ترجمة / حامد أحمد
تناول تقرير أعده المعهد الملكي البريطاني للشؤون الدولية تشاثام هاوس Chatham House عن ملف الفساد في العراق، أشار فيه الى ان الفساد السياسي هو العامل المعوق الرئيس لتحقيق إدارة كفوءة ناجحة للبلد، وان الطامة الكبرى لهذه المشكلة هي انها متجذرة لدى النخبة الحاكمة للبلد المهيمنة على مفاصل الدولة ومؤسساتها.
وكشف التقرير عبر لقاء اجري مع احد الوزراء بانه ليست له سلطة في اختيار عقد دون غيره من التي تعرض عليه للتوقيع. حيث يجبره مساعدوه في الوزارة من أصحاب الدرجات الخاصة والتابعين للأحزاب على توقيع العقود التي يختارونها وترك الأخرى واذا ما خالفهم فان مكالمات هاتفية ورسائل نصية ستنهال عليه ليعدل عن رأيه، وهي احدى آفات الفساد في البلد حسب ما وصفها التقرير.
ونقل التقرير عن احد الوزراء قوله "توقيعي هو مجرد بصمة بعد ان تمت الموافقة على العقود سلفا"، مشيرا الى انه في كل يوم أحد عند اجتماعه بمساعديه في مكتبه الوزاري يوجهوه بتوقيع عقود معينة واهمال أخرى. وعندما يعارض او يستفسر عن فحوى عقد معين فانه يواجه برد فعل رافض من بعض مساعديه من الذين يعتمد عليهم في إدارة الوزارة والمرتبطين بدورهم بأحزاب سياسية كبرى، وقد يتعرض لتهديد.
ويشير التقرير الى ان هذه الوضعية هي ليست حالة شاذة في العراق، بل هي حصيلة النظام السياسي الذي أدار البلد منذ عام 2003 . الكثير من وزراء الحكومة العراقية يعربون علنا عن استيائهم من عدم قدرتهم على استخدام السلطة التي من المفترض ان يتمتعوا بها لاتخاذ قرارات أو متابعة أجندات سياسية معينة. ولكن بدلا من ذلك فان المنتسبين الآخرين من الموظفين في وزاراتهم، الذين يستمدون قوتهم من الأحزاب السياسية، هم من يتخذون القرارات بشكل فعلي في الوزارة .
مع السنوات الأولى لنشوء النظام السياسي الحاكم في البلد بعد العام 2003 ، تركزت اهتمامات الأحزاب والكتل السياسية على المناصب القيادية الرسمية العليا في الدولة. وتتنافس الأحزاب على مناصب الرئاسات الثلاث والتعيينات الوزارية ومدراء اللجان والهيئات المتنفذة. وخلال تلك السنوات المبكرة لحكم العراق فقد كانت السيطرة على ضمان وزارة معينة هي بمثابة مكسب نفوذ للحزب.
وعبر السنوات اندفعت الأحزاب السياسية في العراق الى تسييس المؤسسات الرسمية للدولة وتحويلها الى مؤسسات بيروقراطية فاسدة. وفي كل المؤسسات الحكومية والوزارات والهيئات المستقلة تقوم أحزاب بتنصيب موالين لها فيها لخدمة مصالحها قبل مصالح الدولة ومصالح العامة من الشعب.
وذكر تقرير المعهد البريطاني ان من بين المناصب المهمة التي تستحوذ على اهتمام الأحزاب ويتم التنافس عليها هو ما يطلق عليه بنظام "الدرجات الخاصة". مئات من مسؤولين ضمن الدرجات الخاصة المسيسة، منتشرين عبر مؤسسات الدولة، سيطروا من خلال هذه الوظائف على الحكومة ولم تصدر بحقهم مساءلة قانونية عن قضايا فساد منذ العام 2005 . وخلال المنافسة بين بعضهم البعض، فان افراد المناصب الخاصة يستخدمون موجودات وزاراتهم التي يعملون فيها لمنفعة احزابهم التي يمثلوها.
منذ تشكيل مجلس الحكم الانتقالي في البلد عام 2003 أقيمت خمسة انتخابات وطنية عامة تشكلت خلالها ست حكومات وحدة وطنية. مع ذلك فان تطور النظام السياسي خلال هذه الفترة لم يقلل من قبضة الأحزاب المهيمنة. ولكن على النقيض من ذلك فان هيمنة الأحزاب السياسية على المناصب الحكومية الكبرى ازدادت اكثر، مما أدى بالنتيجة الى تسييس مؤسسات الدولة على نحو اكثر.
الاحتجاجات الشعبية التي اجتاحت بغداد ومحافظات الوسط والجنوب في تشرين الأول 2019 واستمرت لاشهر عديدة والتي سميت بانتفاضة تشرين، قد ركزت بشكل خاص على انتقادها للنظام السياسي الحاكم. هذه الاحتجاجات لم تكن تدعو لإزالة حزب معين او قائد معين، بل كانت تطالب بوضع حد لنظام المحاصصة الذي هو سبب الفشل الحكومي الذي انتهجه هذا النظام للحكم منذ بعد عام 2003 . هؤلاء المحتجون من الشباب كانوا من بين الأوائل ضمن المجتمع العراقي ممن يستنتج بان العائق الرئيس للإصلاح هو نظام الحكم نفسه وليس بسبب شخص فاسد بعينه، وهو النظام الفاسد الذي مكن أحزابا سياسية كبرى من تقاسم ثروة وسلطة عبر الهيمنة على مؤسسات الدولة.
ويوصي التقرير الى انه من اجل تعزيز جانب الإصلاح فانه يجب ان تكون هناك محاسبة ومساءلة للمتورطين بملفات فساد خصوصا ذوي المناصب الحكومية الخاصة في الوزارات، المؤسستان الرئيستان المسؤولتان عن متابعة هذا الموضوع هما الهيئة العليا للمساءلة ولجنة النزاهة، ورغم ان هاتين المؤسستين تعانيان أصلا من التسييس، فان لكليهما دورا يلعبه في تحسين جانب الشفافية لدى الحكومة والمساءلة، وذلك عن طريق التحقيق بملفات فساد في مناصب معينة وتحديد المتورطين. مع التأكيد على ان أية محاولة لاصلاح النظام السياسي في العراق تتطلب تحقيق المساءلة مع المتورطين بالفساد من مختلف المناصب، وما عدا ذلك فان أية محاولة لإصلاح النظام السياسي الاعم سيكون مصيرها الفشل.
عن معهد تشاثام هاوس
اترك تعليقك