عن مسرح الرشيد مرة أخرى

آراء وأفكار 2022/01/25 11:10:16 م

عن مسرح الرشيد مرة أخرى

 عبد الخالق كيطان

لم أعد أذكر عدد المرات التي كتبت فيها عن مسرح الرشيد في الصالحية، منذ العام 2003 وإلى اليوم. والسبب في ذلك بسيط للغاية: هذا مركز حضاري يمثل ذاكرة ومشروع مستقبل واعد. وبالرغم من ذلك فلقد طالته يد الظلام أثناء الغزو، والذي كنت أسميه تحريرا، فأحالته إلى جثة.

ينبغي الاستدراك هنا: إذ لم أكن وحدي من كتب عن ضرورة إعمار هذا الصرح، بل كتب غيري العشرات. لم يقرأ أحد. ثم بدأت المبادرات التي أطلقها عدد لا بأس به من أهل الحرفة في العراق لإحياء المسرح، وبالتالي إحياء ذاكرتنا ومستقبلنا، ولكن العجيب أن تلك المبادرات سرعان ما يتم وأدها. كيف؟ لا أعرف.

ثم بدأ المسرحيون يطرقون أبواب المسؤولين بالرجاء لتدشين حملة اعمار.. وكانت الوعود، والوعود فقط، هي ما ينتظرهم. من ذلك الوعد الذي قطعه زعيم حزب الدعوة، الذي صار رئيسا للحكومة العراقية لثمانية أعوام متصلة، عندما أشار لجمع كبير من الفنانين في مناسبة انتخابية بأن طلبهم حول مسرح الرشيد لا أسهل منه. هل نفذ هذا السيد وعده؟ كلا بالطبع، إذ اشتهر شخصيا بوعوده الفضفاضة، الكاذبة إن شئت، طيبة فترة حكمه.

وغيره؟

كل مثقف، أو قريب صلة بالثقافة، يستوزر للثقافة العراقية، نتوسله أن يبدأ في حملة اعمار المسرح. يعدون، ولكن… لا ينفذون. السلطة أخاذة. تنسيهم اسماءهم!

لماذا صار إعمار هذا المسرح عقبة كأداء؟ لماذا هذا المسرح بالذات؟ هنالك رأي، طائفي، على أي حال، يتلخص باسم المسرح بالنسبة لجماعات السلطة. عندي هذا سبب سخيف جدا، واني لأستحي من مناقشته.

هل هنالك سبب آخر؟ نعم. كانوا يقولون: التخصيصات المالية. ولكن كيف أصدق هذا السبب وأنا، وأنت أيضا، شهدنا ضياع المليارات، في زمن صاحب الثمانية سنوات نفسه، ووحده؟ ثم جاء الفنان أحمد حسن موسى ليكذب هذه الرواية.. كيف؟ لقد شغف أحمد بهذا المسرح، وكيف لا وكان قدم أول مسرحياته على خشبته؟ قاد أحمد، ومجموعة من الفنانين، حملة وصلت صداها إلى أبعد الحدود من أجل إعادة إعمار المسرح. ولم يوفق. كل الأبواب مغلقة أمامه. ولكن فرصته، الشخصية والوطنية في الوقت ذاته، جاءت عندما تسلم مهام ادارة دائرة السينما والمسرح في وزارة الثقافة. قرر أحمد استثمار الفرصة فوجه جهده وجهد دائرته، لإعادة الإعمار. من المهم الاشارة هنا إلى أن المبنى يضم، بالإضافة لمسرح الرشيد، بناية دائرة السينما والمسرح نفسها. كذلك تضم البناية العديد من ورش النجارة، قاعات التمارين، بلاتوهات تصوير… وغيرها من لوازم العمل الفني.

لقد باشر المدير العام، وفريقه، حملة اعمار ٱزرها المثقفون والفنانون العراقيون في كل مكان. ثم صار مكان العمل محجا للفنانين، مساهمين ومباركين، في وقت كانت تتفرج فيه الحكومة، وفي أحسن الأحوال يذهب هذا المسؤول أو ذاك لالتقاط الصور مع العاملين في المشروع!

حسن جدا. نحن لا نريد غير عزيمتنا، ولقد نجحنا. ولكن… لا. القصة لم تنته بعد.

المسرحيون العراقيون، ومن يؤازرهم، انجزوا وعدا كان مستحيلا فحق لهم أن يفرحوا ويحتفلوا بإنجازهم. أما على الجهة الثانية، فعين الظلام القبيحة مازالت تنظر للمسرح برغبة ذبحه من الوريد إلى الوريد. لقد أخرج الاجلاف من أدراج مكاتبهم العفنة رواية حول ملكية الأرض التي شيد عليها المسرح قبل أكثر من أربعين عاماً ليقولوا بهدمه. هل رأيت خسة أكثر من ذلك؟ هذه الأرض، وما حولها، والتي استثمرتها الدولة آنذاك لبناء المسرح والعديد من المشاريع المجاورة، قد دفعت أثمانها لملاكها حينها وانتهى الأمر. أما لماذا يتذكر "مالك الأرض" أنه لم يقبض ثمن أرضه إلا اليوم، وبعد إكمال إعادة إعمار المسرح والدائرة، فهو أمر لا يحتاج الى ذكاء كي تربط سبب تأخر الإعمار الحكومي، بطلب ثمن الأرض اليوم! هل عليَ هنا أن أستعيد السبب الطائفي في الموضوع: إسم المسرح نفسه؟

وغير اشارتي للذاكرة والمستقبل في قصة مسرح الرشيد تحضر بقوة مسألة عراق ما بعد 2003. كيف صمم؟ ومن صممه؟ ولمصلحة من؟ وبأي رؤية؟

على ما يبدو لقد كانت الديكتاتورية نوعا من الحل!

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top