقدرته على الإبداع والإنتاج تمتلك قرابة (90,000) تسعون ألف نادياً ومنظمة رياضية منــها (26,800) نادٍ كروي رسمي مسجّل، وتُعد الثالثة عالمياً في عدد الأندية الرياضية التي تضمّها، وهذا المسعى في زيادة عدد الأندية الرياضية، وعدد ممارسي الرياضة هو أشبه بمنهج اختطّته دول عدة متقدّمة لخلق مجتمعات حيوية قادرة على الإنتاج والعطاء وإشاعة القيم النبيلة المتحضّرة التي تحملها الرياضة.
أما في محيطنا العربي، فعلى سبيل المثال فقد وضعت السعودية خطّة ستراتيجية تمتدُّ لعشر سنوات قادمة، وتحديداً لغاية العام 2030 ضمن برنـــــــــــــامج أسمــــــــــــــته (رؤية السعودية) يتضمّن ثلاث محاور أساسية هي (مجتمع حيوي, اقتصاد متنامي, وطن طموح) وفي المحور الأول ضمن محاور (المجتمع الحيوي) وضعت من بين أهدافه الأساسية رفع نسبة ممارسي الرياضة بمعدل مرة واحدة على الأقل أسبوعياً من %13 إلى 40 % إضافة إلى تأسيس أكثر من 450 نادياً هاوياً مسجّلاً يقدّم أنشطة ثقافية متنوّعة وفعاليات ترفيهية وفقاً لمنهجية منظّمة وعمل احترافي.
وهذا التوجّه يعكس إدراكاً معمّقاً من الخبرات التي أسهمت في إعداد برنامج رؤية السعودي لأهمية بناء المجتمع وديمومة حيويته واستخدام جميع الوسائل المتاحة لتحقيق هذا الهدف ومنها الرياضة.
أما الرياضة عندنا بشكل عام، والأندية التي تمثّل حجر الزاوية فيها تعيش واقعاً مُربكاً قد تكون انعكاساً للأزمات السياسية والأمنية والاجتماعية التي عاشها العراق خصوصاً مرحلة ما بعد 2003 حيث تضاءَل حجم وتأثير البُعد الاجتماعي والثقافي للأندية الرياضية العراقية بشكل كبير وشهدنا عزوف العوائل العراقية عن الاشتراك في الأنشطة والفعاليات التي تنظمها هذه الأندية، فضلاً عن انعدام التوجّه لإنشاء أندية اجتماعية ثقافية على غرار نادي العلوية الذي يعود تاريخ تأسيسه إلى العام 1924 ونادي الصيد الذي تأسّس في العام 1969 واللذان يعملان استناداً الى قانون منظمات المجتمع المدني، وليس قانون الأندية، لكن إطارهما العام يتضمّن انشطة رياضية، ومع حساب النسبة والتناسب بين عدد نفوس العراق الذي تضاعف مرّات عدّة، وبين عدد الأندية ذات البُعد الاجتماعي والرياضي نجد فارقاً شاسعاً انعكس بشكل سلبي على أداء هذه الأندية وغيرها.
وإذا ما تناولنا موضوع الأندية التخصّصية، ومنها أندية الرياضة النسوية فسيكون الحديث أكثر ألماً وأشد مرارة لما عانته وطوال سنوات طويلة مضت من إهمال واستغلال أضيف اليه تأثيرالتراجع في منظومة القيم المجتمعية!
ومع تاريخ العراق الحديث الذي تبنّى فيه التخطيط الستراتيجي منذ خمسينيات القرن الماضي، ونفذ مشاريع عملاقة سبقت بعقود ظهور دول على خريطة العالم، فإن التساؤل الذي يطرح نفسه هنا: هل إن العلّة في أصحاب القرار وصنّاعه ومن يتبنّى المعارضة من أصحاب دعوات الإصلاح ممّن تحرّكهم في الغالب تقاطعات المصالح وليس الدوافع الوطنية أم أننا أصبحنا مجتمعاً خاملاً يرواح مكانه بعقلية استهلاكية تبحث فيها الغالبية عن التفاهة عاجزاً عن تبنّي مثل هكذا مشاريع ستراتيجية رياضية ذات أبعاد ثقافية اجتماعية تحقق عوائد محترمة لأنديتنا وتنقذها من عوز الدعم الحكومي المتذبذب، وفي ذات الوقت يتم استثمار البُعد الرياضي فيها لبناء شبابنا رياضياً وتحصينهم فكرياً بدل تركهم فريسة سهلة لكل غزوٍ فكري يستهدف وجودهم ومستقبلهم؟
اترك تعليقك