قناطر: نافذة من لا نافذة له

طالب عبد العزيز 2022/03/06 10:40:12 م

قناطر: نافذة من لا نافذة له

 طالب عبد العزيز

في سجادة الحائط ما يكفي الحلم من الوعول، وفي قطعة الحرير الصغيرة هذه ما يجعل الاصابع شرانق ملونة. هناك من لو اسقطته على حجر لأنبثقت حديقة بين يديه. في قارورة الحائك ما لم يُخلق بعدُ من الينابيع والسهول، لكن، هناك من مازال يذهب الى المسجد فلا يبصر الفاء في (الكهف) ولا يرى النون في (يسن) فأين أنت من ذلك كله؟

خلف السياج السعف، الذي يفصل الدرب عن بستان المختار، منزل لم يكلف قصباً كثيراً، يسكنه مع شقيقه حميدُ الاعمى، هو الذي يهتدي بأصابعه إلى قنطرة الجذوع، فيعبرها. يعدُّ حميدٌ خطواته اليها فلا تبعد ولا يُخطئها. اليوم وقد مات، وألتهم التراب قنطرة الجذوع، وساق الماء صورته الى البحر، وانتقل شقيقه المبصرُالى الزبير، هناك، في الرملة التي لا تغضِب الخصيبيين. لكنني، مازلت أجدُ في ما تفرّق من التراب، ولم ينتم الى الشارع والاسفلت قدمَ حميدٍ الاعمى، وهي تتلمس القنطرة، تتأكد من خشونة الجذع، قبل ذهابه الى مخبز التموين، الذي على الجادة بالبرهامة، ساعة يكون ناصر ملّا علي قد أكمل آذان الفجر، هبط من مئذنة المسجد.. هناك ما زال يختبر الطبيعة بقدمه.

لا تثق بحديثه عن طرق النهار من لم يرَ السماء في الليل، ذلك لأنه لم يشعر بوقع النجوم على قلبه، هناك وردزوورث واحد قال ذلك، لكنني، أحمِدُ صوتَ جهاز تبريد الغرفة الكريه على صوت بائع الطماطم والبصل، وأرى بأنَّ معظم المسافرين بالجو سيصلون سالمين إذا كانت طائراتهم على وشك التحطم، وكل الاطفال الذين أومأوا لأمهاتهم في محطات القطارعادوا بالحلوى.. استلقي على الجانب هذا من السرير لأنني انتظر من ستأتي وتشغل الجانب الآخر منه، وهكذا مثلما تقول مرغريت دوراس عن الوحدة، لذا، سأقف قبالة المقهى، مثلما كنت أقف من قبل، لأنني أعرف بأنكِ ستعبرين الجسر الى متجر المظلات.

في الحانة التي لا ينتهي الليل على طاولاتها، ولا ينقضي النهار، ولا تهشُّ الريحُ طائراً يتوسل الشمس سروراً.. يسبقني الى مقاعدها كلَّ مساءٍ عطرٌ نسائي، فأهتدي، كأنني اقود الطريق، هناك حيث ينفتح البحر على أغنية وحيدة، لا أحد ينسب كلماتها اليه، ولم يسمعها أحد، سأوهم نفسي بـأنني أجدك عند بابها، قميصك مفازة غياب، وسروالك خرقة أمل، وعيناك ذاهبتان، تبصران ما تحت المظلات من العناوين.. غير أنني مازلت أتفادى قطرات الزيت المشتعلة، في عين الفرن الزرقاء، كلَّ صباح، أبحث عن ماكنة القهوة، التي أخفيتها عن أيدي الاطفال، تلك التي أهملت غسلها البارحة.

ترى، الى من سيترك أولئك المصورون أشرطةَ التصور السالبة(النيجاتيف) التي لا تبين ولا تُستعلم إلا بالضوء؟، والى كم ستبقى في أقبية خزائنهم التي يلفها الظلام الابدي تلك الارواحُ؟، هذه الطمانينة المغلفة بالابتسامات، الايدي التي أومات واشتبكت طويلاً، الاعين التي ماتزال تشعُّ ببريقها في العدسات، من يحمل عنها وزر الأزمنة، وهي تتعاقب بعيدةً، وهي تتسرب من شقوق الصناديق المظلمة، وعلب البلاستك، ورائحة الاحبار والسوائل اللزجة، وقد زلزلت الارضَ انطباقةُ البابِ لآخر مرة، وغادر الى رملته البعيدة كارو، الارمني، يوم كانت واجهة مختبره الفوترغرافي قبالة سينما أطلس، حيث لم يعد لوجودها معنى اليوم.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top