إياد الصالحي
كل كُرات العالم تُلعب بالقدم والرأس وهدوء النفس، إلا الكرة العراقية تعوَّدتْ أن تُمارسَ طقوسها الخاصة منذ أن عوقِبتْ دولياً عام 1984 بسبب الحروب الداخلية والخارجية والتهديدات الأمنية المُزمنة التي جعلت لاعبيها يمارسونها في أحلك ظروف القهر والرُعب وسط الهتافات والأدعية، إما أن ينتصروا ويُنسَب فضله للتحشيد ورفع المعنويّات كأننا نسوقهم الى معارك حقيقية، أو يعودوا خائبين ونعلّل الأمر بالتآمر الآسيوي والخليجي أو تخوين المدرب الوطني بدوافع شخصية لا ترتبط بالتحليل الفني والشواهد لا تحصى!
لماذا لا نمارس اللعبة أسوة بغيرنا، ونقلع عن عادة تهويل كل شيء قبيل بدء المنافسة في أية بطولة؟ لا يمكن استمرار تهيئة لاعبي المنتخب على إيقاع طبول زفّة "الدم والدموع" من فترة التجمّع الأول إلى ملعب التدريب ومنه إلى موقعة المنافسة حتى عودتهم إلى مساكنهم، على طول الخط حملات إعلامية متناقضة هذا يذكّر بثأر الدم المُتناثر على رصيف الطائفية الأهلية أمام منافس عربي، وذاك يطالب بالردّ على (طبخة) الاتحاد الآسيوي بزيادة ملح العرض الفني وتسجيل الأهداف لإفسادها، وثالث يُفتّش عن صِلة أسريّة لرئيس الفيفا بشرق بيروت ليُعاتبه على استمرار الحظر، ورابع يبعث بقصيدة تهزّ مشاعر اللاعبين وتحثّهم على الفوز روحيّاً، وهكذا شغلنا العالم بتقاليد وأساليب تحضير منتخبنا، وأهملنا حاجة اللاعب إلى معسكر مغلق ومباراة تجريبية وخطّة جيّدة مع مدرب واثق من نفسه على النجاح والثبات في المراكز فقط تمهيداً لحسم الفوز.
تهديد بالإعدام
لنعُد جميعاً الى الوراء، لم يكن انتزاع بطاقة التأهّل الى مونديال المكسيك عام 1986 أمراً طبيعياً، فقد سبقهُ تهديد عدي صدام حسين (نجل رئيس الجمهورية الأسبق) للمدرب الراحل واثق ناجي بإعدامه - حسب حديثه لزميلنا عبدالوهاب النعيمي في مجلة (حوار سبورت) - في حالة خسارته مباراة الإياب مع الإمارات في ملعب الطائف (ملعبنا الافتراضي بسبب الحظر) يوم الجمعة 28 أيلول عام 1985، التي نقلتنا لمواجهة سوريا مرّتين والحصول على أول تذكرة مونديالية، وكاد ناجي يخسر حياته بالفعل مع اِقتراب نهاية المباراة حينما تقدّم الضيوف بهدفي فهد خميس (د2) وعدنان الطلياني (د60) حتى أنقذه كريم صدام بهدف قاتل (د88) وتأهّل منتخبنا للجولة النهائية بفارق تسجيل ثلاثة أهداف في ملعب الأشقاء حيث كسبنا مباراة الذهاب في دبي (3-2).
حرب أهلية
ونعلم جميعاً ظروف حصول منتخبنا على كأس آسيا 14 في نهائي جاكرتا المُثير مع المنتخب السعودي يوم الأحد 29 تموز عام2007، والذي ترقّبه ملايين العراقيين المكلومة قلوبهم بالحرب الأهلية وتفجيرات العاصمة وبقية المُدن الحزينة (2006و2007) وبغتة فجَّر يونس محمود الفرح كلّه (د72) بـتحليقة فضائية وضعت العراق فوق هام آسيا، وأخرح الناس الى الشوارع فاتحاً أملاً كبيرة للوحدة والتسامح وتطبيب الجراح!
احتجاج ودماء
وتكرر سيناريو إنقاذ صدام ويونس لمنتخبنا برأسيّة علاء عباس (د90) هذه المرّة في شباك منتخب إيران ضمن الجولة الخامسة من المرحلة الثانية لتصفيات مونديال قطر 2022، يوم الخميس 14 تشرين الثاني 2019 مُعلناً عن فوز الأسود (2-1) في وقت أفترش آلاف المشجّعين أرض ساحة التحرير لمتابعة المباراة عبر شاشة عملاقة، بعدما نقلها الفيفا من ملعب البصرة الدولي إلى ملعب عمّان الدولي، نتيجة استمرار حركة الاحتجاج وحملات العُنف ضد المتظاهرين وإطلاق الرصاص الحي لتفريقهم مثلما نقلت وسائل الإعلام تناثر دماء الضحايا في تغطيات مباشرة من قلب العاصمة!
ربيع الغضب
وآخرها وليس آخراً، ملأ الجمهور مقاعد ملعب المدينة الدولي يوم الخميس 24 آذار 2022 لمتابعة المباراة المصيرية بين منتخبنا ونظيره الإماراتي التي جرت في ملعب الملك فهد الدولي بالرياض، ضمن تصفيات الدور الجولة التاسعة من تصفيات مونديال قطر 2022 للمجموعة الأولى، وتمكّن من أنتزاع ثلاث نقاط مهمّة بهدف اللاعب حسين علي (د53) في أجواء مشحونة بربيع الغضب ضد الاتحادين الدولي والآسيوي بسبب موقفهما السلبي والفاضح بنقل المباراة خارج الأسود والموافقة على خوض مباراتهم الأخيرة مع سوريا في أرض غير محايدة (دبي) لوجود منافسهم في المجموعة ذاتها؟
توتر وصواريخ!
نحن من نصنع التوتر والخوف والأزمات ونصدّرها إلى المؤسسات الدولية مثل الآسيوي والدولي والأولمبية الدولية عبر إعلام رياضي تأثّر بخطاب الجمهور وليس العكس، علاوة على منح الثقة لمسؤولي اللعبة والرياضة عامة وهم غير قادرين على التصالح فيما بينهم ومعاينة ملفات الرياضة وتنظيم محتوياتها برؤية مشتركة، مع غياب البدائل المؤقتة لربح نصف سلّة مصلحتنا، فملعب أربيل الذي سمح له الفيفا باحتضان المباريات الى جانب ملعبي كربلاء والبصرة لم نحافظ عليه، فقد نقلت تصريحات النوّاب في مجلس تصارعهم على الكراسي صورة مقلقة عن عدم صفاء الأجواء بين الإقليم والحكومة المركزية، وهذا ما تأثّر به المشجّع البسيط وأغتنم أيّة فرصة للتعبير عن حُنقهِ بطريقته الخاصّة مثلما حصل في مباراة فريق مدينته مع الشرطة يوم السبت 4 كانون الأول عام 2021 ضمن منافسات الدور 16 لبطولة الكأس وما رافقها من أعمال شغب أعادت حسابات الفيفا حول ملعب (فرانسو حريري) قبل حادثة الصواريخ الإيرانية بأربعة أشهر!
تنبيه رئيس الاتحاد
ألا تُعساً ما ترتكبون من خطايا، فمهرجان الشتائم المستمرّ ضد رجالات الكرة عراقياً وعربياً وآسيويا ودولياً، والذي عبّر عن السلوك الحقيقي لبعض الإعلاميين وفهمهم القاصر لرسالة الإعلام بما تصوّره ثقافة "العنترية" لن يُسهم في تراجع المُستَهدَفين عن قراراتهم، بل التعامل بحذر شديد وتعنّت أشدّ في عدم السماح بلعب المباريات في العراق حتى نُصلح أمورنا بعقلانيّة، ونترك للطُرق الرسميّة إعداد ملف إبطال الحظر أو التوجّه الى القضاء الدولي (محكمة كاس) للفصل فيه، وهذا ما أكدنا عليه مراراً ونبهّنا رئيس اتحاد الكرة في صحيفة المدى يوم الثلاثاء 1 آذار الجاري، أي بعد يومين من غمرة احتفاله بقرار إقامة لقاء الإمارات في بغداد، أنّ عليه التوجّه الى العاصمة القطرية الدوحة حيث ينعقد كونغرس الفيفا (72) يوم 31 منه، لحسم الملف هناك، فلم يقرأ، ولم يهتمّ، ولم يستفد من النصيحة حتى صُعق بقرار نقل اللقاء خارج الأرض، ولن يفيق حاله حال من سبقه طالما ظلّت إرادة اتخاذ القرار مكبّلة بمُداراة العلاقات مع الآخرين ولن تجرؤ على رسم سياسات المواجهة لحماية المصلحة الوطنية.
اترك تعليقك