تأسيسان للدولة العراقية الحديثة :1921 و 2003 (تشابه بالتأسيس وتباين في النتائج)

آراء وأفكار 2022/07/17 11:24:38 م

تأسيسان للدولة العراقية الحديثة :1921 و 2003 (تشابه بالتأسيس وتباين في النتائج)

 عبد الحليم الرهيمي

( 1-2 )

للمرة الاولى في تاريخ العراق الحديث، تاسست الدولة العراقية الحديثة عام 1921، وفي شهر نيسان/ابريل عام 2003، وخلال عملية الاطاحة بالنظام الدكتاتوري السابق التي قامت بها قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية، جرت عملية الالغاء لتلك الدولة بهدم وتعطيل معظم المؤسسات والركائز الاساسية التي قامت عليها منذ نحو ثمانية عقود وذلك بالغاء وتصفية اكثر الإدارات الحكومية،

الجيش والمؤسسات الامنية والاقتصادية، والثقافية، وغيرها، ثم الاستغناء العشوائي عن معظم الاداريين والموظفين المؤهلين العاملين بها والذين عملوا وتطوروا منذ التأسيس الاول للدولة عام 1921، ففي ذلك العام ، وبعد ان احكمت القوات البريطانية سيطرتها واحتلالها للعراق (1914 ـ 1917)، وبسطت نفوذها العسكري والسياسي لم تتوقف المقاومة العسكرية الوطنية ضدها والتي بدأت مع بدء دخولها للعراق وبلغت ذروتها في الثورة عام 1920 ما بين (حزيران وتشرين الثاني)، حيث جرت عملية تفاوض خلال صراع عسكري وسياسي مرير بين القيادات السياسية والدينية والعشائرية للثورة وقيادة الاحتلال، انتهت بالاتفاق على وقف الاعمال العسكرية بالاستسلام مقابل البدء بتشكيل حكومة وطنية عراقية تلبي اهداف وتطلعات العراقيين.

ادت الثورة المسلحة ثم التفاوض والصراع بين قيادتها والمندوب السامي البريطاني (السير برسي كوكس)، الذي عاد الى بغداد (في 11 تشرين الاول1920)، بتحقيق عدد من اهدافها المهمة ومنها تجاوز او الغاء معظم المشاريع الاستعمارية التي طرحت لتقرير مصير العراق، ومنها ربط ولاياته بالهند (تهنيده)، ومنها كذلك حكمه المباشر او تقسيمه الى ولايات يرتبط بعضها بسوريه والاخرى ادارات محلية مستقلة عن بعضها.

وبذلك اتفق الطرفان الوطني العراقي والمندوب السامي (كوكس)، على تشكيل ادارة محلية (حكومة وطنية) مقابل بقاء العراق مدة محدودة تحت الانتداب البريطاني (انتهى عام 1932 ودخل العراق بعدها (عصبة الامم)، وفي ضوء ذلك تم الاتفاق بين القيادات الوطنية العراقية والمندوب السامي البريطاني لتشكيل حكومة عراقية وهي التي رأسها عبد الرحمن الكيلاني نقيب اشراف بغداد وأعلن عنها في 11تشرين الثاني1920 والتي ضمت عدداً من الاشخاص المنسوبين الى الاسر المعروفة في العراق وقد اعقب تشكيل هذه الحكومة المباشرة باستكمال بناء مؤسسات واجهزة الدولة (المنتدبة).

وفي ظروف ربط العراق بالانتداب البريطاني وظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية متخلفة كانت نفوس سكان العراق انذاك لاتتجاوز الثلاث ملايين منهم 70 بالمئة من سكان الارياف معظمهم من الفلاحين ولم يوجد في العراق انذاك سوى نخبة محدودة العدد من المثقفين والمتعلمين بالمدارس العثمانية في اسطنبول واوروبا وفي المدارس والحوزات الدينية المنتشرة في العراق، هذا فضلاً عن تدني امكانيات العراق الاقتصادية وحيث كان يعتمد اساسا على الزراعة والتجارة والاعمال اليدوية البسيطة (إذ لم يبدأ انتاج النفط بعد) هذا اضافة الى تأسيس المصانع والحصول على الموارد من انتاجها, وكان الوضع الثقافي والتعليمي الحديث ضعيفا فضلا عن الانعدام شبه التام لحصول المرأة على التعليم او مشاركتها في العمل الثقافي والحياة السياسية.

في مثل هذه الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية بوشر بتأسيس الدولة العراقية الحديثة التي استكملت باقامة المؤسسات الاخرى كتأسيس الجيش والشرطة والاجهزة الامنية والادارات الحكومية.

والواقع ان هذا التاسيس بدأ من الصفروكان منذ البدء بحاجة الى وجود نخبة سياسية وادارية مؤهلة ونزيهة لاستكمال بناء تلك المؤسسات وقيادتها كالمؤسسة القضائية والتشريعية (البرلمان) والإدارية فضلا عن المؤسسات الثقافية والاقتصادية الاخرى .

ولأن انجاز هذه المهمة تستوجب وجود مثل تلك القيادات المؤهلة قامت قيادات دينية وسياسية وعشائرية خلال فترة الاستفتاء وكتابة المضابط التي أجريت قبل التأسيس ، باختيار الأمير فيصل بن الشريف حسين (شريف مكة) ليكون ملكا على العراق وهو الأمر الذي كان قد سبق أقتراح بريطانيا وحاكمها المدني كوكس بأختيار ألامير فيصل ملكا على العراق، وهو ما حصل في نهاية الامر لدعوته من الحجاز وتتويجه في ساحة القشلة في بغداد ملكا على العراق في 23 اب اغسطس عام 1921 .

لقد مكن تتويج الملك فيصل من استقدام عشرات الضباط والسياسيين العراقيين الذي عملوا معه في سوريا عندما كان ملكا عليها لمدة قصيرة، فضلا عن الضباط الذين عملوا في الجيش العثماني وانضموا الى الثورة العربية التي اعلنها والده الشريف حسين ضد السيطرة العثمانية عام 1916، وخلال فترة حكمه في العراق 1921 -1933 قام الملك فيصل مع فريقه من الكفاءات العراقية بمختلف الاختصاصات بدور كبير فضلا عن الاعتماد على المستشاريين البريطانيين الذين قدموا الاستشارة والخبرة لبناء الدولة العراقية الحديثة خاصة في عقدها الاول.

وعن هذا الدورالمهم والفعال للملك فيصل وفريقه في بناء الدولة العراقية اشار الكثير من الدراسات التاريخية الى اهمية هذا الدور لبناء العراق ودولته التي قامت بتوفير ما تحتاجه من كفاءات مؤهلة ونزيهة ساعدته في وضع العراق على سكة البناء والتقدم والازدهار النسبي في العهد الملكي (1921-1958) .اما التاسيس الثاني للدولة العراقية فقد بوشر به بعد انتهاء العمليات العسكرية للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وذلك باعلان الرئيس الامريكي جورج بوش وقف العمليات العسكرية في الاول من ايار مايو 2003.

وهكذا بدأ التأسيس الثاني لأعادة بناء الدولة العراقية بعد التدخل العسكري الخارجي تماما كما بدأ التأسيس الاول عام 1921 بالتدخل العسكري البريطاني 1914-1917 الذي تمكن من إلحاق الهزيمة العسكرية والسياسية بالقوات العثمانية في الولايات العراقية وطرد وابعاد الادارات العثمانية في تلك الولايات وبسط القوات البريطانية سلطاتها العسكرية والسياسية على العراق والتي وجهت بمقاومة شديدة بلغت ذروتها في ثورة عام 1920 التي ادت الى الغاء واسقاط المشاريع البريطانية الاستعمارية المعدة لتقرير مصير العراق مما اضطرها الى الدخول بمفاوضات جادة ومعقدة مع القيادات الوطنية العراقية للتاسيس الاول للدولة العراقية الحديثة.

لقد تشابه التأسيس الثاني مع التأسيس الأول بالتدخل العسكري الخارجي لاسقاط وطرد السيطرة العثمانية على العراق (التي استمرت اكثر من 400 عاما) أما التأسيس الثاني فقد بدأ بعد التدخل العسكري الخارجي لدول التحالف واسقاطه للنظام الدكتاتوري السابق، ثم البدء بعد ذلك بالتأسيس الثاني للدولة بالتعاون والتنسيق مع القيادات العسكرية والسياسية لقوات التحالف الدولي، التي دخلت العراق كقوات صديقة وحليفة أستجابت لمناشدة قوى المعارضة العراقية في الخارج والتي كان لها دور مهم بمساعدة العراقيين لأطاحة النظام الدكتاتوري، وذلك خلافا للقوات البريطانية التي دخلت العراق قبل تأسيس الدولة كقوة احتلال عامي 1914 – 1917، (أعتبرت قوات التحالف الدولي كقوات احتلال بالقرار الاممي 1483 المؤقت على ان تقوم سلطة التحالف المؤقتة بالاضطلاع بالمسؤليات والالتزامات المحددة ريثما يقوم الشعب العراقي بتشكيل حكومة تمثله ومعترف بها ) . غير أن هذا التشابه في البدايات الاولى للتأسيس سواء بالتدخل العسكري الخارجي، او بالدور الذي قامت به قوات التحالف المتدخلة وقيادتها السياسية في التعاون والتنسيق مع القيادات السياسية والعسكرية العراقية للبدء بتأسيس، لم يعد مشابها للاوجه الاخرى للتأسيس وفيما تلى ذلك من توجهات لاستكمال التاسيس وبناء الدولة اما التأسيس الثاني فأنه لم يبدأ من الصفر، كما بدأ التأسيس الاول، أذ لم يكن هناك بنى تحتية لبناء دولة ولم يكن لديها نخبة فكرية وسياسية واسعة، ولم تكن هناك ارضية مناسبة لارتكاب أخطاء كبيرة او ارضية مادية للفساد الاداري والمالي. وهذا يعني ان التأسيس الثاني بدأ بوجود أسس وقواعد لبنى تحتية لمؤسسات الدولة والجيش وبقية المؤسسات رغم ان الكثير منها قد لحق به الخراب جراء الحرب والفوضى، لكن لم يكن من الصعب اعادة ترميمها وتأهيلها وهو ما حصل عملياً خلال الشهور والسنوات التالية. كذلك لم يكن في التأسيس الاول كوادر وكفاءات علمية وثقافية من مختلف الاختصاصات ، كما وجدت في العراق مع بدء التأسيس الثاني، كانت قد تأهلت في السنوات والعقود السابقة، واذا كان بعض قرارات السلطة السياسية الجديدة التي تصدرت مشهد التأسيس أدى لأبعاد وتجميد اعداد كبيرة من تلك الكفاءات والكوادر بمختلف الاسباب والذرائع (فقد تم لاحقاً اعادة الكثير منها سواء كانت مدنية او عسكرية وضمان انخراطها في مؤسسات الدولة الناشئة والاستفادة من خبرتها).

اما الظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والعلمية التي كانت قائمة في العراق آنذاك بعد ان بسطت قوات التحالف الدولي وخاصة الولايات المتحدة سلطتها العسكرية والسياسية على العراق بعد وقف العمليات العسكرية في الاول من ايار/ مايو 2003، قد تمثلت في : أن نفوس سكان العراق انذاك بلغت أكثر من 25 مليون نسمة، أي بنمو عشرة اضعاف نفوس العراق خلال فترة التأسيس الاول للدولة غير ان الامر الاهم في اوضاع العراق ومجتمعه أنهما كانا يواجهان خلال تلك الفترة نتائج واثار قسوة وظلم النظام الدكتاتوري المطاح به، ونتائج واثار حرب الثمان سنوات بين العراق وايران وما تلاها، وكذلك النتائج والاثار المدمرة للعقوبات الدولية التي فرضت على النظام والتي اصابت بأضرارها المؤلمة الشعب العراقي اكثر مما الحقته من أضرار بالنظام، وقد اسفر كل ذلك عن دمار وازمات اجتماعية واقتصادية وحتى صحية للشعب العراقي، فضلاً عما يواجهه الشعب من ظلم وقسوة النظام وقمعه رغم تلك الظروف الاشد سوءا التي واجهها، لذلك انعكس كل ذلك على طبيعة وشكل التأسيس الثاني، وخاصة على تباين مواقف الشعب من تدخل القوات الدولية ـ الامريكية لأسقاط النظام ، ومن البدء بتأسيس ثانٍ للدولة العراقية بالتعاون والتنسيق بين شريحة من السياسيين العراقيين والقيادة العسكرية والسياسية لقوات التحالف الدولي ولاسيما الامريكية.

ونتيجة لذلك انقسمت آراء العراقيين الى اكثرية مؤيدة او قابلة وغير رافضة للتدخل الدولي ـ الامريكي والتأسيس الثاني للدولة، وبين اقلية غالبيتها من انصار ومؤيدي للنظام الديكتاتوري السابق.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top