عباس علي العلي
لعل الحدث والأبرز هو ما تنتظره الساحة السياسية يوم الأول من تشرين الأول ؟ وما تحمله من تهديدات وخطورة في التصعيد والتصعيد المتقابل، هذا ليس مراهنة تأملية دون أدلة وإشارات حقيقية على الأرض،
فما يجري من فعاليات أمنية وأنتشار عسكري وتحضيرات لا تنبئ فقط عن خطورة الوضع بل تنبئ عن قرار مواجهة صعب وقاسي هذه المرة بدفع من قوى نافذه وتحت ضغط سياسي محلي وإقليمي، وربما هو إظهار حزم متأخر وربما دفه حقيقي نحو حلول أسوأ من السيئة يتخذها الإطار وحلفائه في خطوة لما يظن أنه تقصيص لأجنحة السيد الصدر والمدنيين التشريين، بعد أن ظهر ضعف عام وأهتزاز قوي في بنية العملية السياسية السائدة في العراق، وربما رسائل من أطراف إقليمية تتضرر بهزيمة الإطار تقول لا يمكن السكوت عن ذلك أولا، ولمواجهة حقيقية من خلف قوى دولية مؤثرة من خلال الساحة العراقية.
مع كل ما ذكرنا أيضا يبدو أن الوضع في بغداد مفتوح على أحتمالات عدة تتركز ليس في بغداد وحدها ولكن بعواصم أخرى للقرار العراقي، وهي أربيل والنجف والرمادي، بعد أن فقدت السليمانية قدرتها على التأثير الفعلي ولا الموصل التي تتنازعها الولاءات الغريبة عنها وتخليها عما كان يعرف بعاصمة السنة في العراق، أصبحت الرمادي وتحديدا زعامة الحلبوسي _ الخنجر الممثل الأهم للمكون السني، تبقى النجف برمزيتها الوطنية والدينية وبفرعيها المرجعية السيستانية والحنانة عاصمة القرار الشيعي بلا منازع مع وجود المنافسة التي لا يمكن أن تنازعها ما يعرف بالولائية الإيرانية من الفصل بين المكون الشيعي العراقي وبين قادة يمكنهم سحب البساط من تحت النفوذ الإيراني مهما كان قويا أو مؤثر، هذه العواصم الثلاثة لا بد لبغداد أن تسمع لهم وتحاول التوفيق بين ما تريد وبين ما تفرضه طهران وواشنطن من حوار الأعداء عليها لتنجو وينجو العراق من صراع ربما لا يبقي من العراق سوى أرشيف في ذاكرة الشرق الأوسط الجديد.
والذي يلاحظ انه منذ تقديم رئيس مجلس النواب محمد الحلبوس لاستقالته ، والتركيز فيما يبدو على هذا الحدث متجاهلين وربما لم يعطوا أهمية لحدثين أخرين لا تقل خطورتهما عن انعقاد الجلسة، الحدث الأول هو انعقاد جلسة المحكمة الأتحادية العليا للنظر في الدعوى المقامة على رئيس مجلس النواب بخصوص عدم دستورية وقانونية قبول أستقالات نواب التيار الصدري من قبل رئيس مجلس النواب، بدون صلاحية له وغياب نص قانوني يحدد الطريقة أو يرسم مسار قانوني لها، المحكمة الأتحادية ربما لا تصدر قرارها هذا اليوم ويتم التأجيل إلى موعد أخر بأنتظار أخر التطورات السياسية والدستورية لتتوافق معها، أو تحكم برد الدعوى لكون المحكمة لم تجد ما يمنع دستوريا وقانونيا من تنفيذ رغبة نائب بالتخلي عن مسئوليته، وتلقي باللوم على النواب المستقيلين لأنهم لم يكونوا أمناء على التخويل والإنابة الشعبية لهم، هذا القرار وإن كان محتملا جدا وقد عودتنا المحكمة على مثل هذه القرارات، لكنها ستشعل في نفس الوقت نارا قد تطالها وتفقد فيه ما تبقى من أحترام وتقدير لدورها.
الحدث الأخر هو حديث النار تحت الرماد التي من الممكن أن يقلب الأمور رأسا على عقب من قبل التيار الصدري وأنصاره الذين يتسلحون بمقولة قائدهم التي أضحت عنوان المرحلة، لن تحكم إيران مرة أخرى، والشعار الأخر لن يحكمنا الدعي ابن الدعي، البعض يفسر صمت قائد التيار الصدري على عدة أحتمالات تبدأ من عدم قدرته على أتخاذ قرار مهم ورئيسي يعيد للتيار هيمنته على السلطة ويكسر ظهر الإطار، وصولا إلى القول أن السيد مقتدى الصدر ربما يفجر الأوضاع في الوقت المناسب الذي يتم حسابه بدقه من قبل مستشاريه ومعاونيه والمكتب السياسي للتيار، أنا أرجح مقولة أن القرار الأن بيد جماهير التيار وهي تعرف متى تتحرك ومتى تقول كلماتها والثمن معروف ومقدر سلفا، ما يصعب الأمر هو تأخر حركة جماعة الإطار التنسيقي وحلفائهم، وربما سيتم تأجيل الجلسة إلى موعد أخر مساء اليوم وربما إلى ما بعد السبت.
في كل الأحوال لا يمكننا أستباق الحدث قبل وقوعه ولا يمكننا أن نعطي رأيا كاملا فيما يجري وما زال هناك متسع من الوقت لحدوث ما لا يمكن توقعه، المهم من قراءة خارطة التحركات العسكرية والأمنية المشددة والتضييق شبه الكامل على الحركة في شوارع بغداد تنبئ عن أن القادم حدث بمستوى الانقلاب السياسي والعسكري قادم، لكن هذه المرة يعنوان الحفاظ على هيبة الدولة وحماية المؤسسات العامة وضرورة أن تمضي الأمور وفق إرادة سياسية تنتهي بأتفاق ولو معوق وقصير المدة لكنه في نظر البعض بداية لحلحة الأمور خاصة إذا باءت بالفشل تحركات التيار الصدري في الشارع وفشله في منع انعقاد جلسة مجلس النواب، هذه قراءة شبه واقعية ولكن من المؤكد أن الصدريين لا يمكنهم القبول بالواقع الحالي ومخرجاته وربما يلجؤون إلى طرق أخرى وربما تصعيدية في مواجهة ما يضمره الإطار التنسيقي من خطط وبرامج مرحلية.
الغريب وإن كان الصراع في جوهره شيعي _ شيعي لكن أمتداداته وتفاعلاته لا تتوقف على الساحة الشيعية فقط، بل أن المتضرر الأكبر من حالة الإنسداد الفوضوي السياسي تمس مصالح العراق بشكل أساسي أضافة لما يشكله هذا الصراع من تجذر في الخلاف العميق بين تياري الداخل والخارج الشيعي، الملاحظ أيضا أن الأنتهازية السياسية التي تمارس خارج طرفي النزاع ومن أطراف عدة في محاولة أنتزاع تنازلات ومصالح فئوية لا تمثل منهج نفعي فقط، بل تمثل عوامل حرق وتصعيد للخلاف وصولا إلى مرحلة كسر العظم بين جميع الأطراف، والخاسر الأكبر العراق وشعبه، وبالقراءات البعيدة أرى أن مهما تأزمت الأمور وتقاسم الخصوم أشلاء الوطن، ستأتي لحظة تاريخية ليست بالحسابات التقليدية تعيد كل شيء للمربع الأول وتعيد لملمة الشخصية العراقية الوطنية من جديد، ربما جذوة تشرين ستكون الشرارة التي تحرق فتيل الثورة والنار التي تخرج من التنور للإعلان طوفان العراق المتحرر.
إذا نحن أمام ساعات ربما تكون طويلة ومملة وثقيلة تحمل معها رائحة فوضى ودم ولا بد من تغليب لغة العقل أمام هيستريا الشعور بالنصر من قبل قادة الإطار لا سيما الصقور منهم المالكي الخزعلي ومثنى السامرائي، وعلى شركاء الوطن من عقلاء الكرد والسنه كبح جماح هؤلاء وعدم إعطائهم الفرصة للإيغال بالدم العراقي مع أشتداد الدعوات الشعبية لمواجهة الوضع القائم، الدم العراقي الذي سيسفح هو من رصيد الشعب العراقي تحت أي عنوان مذهبي ديني عنصري مناطقي، وعلى هؤلاء أن يعلموا أن الإنسداد السياسي الذي يواجهونه اليوم لا يمكن أن يكون لصالحهم مهما كان الدعم الخارجي قويا، طالما القرار الشعبي متوجا بالرفض لهم ولما قادوا فيه من قواعد خلال العشرين عاما الماضية، وعلى كل القوى الوطنية والمدنية واليسارية ومنها التيار الصدري وشباب تشرين والنقابات والاتحادات والمثقفين من تشكيل وعي عام وليكون صوتا موحدا للعراق وشعبه، وإن لم يستلزم ذلك وحدة تنظيمية أو إطار جامع، على الوعي الجماهيري السليم أن يقود صوت المعارضة الشعبية، وأن يحاول جاهدا أن لا يترك زاوية عمل من أن تكون خاليه منه، العمل الجماهيري الواعي والمتسع على طول وعرض العراق هو من يقرر المصير، وليس حفنة الأحزاب من المنتفعين واللصوص والطارئين المرتبطين بمصالح أعداء العراق وأولهم جارة السوء والخراب إيران الشيطانية.
إن قراءات أكثر تفاؤلا لا تعطي مساحة أمل ببداية جديدة لعمل مجلس النواب وخاصة فيما يتعلق بجلسة اليوم وطبيعتها، فهي لا تعد جلسة طارئة بناء على مقتضيات ومتطلبات الدستور والنظام الداخلي، فالجلسات الطارئة لها قواعد تتعلق بمعنى الأمر الطاري الذي لا يقبل التأجيل، وأن يكون أنعقادها أصلا في فترة التعطيل ما بين فصل تشريعي وأخر، وهذا لم يتوفر أصلا في هذه الدعوة، ولا يمكن عدها جلسة عادية من فصل تشريعي محدد، ولا بد من دعوة من رئيس مجلس النواب لبداية الفصل التشريعي الجديد، في كلا الحالين لا أظن لا من الناحية القانونية ولا من الناحية الدستورية أن تمتلك جلسة اليوم صفة المشروعية، مع ملاحظة تصاعد الدعوات من أطراف عدة لمقاطعة جلسة اليوم، وإن كانت الأصوات لحد الأن محدودة وغير ذات قيمة تأثيرية في صنع موقف مهم ورئيسي.
اترك تعليقك