اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > عام > خاتمة فيورباخ

خاتمة فيورباخ

نشر في: 16 أكتوبر, 2021: 11:39 م

ياسين طه حافظ

على سعة الادعاءات عبر التاريخ وعلى كثرة ادعياء انقاذ البشرية، ظلت حقيقة الإنسان فرداً عرضة للهتك، للاستغلال بأنواعه، لضروب القنانة.

وكان الإنسان بسبب صعوبة وشحة ما يقيم أوده، يرتضي بالكثير من المذلات، بل احترف اساليب غريبة عجيبة من الفرضيات ومن القناعات ومن تقريب وتوظيف صلاحه الفردي لصالح رب العمل أو رئيس الدائرة وحتى لمسؤول المنظمة والحزب، وللعديد منا تجارب في هذا بعضها مذلة تماماً وبعضها تمسخ الإنسان إلا من هيأته الآدمية، ولولا هذه يُمسخُ تماماً من كل إنسانيته.

كانت هذه مقدمة لتأكيد الوجع أكثر مما للكشف عنه. ولنأت للدعوات الكثيرة من مستوياتها الأخلاقية المختلفة لنجد مدى جدية الإنقاذ ومدى الجدوى من كل المحاولات والجهود التي بذلت أو عبث بها قصد الوصول إلى ما يعرفون جيدا صعوبة الوصول اليه. بل قد أذهب إلى الشك بجدية المحاولات وحقيقة المساعي. يتضح هذا بعد رؤية تفاصيل التقاطعات والرغبات الشخصية وما وراء حركات التزعم والهيمنة ونتائج كل التجارب المخيبة.

سأبدأ الكلام من جذر المشكلة أو البداية “العظيمة” للانقاذ. سأبدأ مما لا تتوقعونه، من خاتمة “فيورباخ” حيث أنتهى كارل ماركس إلى ما يمكن اعتباره اهم عقيدة ثورية محكمة، خاتما اطروحات فيورباخ بان “الفلاسفة فسروا العالم بعدة طرق اما النقطة الأساسية، فهي تغييره»!

هل سأل أحد السؤال الضخم والهائل : كيف تغييره؟ هم دخلوا فعل او أفعال أو سلوكات التغيير وظل: التغيير إلى ماذا؟ وكيف تحدد ماهيات أو نوعيات أو مديات التغيير. تركوا الأمور للممارسات والممارسات على وفق الاجتهادات وما ابتعدت الاجتهادات عن المصالح وحتى اليوم!

بعد انتهاء الغائيات واجه العالم وحشته الواسعة. ماذا ظل بعد؟ ما دمنا لم نعد نسعى إلى عقيدة أو إلى مفهوم غائي فما الذي يجمع تصورات المناضلين أو المجتهدين وهل من بديل عن عقيدة مشتركة وكيف تكون مشتركة أساساً ؟ ما الذي يجمع كل تلك التصورات وقد انعدمت العقيدة المشتركة؟ هي منعدمة عمليا، بعيدا عن الظاهر الكاذب المتفق عليه أو المتشبَّث به بسبب انعدام سواه.

من غير رؤى تنظيرية، الواقع العملي قال للجميع ما لم يستطيعوا نكرانه. إن الرابط الجديد، أن المشترك الحقيقي هو الحاجات اليومية والضرورات العملية داخل المجتمع أولا وداخل الاقتصاد العالمي في جانبيه الفردي والمؤسساتي، وأن كل فحوى الثورات كان حتى الآن هو المطالبة المتزايدة والمتنوعة باستمرار بالحاجات اليومية بصيغة عدالة اجتماعية ومساواة. وظل هذا وما يزال مطلب الناس الذين لم تعكس حياتهم اليومية أياً من الأثنين، وهل حتى الآن انتجت المطالب المتزايدة والمتنوعة بالعدالة الاجتماعية أو بالأنقاذ من الاضطهاد اليومي، حصيلة واضحة أو تحولا تاريخياً يمكن القول أنه حاسم وواضح؟

بعد كل الدم والموت وأساليب الاضطهاد، هل يمتلك الناس، أم هل يمتلك العالم قناعة بالسعي لتحويل عالمهم إلى أفضل؟ ماذا وراء الملايين التي تدبّ في شوارع اليابان والعواصم الصناعية والتجارية لأخرى غير الخبز المقنن والسكن المقنن وانظمة عمل ليست قاسية فقط ولكن شرسة وغير إنسانية؟ واذا كان هذا في البلاد المتقدمة، ماذا نقول عن عالمنا المحكوم بانظمة سيئة؟

والتهديد الضخم الجديد، هو واحد من عشرات التهديدات بالإبادة، اندفاع المال والقدرات التكنولوجية لبناء السدود والتحكم بمصادر المياه والطاقة، اليس هو تهديد لأساليب العيش الأولى وحصار الإنسان الاعزل إلا من الأرض وحديدة الحراثة ليأكل خبزاً؟ إلى أين تمضي بنا طاقة الرساميل وهي تتحد وتتضخم لتتحول إلى قوى مرعبة لتغيير العالم؟

ما الذي يستطيع فعله الناس وهم في المآزق الصعبة، وحيث قوى مرعبة تتحكم لا بالماء والتراب ولكن بالهواء أيضاً. ويرافق هذا يأس الناس من الحلول؟ هل سألنا انفسنا ماذا ظل من الأحزاب ومذابحها وتبجحاتها؟ ليس إلا مبان محدودة الساحات، محدودة الولاءات، محدودة الأهداف أيضا، وتتضاءل بل تختفي اعداد الذين لديهم استعداد بعد ليموتوا من غير نتائج أو بنتائج مخيبة .. هذه هي حقيقة التنظيمات الثورية اليوم وسواها مؤسسات عمل وخدمات باجور وناس يؤدون اعمالا أو مهاما لقاء ثمن أو لقاء وعود، هي أجور أيضاً. هي عمالة مختلفة الانواع ومختلفة المستويات!

والسؤال الآن، وبعدما شهدناه ونشهده، ما الذي يستطيع الناس أن يفعلوه لانقاذ انفسهم ولا أقول لإنقاذ العالم؟ والسؤال الأقسى، هو لا بأية الأفكار ولكن بأية الأدوات وأية القناعات الجديدة يمكنهم فعل شيء يُبقي للعصر بعضا مهما واضحاً من إنسانيته؟ ما أخشاه هو أن يصل بهم الأمر لأن يجدوا منطقا فكريا أو أخلاقيا بأن التمرد والثورة انتهيا وما ظل هو تنظير الخضوع واكتمال الخدمات والغاء الحلم بالاكتفاء بنظام الأجور وشروط الترقيات من اجل خبز أكثر وسكن فيه شمس وهواء طلق وقدرة على شراء الأدوية الجديدة للأمراض والأوبئة. الإنسان وهو يكدح يقتنع يوما بعد يوم بان الاحلام التي كانت للانسانية هي بعض من اساطيرها وأوهامها وأنها الان تنتبه للحقيقة!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض اربيل

مقالات ذات صلة

16-04-2024

التّجديدات مابعد الحداثيّة

لطفية الدليميأحدثت الطاقة الجديدة لرواية (الكومنولث Commonwealth) مفارقة صارخة مع ماكان يُوصف بلحظة (النضوب الأدبي)؛ ففي دول الكومنولث بدأ الكُتّاب يوظفون تجاربهم ويعتمدونها مصدراً لأشكال إبتكارية جديدة من الكتابة - الكتابة التي ستعمل في المقابل على تدعيم التغير الثقافي المطلوب في الوقت الذي واجه فيه الكُتاب خارج منطقة الكومنولث إحساساً عميقاً باللاجدوى وإستنفاد الغرض من […]
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram