المخرج الياباني هيروكازو كوريدا:لا يمكنك دائمًا الوثوق بالذاكرة، لكنني أردت تصويرها بشكل إيجابي

المخرج الياباني هيروكازو كوريدا:لا يمكنك دائمًا الوثوق بالذاكرة، لكنني أردت تصويرها بشكل إيجابي

ترجمة: نجاح الجبيلي

إن أفلام المخرج الياباني هيروكازو كوريدا هي تأملات رشيقة في الذاكرة والعلاقات التي لا تنفصم التي تربط حياتنا معاً. سواء نقلنا إلى محطة على الطريق في الحياة الآخرة أو إلى منزل في أزمة، فقد عززت دراساته الشخصية سمعته كواحد من أكثـر المتبنين للنزعة الإنسانية حساسية في السينما المعاصرة.

مع أحدث أفلامه ، الحقيقة The Truth ، يوسع نطاق أفلامه السينمائية إلى ما وراء وطنه الأصلي "اليابان". تدور أحداث الفيلم من بطولة كاثرين دينوف وجولييت بينوش، حول العلاقة بين ممثلة باريسية عجوز تستعد لنشر مذكراتها، وابنتها التي تعود إلى فرنسا لهذه المناسبة، مع زوجها الأمريكي (إيثان هوك) وطفلهما الصغير . اجتمع شملهم تحت سقف واحد ، وتتصارع الشخصيات مع ذكرياتهم الغامضة والاستياء المستمر والأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها. في الفترة التي سبقت إطلاق فيلم الحقيقة، تحدثت مع المخرج في مناسبتين منفصلتين عن تجربة صناعة فيلم في الخارج وتأثير السينما الفرنسية على عمله. فيما يلي النقاط البارزة من حوارنا.

هيلاري ويستون.

*لدي فضول لمعرفة أنواع الأفلام التي شاهدتها في فترة الطفولة و الصبا وما إذا كانت السينما العالمية جزءًا من زيارتك الأولى للسينما.

ما زلت أفكر باعتزاز عندما كنت طفلاً وكنت أشاهد الأفلام مع والدتي - أشياء مثل فيلم ريبيكا لهيتشكوك، والأفلام الأمريكية الكلاسيكية. عندما بدأت المشاهدة بنفسي، شاهدتُ أفلام الموجة الأمريكية الجديدة، مثل بوتش كاسيدي وصندانس كيد. بحلول الوقت الذي ذهبت فيه إلى الجامعة ، كانت خطتي الأولية هي أن أصبح مؤلفًا. كنت أرغب في كتابة الروايات، لذا لم أكن أفكر في صناعة الأفلام ، لكن في ذلك الوقت بدأت بمشاهدة أفلام فلليني، وهو ما غير مجرى حياتي. لقد بدأت مع الواقعية الجديدة الإيطالية ثم وقعت في وقت لاحق في حب أفلام الموجة الفرنسية الجديدة . لقد ألهمني هؤلاء المخرجون، وهذا ما دفعني للعمل مع الفرنسيين.

*هل تتذكر ما دار في ذهنك في المرة الأولى التي رأيت فيها كاثرين دونوف على الشاشة؟

كان فيلم "مظلات شيربورج" أول مرة أراها فيه. لم أصدق وجود مثل هذا الإنسانة الجميلة. لكن حتى قبل أن أكوّن انطباعاً عنها، صُدمت للتو من أنه يمكنك الحصول على فيلم كله موسيقى، حيث كان الحوار عبارة عن كلمات أغانٍ.

*وهل كنت من المعجبين منذ فترة طويلة بجولييت بينوشي أيضاً؟

بالنسبة لجيلي، ظهرت جولييت إلى حد كبير على أنها ملهمة للسينما الفرنسية، خاصة بسبب عملها مع المخرج ليو كاراكس Leos Carax. كمخرج، أجدها جذابة لأنها رائعة في الأداء بصمت. حتى حين تكون هادئة تماماً، فإنها قادرة على التعبير عن مجموعة من المشاعر بعينيها ووجهها.

*وهي معروفة بتعاونها مع صانعي الأفلام مثل مايكل هانيكي وأوليفييه أساياس وكلير دينيس وهو هسياو هسين. كيف قابلتها لأول مرة و بدأت التعاون معها؟

-كانت المرة الأولى التي التقيت بها في باريس عام 2008. تناولنا السوشي، وأخبرتني كم تحب فيلم "لا أحد يعرف" وتحدثت عن رغبتها في العمل معي في مشروع ما. بدت صريحة ومتحمسة لذلك. جولييت هي شخصية تحب إجراء الكثير من المحادثات مع مديري الأفلام التي تشارك فيها، وأنا أستمتع بهذه العملية. لقد أتيحت لنا العديد من الفرص للتعرف على بعضنا البعض قبل كتابة السيناريو، وكنا نتحدث كثيراً عن ماهية أن تكون ممثلة وكيف بدأت في سن مبكرة جداً. انعكست هذه المحادثات في عملية كتابة السيناريو. أخبرتني أن الفرق بين الممثلين المحترفين وغير المحترفين هو أن الممثل المحترف يأخذ شيئاً لا حياة له وينفخ الحياة فيه. وهذا ما فعلته عندما بدأنا العمل معاً.

*أين يتناسب إيثان هوك ، الذي يلعب دور الشخصية الوحيدة الناطقة بالإنجليزية في الفيلم ، في المعادلة؟ هل هناك أداء معين أو شيء في طاقته جذبك إليه؟

أنا معجب كبير به! فيلم Before Trilogy لريتشارد لينكلاتر رائع، وأعتقد أنه كان جيدًا جدًا. أحب جميع أفلامه — Reality Bites ، ويوم التدريب ، و Gattaca ، وقبل أن يعرف الشيطان أنك ميت. إنه بارع في تصوير الضعف البشري. لديه مدى واسع ، وهو ممثل يبرز أفضل ما في الآخرين. لقد كان عبقريًا تقريبًا في كيفية عمله مع الأطفال. هناك مشهد في مطعم في الفيلم، وكل الأطفال انجذبوا إليه بشكل طبيعي. كنت أعلم أنه يمكنني الاعتماد عليه للعمل كبديل لي أمام الكاميرا، لتوجيه الفتاة التي تلعب دور ابنته، وأنه كان لديه خبرة في ذلك من عمله مع المخرج لنكلاتر. وشعر بثقة كبيرة وقال:دع الأمر لي. الطريقة التي أدير بها الأطفال هي أنني لم أعطهم سيناريو مسبقاً. أنا فقط أشرح ما يجري في مشهد وبعض قطع الحوار قبل أن نصور. أنا ممتن لإيثان للمساعدة في توجيهها.

*هل كنتَ تتطلع إلى صناعة فيلم خارج اليابان، أم أنك صنعت الفيلم في باريس لأنك أردت العمل مع هؤلاء الممثلين؟

تبنيت الاختيار الثاني. قبل سبعة عشر عاماً، كتبت الفكرة الأصلية للقصة على أنها مسرحية لممثلة يابانية مسنة، تدور أحداثها في الغالب في غرفة ملابسها. لكن بينما كنت في محادثات مع بينوشي حول أفكار مختلفة، خطر ببالي إعادة كتابتها ووضعها في باريس كقصة أم وابنتها. لقد كتبتها حقًا لها ولكاثرين دونوف.

ما الذي تغير عندما عدلت تلك القصة الأصلية إلى قصة عن هذا النجمة الفرنسية بصورة مثالية؟

الممثلة المسنة وقضاياها لم تتغير كثيرا. لكن من أجل إعطاء شخصيتها الجسد ، أعطيتها ابنة اختارت ألا تصبح ممثلة، وصهراً من نوع الممثل ب الذي تحتقره، وحفيدة. أضفت أيضاً أنها كتبت مذكرات وأن الجميع قد اجتمعوا للاحتفال بذلك، وخلال هذه الإقامة معاً ستتاح للأم وابنتها فرصة لحل الصراع الأساسي الذي كان دائمًا يحتدم بينهما. لذلك أصبحت دراما عائلية. أود أن أقول أيضاً أن العمل قد تمت إعادة كتابته باستمرار في كل مرة تحدثت فيها إلى كاثرين وجولييت. كانتا مصدر إلهام للتغييرات في النص، وحتى أثناء التصوير، كان ما زال قيد التطوير.

هل تم إدخال التاريخ الشخصي للممثلين وخبراتهم؟

حين قرأت كاثرين النص في البداية، كان أول ما قالته لي هو، "هذا ليس أنا. هذا مختلفة جداً عني لأن لدي علاقة جيدة مع ابنتي- ولم يكرهني أي رجل تركني من قبل". لديها هذا النوع اللطيف والرائع من الخفة والسطوع عنها. لكن بالنسبة لشخصيتها، أردتُ أن أضيف في ظلام ، ظل حيث يوجد ضعف ، ثم أطلب منها إحضار تلك الأجزاء من نفسها. أعتقد أن كاثرين كانت قادرة على الابتعاد عن الشخصية، الأمر الذي سمح لها بأن تكون مؤذية ومغرورة بطريقة ما ، وكانت تدرك أن هذا هو ما تفعله.

شخصية "بينوشي" متعددة الأوجه ولديها الكثير مما يحدث. إنها أم وابنة وزوجة، وعليها أن تعرض العديد من التعبيرات في كل هذه الأدوار. على سبيل المثال ، هناك لحظة عندما يصلون إلى المنزل، وهي تنظر فقط إلى المنزل ويمكنك أن ترى، دون أن تضطر إلى قول أي شيء، أنها لم تحظ بطفولة سعيدة تماماً. أو عندما تكون في موقع تصوير فيلم والدتها، يمكنك أن ترى في عينيها أنها تتذكر الماضي. لذا ، كجزء من الفيلم ، بدأتُ في قص سطورها حتى تتمكن من الاستمتاع بلحظات أكثر هدوءً.

كيف يبدو العمل عن كثب مع الممثلين عندما لا تتحدث نفس اللغة؟

قبل أن نبدأ التصوير، كتبت رسائل إلى كل ممثل لشرح خطتي الإخراجية الشاملة، لكننا تمكنا أيضًا من إجراء عمليات القراءة والبروفات. كنا مستعدين جيدًا. لكنني سأقول أنه من خلال عملية صنع هذا الفيلم، تعلمت أن اللغة لم تكن حقاً صعبة جداً. كنت قادراً على الحكم على المضمون العاطفي للقطة معينة دون التحدث بالفرنسية. بين اللقطات كانت دونوف ستقول ، "أنا أعرف بالفعل ما تقوله على الرغم من أنني لا أتحدث اليابانية. أشعر أنني أفهمها".

رؤيتك للحياة الباريسية هي رؤية يومية تماماً. هل كانت هناك أفلام فرنسية شاهدتها سارت على هذا النهج؟

إن الجريمة العظيمة التي يرتكبها العديد من المخرجين الأجانب عندما يصنعون فيلماً في باريس هي وضع الحدث على خلفية برج إيفل أو على طول نهر السين. كنت أرغب في التخلص من جميع المعالم والمواقع الشهيرة في باريس. الفيلم الوحيد الذي كان مفيداً لي في القيام بذلك كان فيلم "حكاية عيد ميلاد" للمخرج دبلشيه Desplechin's A Christmas Tale ، والذي يضم أيضاً دونوف، لأنه يحتوي على مقاربة يومية للحياة الباريسية.

*تعتبر الذاكرة موضوعاً متكرراً في جميع أعمالك ، ومن خلال هذا الفيلم، حصلنا على صورة حادة جداً عن كيفية عملها في بيئة عائلية، والطرق التي يتم بها إعادة كتابة الماضي وإعادة تأطيره بمرور السنين. هل تغيرت وجهة نظرك حول الذاكرة على الإطلاق منذ استكشافاتك المبكرة، بأفلام مثل مابوروسي Maborosi و الآخرة After Life؟

-لقد تغيرت وجهة نظري بالتأكيد. منذ أن صنعت فيلم الآخرة After Life ، كنت أركز على أهمية اعتبار الذاكرة شيئاً وليس اسمًا مثبتاً في الوقت المناسب ولكنه فعل - فعل التذكر، شيء يتم دائماً في الوقت الحاضر. كان هذا موضوعاً في عملي: عملية العودة ورؤية الأشياء بطريقة مختلفة. ما أردت القيام به في هذا الفيلم هو إظهار كيف أن الأم وابنتها قادرة على إعادة كتابة الذكريات التي تطاردهما لسنوات، وكيف يمكن أن تسمح لنا هذه التجربة، في بعض الحالات، بالنضج والنمو. لا يمكنك دائمًا الوثوق بالذاكرة، لكنني أردت تصويرها على أنها إيجابية.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top