العشرات من مربي الجاموس في الأهوار الوسطى يهاجرون جراء شح وملوحة المياه

العشرات من مربي الجاموس في الأهوار الوسطى يهاجرون جراء شح وملوحة المياه

 ذي قار / حسين العامل

كشفت الحكومة المحلية في ذي قار وناشطون في مجال بيئة الاهوار، عن هجرة العشرات من مربي الجاموس من مناطق الاهوار الوسطى نتيجة شحة وتلوث المياه وارتفاع التراكيز الملحية فيها، محذرين من كارثة بيئية قد تتسبب بنفوق قطعان الجاموس في مناطق الاهوار.

وتشير نداءات الاستغاثة التي يطلقها السكان المحليون والمنظمات البيئية في مناطق الاهوار الى هجرة العشرات من الاسر التي تمتهن تربية الجاموس من مناطقها في الاهوار الوسطى الى مناطق اخرى بعيدة نتيجة شح المياه وما ينجم عنه من تلوث وارتفاع في التراكيز الملحية الذي يحرم قطعان الجاموس من المياه الصالحة للشرب.

ويقول مدير مكتب منظمة طبيعة العراق في مناطق الاهوار المهندس جاسم الاسدي في هذا الصدد ان "مربي الجاموس اخذو بالهجرة الداخلية من الاهوار الوسطى باتجاه اهوار العملاق والقنوات المتفرعة من نهر الفرات طلبا لمياه اقل ملوحة تصلح لإرواء قطعانهم"، مبينا ان "المياه القادمة من شمال الاهوار الوسطى باتجاه نهر الفرات بتراكيز ملحية عالية تتراوح ما بين 11 ألف الى 12 ألف جزء بالمليون ولاسيما في بركة فاطمة والاحمر الكبيرة والصغيرة".

واوضح الاسدي لـ(المدى) ان "المياه المناسبة لقطعان الجاموس ينبغي ان لا تزيد معدلات ملوحتها على 6 آلاف جزء بالمليون كونها لا تشرب المياه المالحة التي تزيد عن المعدل الملحي المذكور"، مبينا ان "مربي الجاموس هاجروا مع آلاف من قطعان الماشية طلبا للماء والاعلاف".

واشار مدير مكتب منظمة طبيعة العراق الى ان "ارتفاع الملوحة وتلوث المياه جعل من مربي الجاموس يواجهون صعوبة بتوفير الاعلاف من النباتات الخضراء"، مؤكدا تكبدهم خسائر كبيرة خلال الايام الاخيرة نتيجة انخفاض اسعار الجاموس وتدني كميات الحليب وإنفاق الاموال على شراء المياه العذبة والاعلاف لقطعانهم".

ودعا الاسدي اصحاب القرار لرفد مناطق الاهوار التي ترتفع فيها الملوحة بمياه عذبة من ناظم البتيرة باتجاه قناة العمشان والخميس لتغسل هذه المياه القادمة من نهر دجلة ادران واملاح الاهوار الوسطى ابتداءً من الصيكل نزولا الى المناطق الاخرى باتجاه الاهوار المذكورة.

وتوقعت منظمات بيئية معنية بالمياه وبيئة الاهوار في (الرابع والعشرين من ايار 2021) انخفاض مناسيب مياه الاهوار الى اكثـر من النصف خلال اشهر الصيف، وحذرت من استنزاف الخزين المائي نتيجة السياسة المائية التي تعتمدها الوزارة في ادارة ملف المياه.

وبدوره نشر الناشط البيئي رعد حبيب الاسدي في مدونته الشخصية صور ومقاطع فيديوية مؤلمة تظهر مشاهد من مساحات الاهوار التي طالها التجفيف وما يكابده السكان المحليون من معاناة نتيجة شحة المياه في مناطق الاهوار الوسطى.

ومن جانبه، يؤكد حسن ناصر وهو أحد مربي الجاموس لـ(المدى) ما ذهبت اليه المنظمات البيئية قائلا ان "مربي الجاموس ومواشيهم باتوا على موعد مع شحة المياه في كل صيف غير ان الشحة جاءت مبكرة هذا العام وهو ما اضطر المربين في الاهوار الوسطى الى الهجرة قبل ان تشتد الازمة"، مبينا ان "شحة المياه وملوحتها اضافت اعباء مالية كبيرة على المربين وهو ما جعلهم يلجأون الى بيع قسم من مواشيهم لتخفيض النفقات وتوفير المال الكافي لشراء الاعلاف والمياه العذبة".

واوضح ناصر ان "الاوضاع الحالية جعلت من تربية الجاموس مهنة خاسرة، كون المربين باتوا يتعرضون الى خسائر مضاعفة تتمثل بزيادة النفقات على شراء الماء والاعلاف واجور النقل ناهيك عن انخفاض اسعار الجاموس بعد ان توجه الكثير من مربي الجاموس الى تقليص اعداد جواميسهم لتفادى المزيد من الخسائر وتوفير المال اللازم لتربية المتبقي من القطيع".

وكان مكتب الاتحاد الدولي لمربي الجاموس في العراق ومختصون في بيئة الاهوار كشفوا لـ(المدى) في (الاول من شباط 2021) ، عن تراجع كبير في اعداد الجاموس خلال الاعوام الخمسين المنصرمة، وفيما اشاروا الى تراجع تلك الاعداد من مليون رأس في سبعينيات القرن المنصرم الى 300 الف رأس في الوقت الحاضر، دعوا الى تبني برامج علمية لتنمية الثروة الحيوانية في العراق وانشاء مدارس حقلية وجمعيات تعاونية لمربي الجاموس.

بدوره، قال محافظ ذي قار احمد غني الخفاجي لـ(المدى) ان "المعلومات التي وصلتنا من مناطق الاهوار تشير الى تفاقم معاناة مربي الجاموس الناجمة عن شحة المياه"، واضاف "من المأساة ان تتعرض ثروتنا الحيوانية للإبادة نتيجة شحة المياه".

ودعا الخفاجي "وزارة الموارد المائية الى التعجيل بإيجاد الحلول الناجعة لازمة المياه ومعالجة شحتها في مناطق الاهوار"، معربا عن قلقه من ان "تتعرض مناطق الاهوار الى كارثة بيئية ونفوق الثروة الحيوانية التي يعتمد عليها قسم كبير من سكان الاهوار في توفير مصادر رزقهم وتعتمد عليها المحافظة في توفير حاجتها من الحليب ومشتقاته".

وعن اسباب الازمة وتداعياتها قال محافظ ذي قار ان "مشكلة المياه ذات ابعاد دولية واخرى محلية"، مبينا ان "البعد المحلي يتعلق بخطة وزارة الموارد المائية التي تتمثل بحبس المياه بين الموسمين الشتوي والصيفي للزراعة وهذا ما يتسبب بشحة في المياه في الفترة المذكورة".

وأعرب المحافظ عن امله بإطلاق كميات من المياه الاضافية مع انطلاق موسم الزراعة الصيفية، مرجحا ان "تسهم تلك الاطلاقات بتحسين مناسيب المياه في الانهر المغذية للأهوار".

واشار الخفاجي الى ان "المشكلة الدولية للمياه مازالت قائمة نتيجة تحكم الدول الاقليمية المتمثلة بتركيا وايران بحجم الاطلاقات المائية"، منوها الى "وجود مساعي تبذلها الحكومة المركزية لحلحلة الازمة من خلال مباحثات تجريها مع الدول المذكورة".

ونبه الخفاجي الى ان "محافظة ذي قار تتبنى خطة مستقبلية لاستقطاب الشركات الاستثمارية التركية للعمل في محافظة ذي قار لنضمن من خلالها الحصص المائية للمحافظة"، منوها الى ان "الخطة التي مازالت قيد الدراسة تركز على تعزيز التعاون الاقتصادي لحل المشاكل العالقة".

ويتعرض سكان الاهوار ولاسيما مربو الجاموس الى جملة من المشاكل والازمات على مدى ثلاث عقود نتيجة ما مرت به مناطق الاهوار من تصحر خلال سنوات التجفيف المريرة في تسعينيات القرن الماضي التي أدت إلى هجرة مربي الجاموس وفقدان 90% من قطعانهم، ناهيك عن شحة المياه التي ألمت بالأهوار في أعوام 2009، 2015 و 2018 والتي أضرت كثيرا باقتصاديات مربي الجاموس ومجتمعاتهم المحلية، كما يعاني مربو الجاموس من انعدام وجود البنى التحتية في قلب الأهوار كالمدارس والمراكز الصحية والبيطرية، والمياه الصالحة للشرب.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top