اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > أين العراق من اليوم العالمي للتخفيف من مخاطر الكوارث؟

أين العراق من اليوم العالمي للتخفيف من مخاطر الكوارث؟

نشر في: 25 أكتوبر, 2021: 11:32 م

 د. أحمد عبد الرزاق شكارة

يحتفل العالم باليوم العالمي للتخفيف من حدة مخاطر الكوارث الكونية بشقيها الطبيعي والانساني في الـ 13 من أوكتوبر ، الامر الذي يطرح تساؤلا ملحا: أين يقع العراق من تحمل مسؤولياته الوطنية حيث يفترض أن تتقدم قياداته ونخبه السياسية - الثقافية – الاجتماعية - الاقتصادية الصفوف في إنتهاز فرص إقامة مشروعات تنموية مهمة يمكن ترجمتها عمليا في إطار جهود دولية لقوى المجتمع الدولي دولا ومنظمات حكومية وغير حكومية

تسعى جميعا لمواجهة تحديات عالمية خطيرة ستنعكس ولاشك سلبا على مجريات حياتنا إذا لم تتم معالجتها- من خلال إعتماد معادلة دولية متوازنة - بكل حزم وإقتدار وعلى أعلى مستويات صناعة القرار السياسي – الاقتصادي والكفاءة المهنية تخفيفا لمعاناة بشرية مستدامة تنتظر علاجات ناجعة في ظل نظام دولي جديد.

لاشك أن العراق وشعبه الاصيل عانى بحق من تركة ثقيلة من المآسي الانسانية عبرتأريخه السياسي القديم والحديث وعلى رأسها جملة حروب وصراعاتدولية واقليمية كانت أرضه ميدانا لها منتجة واقعا مآساويا داميا أثرسلبا على مخرجات مادية ، نفسية وسلوكية تجاه «التعامل مع الاخر».علما بإن من أبرز المآسي الانسانية التي يواجهها كوكبنافي الحاضر والمستقبل المنظور مسألتان في غاية الاهمية تتعلقان بكيفية التعامل اولا مع مخاطر وتداعيات جائحة كورونا – 19 بكل ابعادها الستراتيجية إنطلاقا من «أولوية الشأن الصحي»وثانيا التغيرات المناخية سريعة الايقاع المدمرة للحرث وللنسل التي جعلت الكثير من دول وشعوب العالم في وضع اقل ما يقال عنه قلق وهش يأخذ شكل مخاطر طبيعية وإنسانية غير متوقعة «صادمة» خاصة لم يتم الاستعداد الكاف لمعالجتها من المنظور الستراتيجي “علميا – تقنيا - مجتمعيا – ثقافيا واقتصاديا» في حين تنتظر شعوب العالم ومنها شعبنا العراقي إتخاذ قرارات وطنية ودولية حيوية تحد من تكاليفها الباهضة على البلاد والعباد . تكاليف تشير الانباء إلى أنها ستزداد بصورة لافتة «بشريا – معنويا وماديا” خلال العقدالقادم . إن جذورأنطلاق يوم حيوي عالمي للتخفيف من حدة مخاطر الكوارث الكونية ترجع للعام 1989بناءا على دعوة للجمعية العامة للامم المتحدة ترمي لبلورة وعي ثقافي – عالمي يحسن إدراك وفهم تداعيات ومخاطر جودية تستوجب معالجة جذرية شاملة - مستدامة من قبل كل دول العالم دون أي تمييز بين قوى العالم المتقدم والاخر المتخلف او النامي .

من أبرز المؤتمرات العالمية الهادفة للتخفيف من مخاطر الكوارث الانسانية الكونية مؤتمر دولي ثالث عقد في 2015 في مدينة سندايSendai - اليابان.المؤتمر خصص لبحث تأثيرات الكوارث الطبيعية أو التي من صنع البشر حاملة ابعادا بيئية – تقنية وبايولوجية – صحية. علما بإن مثل هذه المجابهة الكونية ستكون أيسر حالا للدول المتقدمة (علميا –تقنيا –صناعيا ومهنيا) مقارنة نسبيا بدول العالم النامي ومنها العراق نظرا لحالة الاختلاف النوعي في درجات التنمية الانسانية المستدامة Sustainable Human Development. من المؤشرات السلبية الخطيرة مثلا : تصاعد أعداد الخسائر البشرية والمادية في الدول الاقل حظا أجتماعيا – إقتصاديا مسألة نشهدها يوميا في تنامي معدلات الوفيات ، الاعاقة والمرض لشرائح مختلفة مجتمعيا – اقتصاديا ومتباينة الاعمار بخاصة للفئات الاكثر تعرضا للمخاطر الانسانية من أطفال ، شباب وكبار سن من الجنسين “ذكورا وإناثا”. مجتمعات اساسية – إن نظمت هياكلها ، وعبئت إمكاناتها وآليات عملها- ستشكل قاعدة مفترضة جيدة جدا للبناء ولإعماربلدانها ولكنها على العكس من ذلك لازالت تقدم يوميا نتيجة لتحورات كوفيد – 19 خسائر بشرية فادحة في قمة عطائها (شباب) او أخرى من كبار سن (ذوي التجارب الحياتية الغنية). علما بإن الكثير من المناطق المنكوبة Disasters’ Zones كونيا يمكننا إرجاع جذورها إلى تغييرات مناخية قاسية منتجة كوارث مدمرة بصورة لاتقل أهميتها او قسوتها عن تداعيات سوء إدارة وحكم أنتج حالات وظواهر للهجرة وللنزوح مستمرة من مناطقها الاصلية إلى اصقاع العالم او لداخل الدول ذاتها التي تعاني اصلا من الضعف السياسي – الأمني . علما بإن البعض من هؤلاء المغامرين بحياتهم وحياة اسرهم قد نجح بعد طول معاناة في الوصوللدول تتمتع بمستويات للتقدم وللعيش الكريم في القارة الاوروبية أوفي غيرها بينما المجموعات الاخرى من المهاجرين لم تصل لهدفها المشروع بل وصلت لدول اقل تخلفا مقارنة ببلادها الاصلية . ظاهرة تترجم يوميا بصورة معاناة إنسانية تتمثل برحلات للمهاجرين تنتهي نهايات مآساوية دامية للقلوب حيث القوارب المتهالكة الغارقة في مياه المتوسط او غيره ومعها اعداد كبيرة او صغيرة من البشرقبل وصولها لمرافئ آمنة . رحلات غير منظمة تفتقد لأبسط درجات الامن والامان تنظمها مافيات وتجار لاتهمهم مصائر البشر بل كل مايهمهم مرتبط بالحصول على أكبر نسبة من الموارد المادية تستحصل من بشر لايملكون من حطام الدنيا سوى القليل مما امكنهم إدخاره. العراقيون لم يكونوا بعيدين عن اوضاع مآساوية كهذه والامثلة متنوعة من دول العالممن ضمنها رحلات الى اوروبا واسترالياالتي انتهى بعضها غرقا او في مراكز الاحتجاز لسنوات طويلة . إذن يقتضي الامر صياغة معالجة جذرية على مختلف صعد صناعة القرار السياسي – الدبلوماسي – الاقتصادي – الاجتماعي والستراتيجي بكل ما يمثله من معنى عميق ترتب عليه ادوار تضامينة تخفف نسبيا من معاناة نفسية وبشرية دامية . مؤشرات أخرى يمكننا ملاحظتها في ظل تصاعد معدلات واعداد النازحين داخل بلدنا حيث وصلت في مراحل معينة لملايين البشر أو صور أخرى مؤلمة من المعاناة الانسانية عبر الحدود الوطنية “ اقليميا ودوليا” تناولتها الانباء مؤخرا من مآسي فئات للشباب العراقي الذي تعرض للغدر»المكيدة» وللموت في روسيا البيضاء على الحدود المتصلة بالقارة الاوروبية قبل وصولهم لمحطات آمنة في قلب اوروبا . هذا ومن منظور مكمل تتراكم الخسائر المادية التي تنعكس بشكل خطير على إنخفاض معدلات الناتج القومي – الوطني الاجمالي وعلى مستويات ونوعية الحياة الاقتصادية – الاجتماعية خاصة للفئات الاقل دخلا «الفقيرة والمحرومة». إن مثل هذه التأثيرات الانسانية لازالت دون مستوى الطموح في التدبر والمعالجة ، مضافا إليها حالة مؤسفة حقا من اوضاع لمشروعات إستثمارية فاشلة – فاسدة يتبين منها تهالك واضح للبنى التحتية في قطاع المواصلات والنقل وفي غيرها من قطاعات خدمية وصلت فعليا لمرحلة يرثى لها تنعكسسلبا على مؤشرات التنمية الانسانيةالمستدامة.

لعل من الاولويات على الاجندة السياسية لانظمتنا الحاكمة ضروة الالتفات إلى تكثيف درجات الاستثمار في بناء البشر قبل الحجر. مايعني ضرورة الاندفاع الجدي في تصميم وبلورة استراتيجيات واعدة تستثمر في مكافحة الفقر والمجاعة بصورة تقلل معدلاتها إلى أدنى الحدود المقبولة إنسانيا إذ دونها لايمكن تصور تشكل إستراتيجية ناجعة شاملة للتخفيف من مخاطر الكوارث الكونية الطبيعية والبشرية معا. من ما تقدم ذكره لابد من تعزيز مسار التعاون والتنسيق الجماعي بين الدول النامية بضمنها العراق في إطار صقل لمخرجات أدوار واعدة للمساعدات الدولية للتنمية الانسانية –Human Official Development Aid– يترافق مع دور إيجابي في بناء الطاقات او المهارات-Capacity Building of Skills- الهادفة لإنعاش ودعم قابلية الصمود والتحدي –Resilience- للحد من التكاليف الانسانية والمادية سواءا الناجمة عن غضب الطبيعة او التي من صنع البشر. علما بان الكوارث الطبيعية المدمرة يمكننا استيعاب فهمها أوتقبلها والرضا عن نتائجها القاسية بمرارة كونها تمثل قضاء الله وقدره إلا ان المآسي الانسانية من صنع البشر بحاجة لمعالجات واقعية – سياسية وعلمية خارج إطار طرق واساليب التفكير التقليدي الذي يستند إلى تجارب فاشلة او غير مجدية عمليا لاتتكيف مع تطورات حيوية للتنمية الانسانية الشاملة.

أخيرا لابد من الاشارة المركزة لما يعرف بالخطة العراقية للاستجابة للازمات للعام 2021 – Iraq Crisis Response Plan-الصادرة عن منظمة الهجرة العالمية التابعة للامم المتحدة –IOM- UN- Migration التي تتابع اوضاع المهاجرين في العالم ومنهم العراقيين من خلال مايعرف بمنصة الاستجابة العالمية للازمات Global Crisis Response Platform. ضمن هذا المنظور يمكننا وبلغة الارقام الاشارة إلى متابعات تقرير شهر فبراير 2021 الذي أكد الحاجة المالية لإنقاذ ارواح ملايين العراقيين بالتواز مع توافر عيش كريم يحترم كرامة الانسان حيث قدمت مساعدة انسانية بمايقارب 200 مليون دولار. الخطة المستقبلية يفترض ان تغطي حاجة مايقارب 4 ملايين عراقي رجعت أعداد منهم بصورة تدريجية لمواطنى سكناهم الاصلية ولكن المستهدف منهم بتقديم المساعدات الانسانية لايتجاوز فعليا المليون نسمة.علما بإن هذه الارقام الواردة الذكر- من موقع المنظمة - عن حجم التقديرات المالية المخصصة للنازحين وللمهجرين في تقديرنا تعد متواضعة جدا ولا تكفي لقضاء ابسط مستلزمات “العيش الكريم المكرم”. برغم ذلك ، تسعى منظمة الهجرة العالمية على الاقل نظريا بالتعاون والتنسيق مع الجهات الرسمية ومنظمات المجتمع المدني لخلق الشروط الموضوعية اوالمناخ المناسب لإنعاش وإحياء مجتمعات عراقية بأمس الحاجة إليها وترنو نحو فتح بوابات حيوية: من الامن والامان المجتمعي ، بناء السلام وإقامة إصلاح سياسي – اقتصادي وإجتماعي حقيقي. قضايا مهمة لازالت تنتظر إرادة سياسية فاعلة تنقلها إلى مشروعات للتنمية الانسانية المستدامة . في وقت وهنا المفارقة لازال شعبنا الحبيب ينتظرموسم قطف ثمرات التغيير الايجابي «اقتصاديا وخدميا – مجتمعيا” من إنتخابات العاشر من أوكتوبر 2021. فهل العراق والعراقيون على موعد تحول ديمقراطي – مدني حقيقي بعيدا عن مآسي إنفاذ مجدد لمظاهر المحاصصة المقيتة مذهبيا ، عرقيا ، عشائريا وجهويا ؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملاحق المدى

مقالات ذات صلة

كيف يتصوَّر العقل الشيعي (الشعبي) الوجود؟

غالب حسن الشابندر الكون كما نفهمه ظاهراً هو هذا العالَم الذي يحيط بنا، شمس وأرض وبحر وجبال وصحراء وحيوانات ونباتات… كائنات ومخلوقات وظواهر شتى، هذا هو البادي للعيان، وفيما رجعنا إلى القرآن الكريم نجد أكثر من مستوى نظري للكون، فهو قد يكون هذه الاشياء الظاهرة والخفية، أو هو العلاقات التي تربط بين هذه الاشياء، أو […]
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram