علاء المفرجي
أكاد أجزم أن المخرجين العراقيين، الذين قدموا افلاماً موضوعاتها عن ما يسمى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، لم يقدموا الصورة الحقيقية لهذا التنظيم. الذي ظهر في الساحة السياسية، كامتداد لتنظيمات ارهابية مثل القاعدة، واستطاع خلال سنوات قليلة ان يهيمن على المشهد السياسي والاعلامي في كل بقاع الارض، وخاصة منطقة الشرق الاوسط والعراق بشكل اساس. والتداعيات التي أثارها باحتلاله (ثلث) الاراضي العراقية، والكفاح المضني من قبل العراقيين لإزاحة احتلاله..
وكان من الطبيعي أن تتمثل السينما كـ (وسيط) هذه الظاهرة، وهو مافعلته الافلام العراقية، خاصة في السنوات الخمس الاخيرة، بوصف العراق من اكثر الدول التي عانت من ارهاب هذا التنظيم.
لكن – وللأسف – لم تستطع هذه الأفلام إظهار الصورة الحقيقية لهذا التنظيم، بل تناولته بشكل سطحي وأحيانا كاريكاتوري غير مقنع للمتلقي، وعلى طريقة هوليوود في تنميط صورة العربي أو الافريقي في السينما الاميركية، حيث تشوه صورة العرب والمسلمين واللأفارقة في كل فيلم تقريبا طوال القرن الماضي. وبحسب جان لوي كومولي، رئيس التحرير الأسبق لـ «كرّاسات السينما في كتابه «داعش، السينما والموت». يقول: «في السينما، هناك عقد ضمني بين المُخرج والمُشاهد: ضرورة التصديق في ما هو مُشابه للواقع. «وهو شرط أي عرض تمثيلي، خاصّةً السينما.
وكان يمكن لسينمائيينا، ان يحاكوا اسلوب (العدو)، الذي يتساءل كومولي في الكتاب نفسه، إن كانت سينما التنظيم «داعش» قد تأثرت جماليًا بسينما الأكشن الهوليوودية بحثًا عن الصدمة البصريّة؟ و يُشير هنا إلى إستراتيجية تتّسم بالمفارقة من جانب داعش الذي يستخدم ثقافة العولمة -التي يُدينها- كي يقتلها على الهواء. فـ «داعش»، أثناء تصوير قَتل أعدائه، يستخدم السينما استخدامًا «مُفرطًا». فـ « عَرْض الموت على الهواء، وتحويل الكاميرا إلى عينِ آثمة، يدفعنا إلى أن نتساءل حول الغموض المتأصّل الذي تحمله كل صورة».
لكن من بين عديد الأفلام التي أنتجت بمثل هذا الموضوع، الفيلم الذي نال جائزة احسن فيلم ثالث، في (أيام السينما العراقية) مؤخرا، وهو (تواليت) للمخرج الشاب أياس جهاد.. فهذا الفيلم تناول (حكاية) داعش، ولكن من زاوية خاصة تعتمد التهكم والسخرية، جنبته الوقوع في أسر النمطية، حيث الاستهانة بهذا التظيم، والغباء المستحكم الذي يلازم سلوك افراده.. وما الى ذلك.
فقصة الفيلم تشبه الى حد كبير موضوعة فيلم (تلا فيزيون) الذي كتب السيناريو واخرجه المخرج الاردني مراد أبو عيشة، وهو عن معاناة طفلة، التلفزيون، نافذتها الوحيدة على العالم، لكن داعش حرمها منه.. في فيلم (تواليت) يصدر التنظيم فتوة بتحريم استعمال التواليت الغربي، حيث يقوم أفراده بتحطيم هذا النوع من (التواليتات) في الساحات.. وحكاية طبيب في الموصل، الذي يصفه أحد افراد التنظيم، انه الطبيب الأشهر في الموصل.. والذي يخبئ قناني الخمر في الدوارق التي يستعملها، ففي مشهد جميل يستمع (الطبيب) من الكومبيوتر الخاص به اغنية لأم كلثوم، وهو يعبأ الدوارق الطبية بالويسكي.. ويفاجا يوما بمداهمة افراد التنظيم، فيعتريه الخوف ظنا منه أنه سيعتقل، ولكن بعد تفتيش (تواليت) العيادة، يطمئن هؤلاء، ليطلبوا منه حديثا تلفزيونيا، عن اضرار التواليت الغربي، وينتهي الفيلم بمشهد جميل حيث يُخرج الطبيب قطعة التواليت الغربي من اسفل الاريكة، بعد مغادرة أفراد التنظيم.
الاقتصاد في كل التفاصيل كان واضحا في فيلم أياس جهاد، الذي تناول تفصيلة من ممارسات هذا التنظيم بحس فكاهي، حيث لم يعمد الى الاستهانة بقسوتهم، أو غبائهم، هو فقط وضعنا كمشاهدين أمام حالة نزدريها، وستبقى عالقة في الانطباع عن هذا التنظيم.
اترك تعليقك