سعاد الجزائري
اثناء جردي لملابس أردت التبرع بها، ظهر أمامي تشيرت كتب عليه عبارة “ العراق الديمقراطي “..أن شعار السخرية الذي طُبع على القميص، والذي رفعه الاحتلال ومن جاء تحت عباءته لتحقيق (العراق الديمقراطي)،
قد أثبتوا مهارتهم في التدمير واتقانهم في شنق الديمقراطية، لأن الطريق الذي سلكوه محفوف بالطائفية والأغتيالات والتشريد والتهجير، مرورا باستباحة كل شيء بضمنها هيبة الوطن واعراض نسائنا، وبديلا عن رغد العيش وتحقيق الأمان، بعد البطش الذي سبقهم، تناثرت أشلاء الشهداء الأبرياء على أرصفة التفجيرات، أو في زوايا التصفية الطائفية.
كما ضربنا الأرقام القياسية في عدد الارامل والايتام وأحتل العراق المراتب العليا في الفساد، ووضعت قيمة الوطن على مذبح القبلة. كما فقد الباسبورت العراقي قدره في مطارات الدول التي حلم ساكنوها، سابقا، بزيارة العراق او الدراسة او العمل فيه، وبات المواطن العراقي يُعامل كالمنبوذ على أعتاب الدول الاخرى والبعض يراه ارهابيا!!!
وبديلا عن ديمقراطية هذا القميص، أنتشرت الكراهية والجهل وعودة الامية والفقر المدقع، وتراجعت كل مناحي الحياة، فاستبدلت الديمقراطية وحرية التعبير بتحريم الكثير من الامور الثقافية والفنية وحتى الحياتية العادية، وتعرضت مهرجانات فنية الى الهجوم والتجريح ووصل الى حد الضرب والتدمير، وعندما عزفت شابة شعار الجمهورية على كمانها احتج دعاة الدين السياسي وحرموا واستحرموا هذا الفعل (الشائن)، واعتبروه اساءة للدين وللاماكن المقدسة، على حد زعمهم، لكنهم لم يستحرموا سرقة قوت الارامل والايتام وتفريغ ميزانية الدولة، كسابقة عراقية لم تحصل من قبل.
كما تم تحليل انواع الزيجات التي تحط من قدر المرأة، فأعطوا لأنفسهم الحق بالزواج الثنائي والثلاثي مستغلين عوز الشابات او إغراء الشهيرات الطامعات بالسلطة والثروة أرضاء لرغباتهم بأموال الشعب.
قبل هذا القميص كانت لنا احلام وأماني بوطن نسير متباهين به وبخيراته وبمستواه الثقافي والفني الذي أشادت به الدول سابقا، لكن ما حصل بعد الشعار الخادع المطبوع عليه، أنهم صادروا أحلامنا وأمانينا، ودفعوا بالكثير منا، قسرا وعنوة، الى الخارج بعدما تم أغتيال وتهديد أغلب المفكرين والعلماء والاطباء واساتذة الجامعة، بل هددوا حتى الطلبة ليتم تجهيل الشعب تدريجيا، والفقر سهّل لهم مهمة عودة الامية عندما ترك الطلبة المدارس ليعيلوا أهاليهم بعدما قتل او أستشهد المعيل (الاب(.
الكل غريب داخل وطن الديمقراطية الزائفة؛ سواء مَنْ بقي فيه مجبرا او اختياريا او مَنْ غادره رغما عنه.
بقيت حائرة امام هذا القميص، كيف لي ان أتخلص منه، لانه لا ينفع للتبرع، ولا يرضى أي شخص يرتديه، ولا أستطيع الاحتفاظ بهذه الكذبة في بيتي، لذا قررت أن أقسمه الى قطع وأنظف به الأخشاب، لكني أكتشفت أنه غير صالح حتى للتنظيف بسبب تلوثه بهذا الشعار.
اترك تعليقك