كوناكري وصداعها.. جبال من النفايات تطوّق العاصمة وتقرع جرس الإنذار

كوناكري وصداعها.. جبال من النفايات تطوّق العاصمة وتقرع جرس الإنذار

عدنان حسين أحمد

لم يكن «كوكانكري وصداعها» للمخرج الغيني الحسن لينغيوي هو الفيلم الوحيد الذي يعالج ثيمة النفايات وتلويث البيئة في أفلام المسابقة الرسمية للدورة التاسعة مهرجان زاكورة السينمائي، فقد سبق لنا أن توقفنا عند فيلم «إدارة النفايات في بوزغين» للمخرج الجزائري جمال باشا الذي يتمحور حول فرز النفايات، وتدويرها، وحرق المخلّفات النهائية منها.

أما فيلم كوناكري فيتحدث عن مخاطر هذه النفايات التي تحولت إلى جبال شاهقة الارتفاع تحيط بالمدينة من جهاتها الأربع، وتملأ سواقيها، وتغلق مجاري صرفها الصحي. يعتمد الفيلم على تقنية «الرؤوس المتكلمة» والفويس أوفر بشكل محدود وذلك لقصر الفيلم الذي تبلغ مدته 11 دقيقة لاغير. ومع ذلك فإن المخرج قد منح الشخصيات الثلاث فرصة الحديث لأكثر من مرة كي يدلو كل واحد منهم بدلوه، ويمكن للمتلقي في خاتمة المطاف أن يستشف من مداخلاتهم قصة النفايات في هذه العاصمة التي يعيش فيها قرابة مليونَي مواطن غيني لم يأخذوا موضوع النظافة على محمل الجد. فالدولة وإن كانت مسؤولة بشكل مباشر عن نظافة العاصمة والبلد برمته إلاّ أن ذلك لا يعفي المواطنين الغينيين من بذل قصارى جهدهم بغية تنظيف عاصمتهم وإظهارها بالمظهر اللائق الذي يتماشى مع روح العصر.

يشترك في صفة «القلق والحزن»* أكثر من شخصية في هذا الفيلم الوثائقي وأولهم عبدالرحمن، وهو مواطن من بلدية راتوما الذي يقرع جرس الإنذار وينبّه لخطورة النفايات، وتلويث البيئة، وتأثيرها السلبي على صحة المواطن من خلال استعمال وسائل التواصل الاجتماعي منتقدًا المواطنين لقلّة وعيهم، وعدم شعورهم بالمسؤولية فيما يتعلّق بإلقاء النفايات والفضلات المنزلية بشكل عشوائي في القنوات والمجاري الصحية أو تكديسها على مقربة من الأحياء السكنية الأمر الذي يفضي إلى تفشي الأمراض والأوبئة بين المواطنين من مختلف الأعمار. كما تساهم هذه العشوائية في التلويث البَصَري، فبعض الأحياء السكنية تبدو جميلة في مبانيها الحديثة لكن أكداس القُمامة تلغي أي ملمح جمالي وتحرم ساكنيها من متعة النظر إلى المَشاهد المدينية التي تحتفي بطرزها المعمارية المحلية والعالمية، وتجرّدها من أي لمسة جمالية وفنيّة.

أما ممادو يايا ديالو، وهو مواطن من بلدية راتوما أيضًا فهو يحذّر من خطورة التنقّل والسكن في المناطق المحاصرة بالنفايات التي تسببت في الكثير من الحوادث الأمر الذي بات يهدد الإنسان نفسيًا وجسديًا. كما يلقي ممادو باللائمة على الدولة التي تبدو وكأنها غائبة عن مشهد التنظيف. وهو يدعو المواطن والمسؤول في الدولة لمكافحة التلوث وإنقاذ البشرية من كارثة صحية وشيكة الوقوع. وإذا استمر الحال على ما هو عليه فإن الحياة الطبيعية تبدو مستحيلة وسط جبال من النفايات التي تتسامق كل يوم.

لا شكّ في أنّ ألفا أمادو باري، الطبيب العام من بلدية سونفونيا هو الأكثر إدراكًا وتحسسًا لخطورة النفايات وتأثيرها الفادح على الصحة العامة للمواطنين والبيئة معًا، ومن حقه أن يشعر بالحزن والأسف الشديد لفقدان الأرواح البشرية من مختلف الأعمار لأن هذه النفايات تسبب أمراض كثيرة مُعدية كالملاريا والتيفوئيد، وأخرى قاتلة كالسرطان فلاغرابة أن يقدّم حلولاً منطقية تحفِّز سلطة البلد على انشاء بنىً تحتية مستوفية للشروط الصحية، وتوفر كل وسائل ومتطلبات التنظيف الحديثة لجمع النفايات وتدويرها، والتخلّص من مخلفاتها بشكل نهائي لكي يتفادوا أي كارثة صحية مُحتملة.

تتمثل رسالة هذا الفيلم بدعوة المخرج لينغيوي الحكومةَ والمواطنين إلى تحمّل مسؤوليتهم وإيجاد حلّ جذري لهذه المشكلة التي تسبب كل يوم صداعًا حادًا لأبناء هذه المدينة الساحلية المطلّة على المحيط. لا تخلو ثيمة الفيلم من نبرة درامية مؤثرة، فالمخرج مايزال يتذكر فاجعة انهيار النفايات وطمرها لثلاثة منازل وموت 8 أشخاص يوم 22 آغسطس / آب 2017م. وهو مثل أي مواطن آخر في العالم يحب أن يكون بلده نظيفًا، وجميلاً، وصالحًا للعيش والسكن لا أن يتحوّل إلى مكبٍ كبير للنفايات والمخلّفات والأنقاض.

يروي الفيلم برمته قصّة (أقذر) عاصمة في العالم بسبب تراكم النفايات، وتلوّث البيئة وتأثيرهما على المواطنين الغينيين، وتظل نهايتها المفتوحة بانتظار الحلّ الذي لا يحتاج إلى معجزة كبيرة تهبط من السماء، وإنما يتطلّب شحذ للذهن واستنفار لهمم المواطنين وأعضاء الحكومة على حد سواء.

بقي أن نقول بأنّ المخرج الغيني الحسن لينغيوي هو من مواليد 27 فبراير 1996. نشأ في قرية دالابا، ثم انتقل إلى كويا لمواصلة تعليمه بالمدرسة الثانوية. وفي عام 2015 انضمّ إلى المعهد العالي للفنون في موري كانته في دوبريكا لدراسة الإخراج وكتابة السيناريو. أنجز «مصير منغوي» وهو فيلمه الأول، وحاز على جائزتَي أفضل فيلم، وأفضل مخرج في مهرجان «عاشوراء أونلاين»عام 2020 في العراق.

* اعتمدت في كتابة هذه المقالة على ترجمة الأستاذة ربح السهيلي لسيناريو فيلم «كوناكري وصداعها» من الفرنسية إلى العربية، وترجمة الأستاذة الفنانة فاطمة بصّور لسيناريو الفيلم ذاته. وهما تستحقان تستحقان الإشادة والشكر والثناء. وكلا الصديقتين، ربح وفاطمة، عضو في لجنة التحكيم للمسابقة الرسمية لمهرجان زاكورة السينمائي التاسع.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top