كارلو انشيلوتي كان مساهماً فيها..مباراة لكرة القدم تصالح بين بازوليني وبيرتولوتشي

كارلو انشيلوتي كان مساهماً فيها..مباراة لكرة القدم تصالح بين بازوليني وبيرتولوتشي

ترجمة: نجاح الجبيلي

مثل أي مباراة تجري يوم الأحد جديرة بهذا الاسم، جرى لعبها في المتنزه أمام حشد بالكاد وصل إلى أرقام معدودة بما فيهم الكلاب، في صباح ذلك اليوم من شهر مارس-آذار، تم تجهيز لاعبين شابين في اللحظة الأخيرة.

لكن هذا الأمر كان مختلفًا: إذ كانت مباراة خاصة فيها لاعب رائع. على الرغم من أن لا أحد يعرف من هو في ذلك الوقت ولم يكتشف الأمر لمدة 46 عاماً، إلا أن اللاعب الفتى في ذلك اليوم، واقفًا بذراعين متقاطعتين عند حافة صورة منسية، الآن يقف 90 دقيقة أو أكثر من الانضمام إلى باكو خينيتو باعتباره الرجل الأكثر نجاحاً في تاريخ كأس أوروبا.(فاز خينيتو بست كؤوس أوربية مع ريال مدريد-م)

حدث ذلك في مدينة بارما بإيطاليا، في ربيع عام 1975 إذ جرى تصوير فيلمين على بعد أميال قليلة: فيلم سالو لبيير باولو بازوليني، أو 120 يوماً من سدوم، وفيلم لبرناردو بيرتولوتشي بعنوان 1900 (نوفيسينتو بالإيطالية)، بطولة روبرت دي نيرو وجيرارد ديبارديو. كان برتولوتشي تلميذاً لبازوليني لكنه رفض انتقادات معلمه لـفيلمه “التانغو الأخير في باريس” فتوترت علاقتهما. حدث ذلك عندما اقترحت الممثلة لورا بيتي، نظراً لأن الفيلمين تنتجهما نفس الشركة والتصوير في مكان قريب جداً، تنظيم مباراة للجمع بينهم فريقي سالو ونوفيسنتو. (أو بازوليتي وبيرتولتشي).

التقى الفريقان في سيتاديلا Cittadella، وكانت ثمة سيارات متوقفة حول الملعب؛ 16 مارس- آذار، الساعة 9:30 صباحاً. لعب سالو بالقمصان ذات الأشرطة الزرقاء والحمراء لبولونيا المحبوبة بالنسبة لبازوليني، والتي كان لاعبوها من بين أبطال فيلمه الوثائقي “لقاءات الحب”. أما فريق نوفيسنتو فقد لعب بقمصان أرجوانية زاهية صممها مدير خزانة ملابس الفيلم مع وضع اسم الفيلم على صدورهم بأحرف صفراء. وكانوا يرتدون جوارب قوس قزح متعددة الألوان. صورت بعض لقطات المباراة كلارا ببلو زوجة بيرتولوتشي المنتجة ولكن لم يتم عرضها لسنوات. كان هناك كعكة و كأس فضي للفائز أيضاً. فاز الفريق الذي لعب فيه كارلو أنشيلوتي.

كان بازوليني متعصبًا لكرة القدم وقال إن أعظم شاعر على الإطلاق هو هداف الموسم ووصف كرة القدم بأنها “آخر الطقوس المقدسة في عصرنا”. لم يعجب برتولوتشي باللعبة كثيراً ولم يلعبها، وجعل نفسه مدربًا بدلاً من ذلك، لكنه قال نعم بسعادة وكان مصمماً على الفوز. لأنه كان يعرف أن بازوليني يلعب بشكل صحيح ولأنه كان يكافح من أجل الحصول على 11 لاعباً لفريقه - لم يلعب دي نيرو وديبارديو، ولا بيرت لانكستر أو دونالد ساذرلاند - طلب من صديق المساعدة. من بارما، كان يعرف من يطلب.

بعد ظهر يوم السبت، دعا والد رئيس النادي السابق لاعبيَن يبلغان من العمر 15 عاماً من فريق شباب بارما كانا قد انتهيا للتو من اللعب، وقال إنه سيصطحبهما في صباح اليوم التالي. جرى تقديمهما كصناع أدوات تم تجنيدهم حديثاً للعمل في موقع الفيلم، وكانا مثيرين للريبة. حتى قبل المباراة، كانت رائحة القصة انتشرت بعض الشيء لكن بازوليني أراد فقط اللعب وتقدم فريقه في الواقع بنتيجة 2-0. لكن فريق بيرتولوتشي عاد ليفوز 5-2. سجل أنشيلوتي، وهو ما سيفعله. لم يكن بازوليني مسروراً، أو هكذا سارت الأمور. لكنها نجحت: لقد جمعتهم كرة القدم مرة أخرى.

في نوفمبر- تشرين الثاني من ذلك العام 1975، قُتل بازوليني بوحشية في أوستيا، بالقرب من روما، وعُثر على جثته التي تعرضت للضرب والسحق والحرق في ملعب لكرة القدم. إنها قضية لم يتم حلها بعد بشكل مرضٍ: كانت هناك نظريات تقول إنها جريمة كراهية، بدوافع سياسية أو نفذتها المافيا. كانت هذه سنوات الرصاص، أو بالإيطالية Anni di piombo. تراجع القاتل المُدان عن اعترافه بعد 29 عاماً، وكُشف عن أدلة جديدة توحي بأن لفات من أفلام سالو قد سُرقت وأنه كان ضحية ابتزاز.

يصادف هذا العام 2022 الذكرى المئوية لميلاد بازوليني، وما زال إرثه وحبه لكرة القدم ملموسين. دعا المعهد الإيطالي للثقافة نادي فلسفة كرة القدم Philosophy Football FC، وهو نادٍ بلندن يلعب بقمصان تحمل مقولة لبازوليني “بعد الأدب والجنس، كرة القدم هي إحدى الملذات العظيمة”، لإصدار كتاب عن قصتهم بعد أربعة أيام من نهائي أبطال أوروبا (بين فريقي ريال مدريد وليفربول). سيُقام على شرف المخرج، وسيعرضون مشاهد من فيلم وثائقي لعام 2019 عن مباراة بازوليني-برتولوتشي لأول مرة في المملكة المتحدة. لقد جرى ذكر المباراة بإيجاز في الصحافة في ذلك الوقت، وأصبحت تلك المباراة في عام 1975 أيقونة، وقصة متنقلة كانت مادة للأسطورة، ورمزًا لكيفية ما كان أكثر ما أثاره هو كرة القدم، وتأثيرها أعمق لكونها آخر مباراة لبازوليني وعمل من أعمال التصالح. وعندما يتعلق الأمر بالإرث، ما الذي يمكن أن يكون أعظم من الفتى الذي لعب فيها؟

فيما عدا أن أنشيلوتي لم يكن جزءًا من تلك الأسطورة ولم يعرفه بازوليني أبدًا. إلا أنّ الاتصال لم يتم بشكل نهائي حتى أواخر عام 2019. إذ ألمح بعض الشهود في هذا الفيلم الوثائقي،، أن اللاعب المستقدم قد يكون أنشيلوتي، وبدا أنه مثله بالتأكيد، لكنه كان يتم تصويره من حين لآخر فقط، وهي حبكة فرعية لم يتمكنوا من تأكيدها. لم يقل شيئاً أبدًا، ولم يقل شيئًا عنه. حتى عرضت مجلة “جازيتا ديلو سبورت” الصورة له في مارس من العام الماضي حيث اعترف: “نعم، هذا الصبي هو أنا”.

التقطت المصورة ديبورا بير، المصورة في موقع تصوير سالو، صورة الفريقين. أنشيلوتي لم يسبق له أن رآها من قبل، وأراد أن يعرف من أين حصلوا عليها وطلب نسخة منها. كان يقف في النهاية، مهاجم وسط ثم، على حد تعبيره، ممتلئ قليلاً. لقد تذكر كل شيء بوضوح، لعبة بلا تكتيكات وبحرية تامة، ومبهجة. الشيء الوحيد الذي لم يتذكره جيداً، أو قال إنه لم يتذكره، هو الهدف الذي لم يكن يخطط لذكره. لقد تذكر بالفعل الاحتفال به، رغم أن ذلك كان محرجًا بعض الشيء: فقد كان، رغم كل شيء، دخيلًا مدعواً للعب بين زملائه. وقال: “لقد فزنا وشكرنا برتولوتشي لأن مساهمتنا كانت حاسمة”.

كان بازوليني يعرج، كما يتذكر، وكان ضحية خطأ مشؤوم وخسارة تعيسة. أحد الأشياء التي جعلت من فيلم Centoventi contro Novecento ذات مغزى كبير، كانت تلك اللقطات أظهرت المصالحة بين المخرجين إذ كانا يبتسمان مع الكأس عندما انتهت المباراة، وذراعيهما حول أكتاف بعضهما البعض.

قال أنشيلوتي إن الأمر استغرق أكثر من سنوات لإثبات أن ذلك كان شيئاً حقيقياً، لكنها كانت “لعبة أشباح”، لم يكن أحد هناك: “في هذه الأيام، مع اثنين من المخرجين المشهورين، كان من الممكن أن يتم بثها على الهواء مباشرة على شاشة التلفزيون والناس حول الملعب. لا شيء من هذا. رفعنا الكأس والتقطنا بعض الصور وذهبنا للاستحمام في بيت الشباب. كان الجو قارس البرودة “.

قال أنشيلوتي إنه في يوم السبت عندما سأل عن المباراة في اليوم التالي وقيل له أن المباراة كانت بين بيرتولوتشي ضد بازوليني، لم يكن ذلك يعني الكثير بالنسبة له. لكن لا يهم أيضًا: لقد كانت لعبة ولن يرفضها أبدًا. قال “كانت كرة القدم حياتي. حلمت باللعب، كل الأشياء التي يفعلها الطفل – وقد تحقق ذلك. قبل ستة وأربعين عاما، كنت في ذلك الملعب في سيتاديلا ومن هناك تجولت حول العالم وأنا أجري وراء الكرة”.

ما زال يجري. تلك كانت بارما، هذه باريس اليوم. إنه بالفعل المدرب الفائز باللقب في أكبر خمس بطولات في القارة، وهو رقم قياسي فريد. يوم السبت سيكون نهائي كأس أوروبا السابع لأنشيلوتي والخامس له كمدرب. ثلاثة منها كانت بمواجهة ليفربول في نهائي دوري أبطال أوروبا.

حين ينتصر سيحصل على ستة كؤوس أوروبية، اثنتان كلاعب، وأربعة كمدرب. لا أحد في التاريخ لديه المزيد. اتضح أن هذا الشاب البالغ من العمر 15 عامًا يقف بهدوء إلى جانب واحد، وكان هذا اللاعب المستقدم لا يريد لفت الانتباه إليه، كان حقًا مثير جداً للريبة - وليس فقط عندما كان يلعب بمواجهة بيير باولو بازوليني.

عن جريدة الغارديان / كتبه سيد لو من م دريد

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top