قالوا له كانت هنا مكتبة عامة تملأ الكون بالضوء ومنها انطلق علماء المدينة ليكتبوا على ارجاء الدنيا حروفا من نور وأسماء من وهج الخلود فسرها في نفسه إلى أن يرى برهان ما اضمر ويستشعر ما هو ماض من أجله ليعيد منهل عبدالجبار عبدالله من جديد.
لم ير سجاد محمد الشاب المذاري مكتبة قلعة صالح العامة فبين دمارها وولادته بضع سنين لكنه تلمس جدرانها الداكنة من عتمة المأساة ورأى دموع وجعها وهي تقف تئن بصمت بعد افراغها من محتواها العلمي والمعرفي عام 1991.
انطلق سجاد العشريني العمر في مشروعه بإحياء مكتبة مدينته العامة التي طالتها يد الدمار وهو يتكئ على أسس علمية، بعد تخرجه من كلية العلوم وفنية، خلال ولعه في الكتابة والتمثيل وانسانية، تمثلت بنشاطه المجتمعي وثقافية، بعد اطلاعه على كتب ومؤلفات تفوق سني عمره المتقد بالنشاط والحيوية. مكتبة قلعة صالح العامة من المكتبات العريقة التي تعود الى العقد الخمسيني ولعبت دورا كبيرا ومميزا في أحياء ثقافة المحافظة بشكل عام. يقول الباحث والمؤلف الميساني الشيخ حطاب العبادي "اسست المكتبة العامة في قضاء قلعة صالح في الخمسينيات من القرن الماضي وكانت عامرة بالكتب ولها روادها وكانت تابعة للإدارة المحلية اي الى القائممقامية حينما كانت قلعة صالح مركزا للثقافة في المحافظة وان اكثر من ثلثي مثقفي العمارة هم أصولهم قلعة صالح وهذا يعني ان المكتبة كان لها دور في هذه الثقافة".
مبنى المكتبة ما زال موجودا، ولكنه فارغ المحتوى من اي كتاب، يقول العبادي وهو احد مفكري القضاء "المكتبة كبناء موجودة ومفتوحة وفيها موظف ولكن معظم الكتب التي فيها فقدت ولا تمويل لها لتزويدها بالكتب لم يبق من الكتب الا النزر القليل". استوحى سجاد من حادثة تاريخية حدثت في عهد السلالات الأولى لمدينة اور بعد دخولها في حرب مع إحدى المدن المجاورة وقضية عقد الصلح بواسطة الإله الذي خط للمتنازعين كلمة تتكون من ثلاثة حروف سومرية تعني (ام ار جي) وعند سؤال الإله عنها اجابهم انها روح العودة الى الماضي فكانت أولى حروف الحرية في عالم بني البشر.
كانت (امارجي) منطلق الشاب المذاري لطرق الأبواب والعقول من أجل جمع المقتنيات العلمية والثقافية والادبية الى مكتبة عامة بعد مكتبة قلعة صالح الصامتة لتكون أولى خطواته تأجير احد المحال الكبيرة ليحولها الى مكتبة تعج بالمؤلفات رغم بساطة مورده المادي. يقول سجاد "أطلقنا دعوة عامة للجميع لرفدنا بالكتب والمؤلفات او ارجاع بعض الكتب التي تسربت من المكتبة فكانت أولى قطرات الغيث تبرع إحدى المنظمات الثقافية ب500 كتاب تلتها مبادرة أحد البيوت الثقافية في القضاء بالتبرع بمكتبة كاملة تعود لرب الأسرة وهو إحدى الشخصيات الثقافية في المدينة وتصل الى ما يقارب 300 كتاب".
فكرته في إعادة وإحياء المكتبة العامة كانت بمثابة منطلق جديد وانبعاث رفوف المعرفة والفن من عالم الرماد كطائر الفينيق الاسطوري.
نجح سجاد بجمع ما يقارب 1000 كتاب ولا يزال يتطلع لجمع العديد من الكتب لشغفه الكبير بإنجازه لأبناء مدينته.
اترك تعليقك