لجوء مناخيّ؟!

آراء وأفكار 2022/05/18 11:35:30 م

لجوء مناخيّ؟!

 د. إسماعيل نوري الربيعي

شهر مايس من العام 2022 سيكون له شأن كبير و مهم في تاريخ المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، التابعة لمنظمة الأمم المتحدة. إذ سيكون لزاما عليها أن تضع في جدول أعمالها الساخنة و العاجلة موضوعا جديدا و بندا فريدا، و قضية شائكة تتمثل في ؛ (اللجوء المناخي) ؟!

نعم ياسد غوتيرش بوصفك الأمين العام للأمم المتحدة. عليك أن تشمّر عن ساعديك و تستدعي جهاز الطواريء العامل تحت أمرتك، من أجل عقد حلقة عصف ذهني عاجل و سريع، لسيل العواصف الترابية التي راحت تطيش بأحد بلدان الشرق الأوسط. نعم (العراق) الذي كانت أدبياتكم منذ أيام الإغريق تطلق عليه (ميسوبوتاميا) بلاد الرافدين. فيما كان أسلافنا يدعونه بأرض السواد كناية عن كثافة الزرع و الخضرة و البساتين التي تتوزع بين ربوعه.

غوتيرش العزيز، بلاد مابين النهرين سابقا، أرض السواد، سمها ماشئت تستنهض الهمّة لديك، و تدعوك أن تذر مشاغلك و مسؤولياتك الجسام، و تتفرغ لعواصف التراب و الغبار الذي راح يفتك بهذه الأرض المبتلاة بالحروب و القتل المجاني و المحاصصة الطائفية و الفساد الذي أزكم الأنوف. يا وريث الشرعية الدولية الأثير. لقد تنافحت منظمتكم الدولية بحماس منقطع النظير، نحو دعم قوات التحالف الدولي في تخليص البلاد العراقية من سطوة الدكتاتور. فجيء بالعشرات من الناس الذي تزاحموا على المناصب و الكراسي و المنافع و المصالح. حتى تم نهب الزرع و الضرع، و أضحت البلاد خاوية على عروشها؟! بلاد لم يعد فيها لاماء و لا كهرباء و لامجاري و لآ سواقي و لاطيور. الأدهى و الأمر أن التراب بات يغادرها باحتجاج مريع و مخيف. حتى التراب صار ينادي و يصرخ متناديا ؛ الغوث الغوث. فقد حلت اللعنة و حضرت الكارثة و استبدت الأحوال حتى لم يعد يستبان من الواقع سوى الريح الصرصر العاتية، المنذرة بالويل و الثبور، و علامات النهاية القادمة.

سيل متلاطم جارف من العواصف، التي لا تكلّ و لاتملّ، تضرب بكل ما أوتيت من قوة و شكيمة بحق هذه الأرض التي غدت نموذجا فاضحا للفوضى و الفشل و الانحدار و الانكسار. فيما لا يزال رجال السياسة فيها، يرتدون البدلات الإفرنجية، و يصرون على حلق لحاهم و تلميعها؟! أيها اللامعون جدا، المستغرقون بغسل وجوههم بأفخر العطور الفرنسية، المتطلعون بكل ما أوتوا من شغف للتوجه للديار التركية نحو زراعة الشعر، و تعديل الأنوف وزرق حقن البوتكس في الخدود. هاهي ذي (حوبة فقراء العراق) تحلّ بلعنتها على مواكبكم الخرافية لتملؤها ترابا و غبارا. إنها (الحوبة) التي جعلت أغلى أمانيكم أن تتنشقوا هواء نقيا. حين عزّ عليكم الفضاء و العراء و الخلاء. دعوا ما تناهبتم من خير العراق الذي احتجنتموه، و المال الذي نهبتموه و العقارات التي استوليتم عليها دون وجه حق تنفعكم. و هاهي حكمة الله تجعل منكم مثلا. حتى غدوتم مستعدين لدفع ملياراتكم مقابل شهقة واحدة تستردون بها أنفاسكم.

يال عدالة السماء التي جعلت من أرض العراق، تعلن عن ثورتها بإزاء الخسف و الظلم و الجور و الطغيان، بعد أن طغى و تجبّر الناهبون و السراق و المرتشون و الفاسدون، و تحلقوا حول هذا الجسد المسجى الذي يطلقون عليه (الدولة العراقية). ابتزازا و تقطيعا و اختطافا و اختلاساو سلبا و اغتصابا و انتزاعا، و سرقة و سطوا و سلبا و تشليحا، و نشلا و سرقة و أخذا و نهبا، بطريقة لم يشهدها تاريخ اللصوصية و النهب و السطو في جميع الحضارات و الأمم و المجتمعات.

إنه الفرهود المفجع المقيت الذي جعل من بغاث الأرض يلتهمون كل شيء و أي شيء، في سبيل تطمين نزواتهم و رغباتهم في الحصول على المغانم و المكاسب دون وجه حق. العامل الأجير الذي لا يعرف القراءة و لا الكتابة و قد أضحى لواء ركن في الجيش. الفاشل الكسول المتهالك الأميّ و قد وضع في المنصب الإداري الذي يحدد مصائر الناس. البطانة الزائفة و قد تجشمت الجهد لتعلن عن ولائها لرئيس هذه الكتلة أو تلك. البرلماني الذي يدعي الإلتزام الديني، راح يشرعن لنفسه المزايا و المرتيات المليونية. السياسي الذي انتقد الطاغية لترشيحه أبنائه للمناصب القيادية، بات يتسابق نحو تقديم أبنائه للتوريث. إنها لوثة الجنون التي حلت بلعنتها بهذا العراق. حتى أعلن العراق عن غضبته بحق الجميع، و هاهو ذا العراق ينتفض بحق من نهبوه و تواطئوا عليه و صمتوا و تغافلوا، بكل ما فيهم من بلادة و بلاهة و جهل و حماقة، و زلة و سقطة، و سهوة و سلوان، و طيش و عثرة، و غباء و لهو و نسيان، و وهم وهفوة.

لقد قرر العراق، بقرار لا رجعة فيه، طرد من لا يستحق العيش على أرضه. و هكذا كانت غضبة مايس التي أعلن فيها (العراق، الأرض، الكيان) عن إذاعة امتعاضه و إشهار حنقه و إفشاء ذمّه و تبليغ سخطه بحق الفساد و النهب و اللصوصية و الإثم و العدوان. عراق انتفض و راح ينادي آمرا البحيرات و الأنهر و الجداول و الأهوار و السواقي بأن تكف عن الجريان. راح يستحث التراب أن يعصف بالمتخاذلين و المتملقين و ضعفاء النفوس و شذاذ الآفاق و يلقمهم سوء العذاب. غوتيرش العزيز، أيها الأمين، كن أمينا و سارع نحو فتح ملفات (اللجوء المناخي) لسيل جرار من النازحين، الذين لفظتهم أرضهم و ليست أنظمتهم السياسية؟!

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top