في مواجهة العنف الرأسمالي، الدفاع عن النفس أمر مشروع

آراء وأفكار 2022/08/24 10:42:32 م

في مواجهة العنف الرأسمالي، الدفاع عن النفس أمر مشروع

 باسكال سالين *

 ترجمة: عدوية الهلالي

قال غاندي: “كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في العالم”. مايعني ان العالم الذي يحلم به ليس غير مبال بالتدمير العنيف للحياة حقًا، إنه استباقي وملتزم وشجاع بل ثائر؟ فهل ينطبق هذا الأمر على عالم الغرب اليوم والذي تواجه بيئته الجرافة القاتلة وهل سيتصدى لها السكان بالمقاومة والتمرد واعادة البناء للتخلص من الرأسمالية الخضراء التي تعكس الواقع البشع للأنظمة بكل ماتسعى الى افساده وقتله وتدميره بلامبالاة..

فمايتعرض له السكان على مدى السنوات العشرين الماضية هو “ارهاب بيئي” كما وصفته الحكومة الامريكية، وضحايا هذا الارهاب تتمثل في ملايين الدولارات التي ربحها الأقوياء مع الافلات من العقاب، وكذلك السكان والنظام البيئي للأرض.. فعالمنا مليء بالفعل بالعنف الذي لم تعد الطبيعة تتحمله، فهو يستخدم يوميًا مع لامبالاة عامة تقريبًا ويدمر الحياة بينما يعارضه قلة للحفاظ على هذه الطبيعة.. وأخيرًا، هل نحن مستعدون لإعادة النظر في مفاهيمنا للدفاع عن النفس عندما تكون الحياة مهددة؟

إن عنف “الآلة” غير المرئي هو الأسوأ على الإطلاق.. هذه الآلة الحديثة التي نحافظ عليها، والتي هي عنيفة بشكل لا يصدق تجاه الكائنات، ولكن، دون أن ندرك ذلك فالعنف في عصرنا الصناعي غير مرئي لأنه موجود في نهاية سلسلة من ألف وسيط تجعله غير مؤكد، وبالتالي غير واقعي بينما هو يلتهم حياتنا لدرجة تجعلنا نقبل رهان تدميرنا.

ان إفراغ المحيطات، والأراضي الخانقة، والتنوع البيولوجي المنهك والمحتضر في حمام التلوث الكيميائي والجوي من أنشطتنا الصناعية، والغابات المدمرة، والتفاوت الذي يغرق حياة بأكملها في بؤس نفسي وجسدي ووجودي لا مفر منه، واستغلال اجسادنا، وعظامنا.. كل هؤلاء هم ما يسميهم الكاتب مارك بويل “ضحايا التفوق البشري”، على الأقل بالنسبة لنظام مصاصي الدماء الاستعماري والرأسمالي الجديد.. ويقول بويل: ”يجب أن نبدأ بأن نكون صادقين مع أنفسنا بشأن العنف المتأصل في الحضارة الصناعية”مشيرا الى اننا قمنا يتقليص الغابات الى اثاث رخيص، وحولنا الجبال الى معامل للحجارة والانهار الى محطات للطاقة الكهربائية، وسبق ان أدان الفيلسوف هيدجر (1889-1976) انتهاك البيئة واختزال الطبيعة الى (محطة وقود عملاقة)..

ومن الواضح أن هذا الاعتداء الدائم وغير المنظم على الحياة لا يمكن مواجهته. فالبشر، مثل البيئة، يخضعون الآن بشكل واضح للعنف والابادة.. كما إن عنف الآلة أساسي، وعنفنا،سيكون أشبه بالدفاع عن النفس. فهناك ثلاثة أنواع من العنف. الأول، هو العنف المؤسسي، الذي يسحق ويهين ملايين البشر. والثاني هو العنف الثوري الذي ينشأ من الرغبة في إلغاء الأول. والثالث هو العنف القمعي، الذي يصبح مساعدًا وشريكًا للعنف الأول، الذي يولد كل العنف الآخر.

في كتابه، يعترف مارك بويل علانية بتعريفه الخاص للعنف. ووفقا له: “العنف هو الاستخدام غير المبرر للقوة الذي يضر بكيان آخر بطريقة مقصودة أو مذنبة، أو غير حساسة لاحتياجات ذلك الكيان أو الذي هو جزء منه. وهو يشمل الأفعال التي، من خلال الإهمال المتعمد، أو التواطؤ غير المباشر، أو فرض سلسلة من الشروط، تساهم في إلحاق الضرر بكيان آخر.

بهذا المعنى، يسعى المُنظِّر إلى التمييز بين القوة والعنف. ولهذا يأخذ مثال طبيب الأسنان الذي يقلع سن المريض فهو يستخدم القوة للقيام بذلك بشكل لا يمكن إصلاحه. لكن لا أحد يريد أن يطلق على هذا العمل “عنفا” لأنه يخلص المريض من مرضه. ويتعارض ذلك مع فعل الجلاد الذي قد يقلع نفس السن، ولكن ضد إرادة ضحيته وبهدف انتزاع المعلومات منه. اذن أصبح التمييز ممكنًا، كما يشرح مارك بويل، وحسب النية.

ومن الواضح أن هذا التمييز لا يكفي. لأنه في الواقع، كم من الناس يكبحون سخطهم بالتوقف عن العودة الى مبادئ القانون لأنهم سيكونون مرعوبين من جميع مظاهر العنف غير القانوني.. ويرى عالم الاقتصاد جون مينارد كينز(1883-1946) ان “كل شيء يتغير من حولنا. نحن نغير أنفسنا، ولا أحد يستطيع أن يكون على يقين من أنه سيحب غدًا ما يحبه اليوم. نحن لا نسير أبدًا من أجل الحقيقة، ولكن من أجل الحقائق التي تضفي عليها عواطفنا غير المستقرة نكهة. والذي نعاني من أجله اليوم هو اننا “عبيد لبعض الاقتصاديين واعداء البيئة»..

علاوة على ذلك، بما أن عنف الآلة ظالم وغير مستدام وملح، فلماذا نستمر في تقديسها باعتبارها نموذجًا خالدًا للمجتمع؟ نحن مخولون بعدم احتكار مفهوم العنف البدائي، فلا يمكن لهذا المجتمع أن يسرق منا - بأسلوب خطابي غريب - وحقنا في التخلص منه هو دفاع عن النفس».

لقد تم بالفعل الكشف عن هذه الفكرة على نطاق واسع في كثير من النواحي من قبل فلاسفة آخرين، لدرجة جعلها واجبًا مدنيًا. فقد حان الوقت لمجتمع محارب أن ينهض من الأرض ويلقي بنفسه أمام حيوان الدمار، ضد العنف الذي يدمر هذا الكوكب الثمين والجميل. وبينما نحافظ على هدوئنا، على أمل إصلاح الرأسمالية بحيث تكون أكثر اجتماعية وعدالة وهو أمر يصعب حدوثه، تتدهور المزيد والمزيد من المساحات ويتضررالوجود.

إن النضال السلمي هو إلى حد كبير وهم، فهو يستمد هالته من الروايات الزائفة عن الانتصارات المحيرة: فكل الثورات الفعالة كانت شاملة، والحوار يتبع دائمًا أعمال تمرد لا يمكن إيقافها. مايؤكد فشل اللاعنف في مواجهة العنف المقصود.. ففي هذا الفضاء يمكن أن تبدأ مقاومة للآلة بشكل جدي. وهناك أمثلة ملموسة، من الشعوب والمجتمعات والجماعات التي واجهت أو أبطلت البرنامج الرأسمالي.

ولكن لا شيء لم يتم قمعه أو إدانته من قبل نظامنا المجتمعي، ولم يكن أبدًا بالدرجة التي كانت عليه. إنه لأمر مدهش، فإلى أي مدى أصبحنا غير حساسين للعنف البائس للمؤسسات، والسيطرة السياسية، واستغلال الحيوانات، والضغط الصناعي على سلامتنا وصحتنا، والشرطة، وتسليع ورقمنة العالم.. يتعلق الأمر في النهاية بإعادة الاتصال مع بيئتنا، والاستماع إليها مرة أخرى والشعور بعمق بالحاجة المطلقة للاستجابة لها.

اقتصادي وسياسي فرنسي

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top