تونس ومخرجات الربيع العربي

آراء وأفكار 2022/07/27 11:04:46 م

تونس ومخرجات الربيع العربي

 رزاق عداي

هناك اسباب عديدة جعلت الاحزاب الاسلامية تحوز على النتائج الاولى في انتفاضات الربيع العربي، يصعب اجمالها جميعاَ،ولكن يبرز في طليعتها انحسار الايديولوجيات اليسارية والقومية، ليس في البلدان العربية فحسب انما في عموم بلدان العالم،واخفاق الانظمة التي جاءت بها فصائل حركات التحرر العربي في بناء الدولة،

وفي تاْسيس الحداثة في بلدانها، مما ادى الى تخليق دكتاتوريات مستبدة ورثة، تمسكت طويلا في الحكم وتواثته بطرق تعسفية وبوليسية،-- فكان الفراغ السياسي اللاحق قد شغلته احزاب سياسية بمرجعيات دينية، مثل الاخوان المسلسمين في مصر، وحركة النهضة في تونس.

ففي مصر كانت تجربة الاخوان المسلمين القصيرة في عام 2012 في الحكم، اثبتت اخفاق الايديولوجيات التي تتاْطر بالدين كاّلية للاْستحواذ على السلطة،مستفيدة من طاقة الجذب التي يتمتع بها الدين في المجال العام الاجتماعي، وبالاستناد على قوة المقدس،----ولكن هذه المنظومات لم تصمد ازاء اغراء السلطة والنفوذ والمال.

ان اغلب الترسيمات والدعوات لهذه الاحزاب التي اطلقتها قبل وصولها الى سدة الحكم، تعرضت الى التهافت والانزياح نحو اتجاهات اخرى،لا تمت الى الدين بصلة، فالذي حصل بعد ذلك انها اوغلت في الفساد بدرجة فاقت بها الانظمة التي انتفضت عليها، فحركة (النهضة) التونسية فشلت بالنهوض باوضاع تونس وانحرفت عن الشعارات التي رفعتها ابان الانتفاضات، وكشفت عن غياب ابسط مبادئ التنمية والبناء، وكادت البلاد ان تنزلق نحوهوة عميقة لولا انها هي التي بادرت الى التنازل،ثم ادخلت البلاد في فوضى سياسية – اقتصادية.

الاحزاب الاسلامية العربية، وبالاخص المنتمية الى اسرة الاخوان المسلمين، تميل للاعتقاد باْن نجاح حزب العدالة والتنمية التركي ذو صلة مباشرة بكون مؤسسيه اّتين هم انفسهم من الحركة الاسلامية،وهذا التصور السحري للامور يهمل حقائق اجتماعية -اقتصادية اهم بكثير من الاهواء الدينية للحزب التركي، فطبيعة الحزب السياسي لا تحددها في المقام الاول طبيعة مرجعياته الايديولوجية العامة، ولا قوة القيم الاخلاقية التي يتبناها، بل هي تتحدد قبل كل شئ، بطبيعة الفئات الاجتماعية التي ترتبط بها قيادته ارتباطاُعضوياَ وبالطريقة التي يعبَر بها المشروع الحكومي الحقيقي للحزب عن اراء تلك الفئات ومصالحها وتطلعاتها،--

في تركيا يعد حزب العدالة والتنمية،وهو الاْقرب الى ان يمثل استمراراَ لحزب الوطن ل(توركوت اوزال) منه الى التراث الاسلامي القريب من الاخوان المسلمين، الذي مثله في تركيا (نجم الدين اربكان) والذي كان مؤسسو حزب العدالة والتنمية قد انشقوا عنه كي يؤسسوا حزبهم الخاص،-- وحزب العدالة والتنمية هو نتاج للتحول النيوليبرالي لتركيا في ظل حكم توركوت اوزال حتى سنة 1993، وقد تمثلت احدى نتائج الرئيسية لهذه الفترة في اثراء الطبقة البرجوازية المتوسطة (شركات صغيرة ومتوسطة) استمرت حتى فترة وصول حزب العدالة والتنمية الى سدة الحكم في سنة 2002.

في تونس، كان اداء الاقتصاد التونسي في ظل حكومة النهضة اسواْ منه في ظل النظام قبل انتفاضة الربيع العربي،وهذا يعود الى جملة اسياب منها: عدم الاستقرار السياسي، وانعدام كفاءة حركة النهضة في مجال الادارة الراْسمالية،،و ضعف تقة الراْسمالية في حركة شعبوية تستلهم الدين وتشمل فصيلاَ اصولياَ متشدداَ اضافة الى الفساد الذي انتشر في قيادات الحركة وفي مفاصل الدولة، هذه الاسباب وغيرها جعلت من مجرجات فيما اطلق عليه بالربيع العربي في دولة تونس لاتتطابق مع الشعارات التي انطلقت مع البدايات الاولى للانتفاض.

الاستفتاء الاخير على الدستور الجديد الذي جرى في تونس هو محاولة في احداث تغير دستوري لنقض العمل بموجب دستور 2014 الذي وضعته حركة النهضة، والذي حاولت فيه اقحام مفردات الشريعة الاسلامية على تقاليد الحياة التونسية ذات التقاليد المدنية والعلمانية، التي تاْسست وتكرست منذ فترة ليست بالقصيرة، فكانت النتائج وخيمة ليس على صعيد استبدال مفاهيم اخلاقية وسلوكية فرضت بالقوة، انما ما حصل هو اخلال وتراجع في الحياة العامة، المتمثلة في اّلية العمل الاقتصادي بنشاطه الحر، وتراجع في قطاع السياحة الذي كان يشكل النسبة الاكبر في موازنة الدولة، --وبذلك حصل نوع من التضارب ما بين بنى ومتون ايديولوجية قديمة وواقع ومعطى حياة جديدة، فدخلت البلاد بعموهما في ازمة عامة وفوضى استدعت ضرورة التغير.

الفوضى التي اجتاحت الحياةالمصرية جراء حكم الاخوان المسلمين في عام 2013 استدعى تدخل الجيش لتصحيح المسارات وحالة التردي العامة في مصر، اما في تونس فقد راْت الحكومة الاخيرة المنتخبة ان الاسلوب الناجع هو تغير الدستور الذي انتجته حركة النهضة في عام 2014 المتعسف، وهكذا يصبح على كل الدول التي مرت اوخضعت الى تداعيات الربيع العربي ان تعين الاسلوب الخاص بها للتخلص من اثاره المدمرة.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top