باليت المدى: تاكسي الغرام

ستار كاووش 2022/10/30 10:55:06 م

باليت المدى: تاكسي الغرام

 ستار كاووش

توقفَ التاكسي أمام باب البيت في الوقت الذي طلبته بالضبط. كان السائق الذي بدا في الثلاثين من عمره، قد خرج بإنتظاري، ببدلته الأنيقة كعادة سائقي التاكسي في هولندا. إبتسمَ لي مرحباً بي وقال (صباح الخير، الى مطار سخيبول أليس كذلك) حيَّيتهُ وأجبته بالأيجاب.

وضعَ حقيبتي في الصندوق الخلفي، وإنطلقنا نحو مطار أمستردام. بعد تبادل أطراف الحديث، سألني عن عملي فأجبته بأني رساماً، وأمارس الكتابة أيضاً. وهنا إنفتحت أساريره قائلاً (هل تعرف بأني إضافة الى عملي كسائق تاكسي أمارس التمثيل بين فترة وأخرى). فإنتبهت له قائلاً (تمثيل؟) ثم أكملتُ (نعم يبدو شكلك جيداً لذلك) وهنا أجابني بصوت منخفض (لستُ رودخر هاور طبعاً، لكن التمثيل هوايتي، وأنا أمارسهُ أحياناً ككومبارس، كي أُضيف لدخلي كسائق تاكسي) قال جملته الأخيرة وهو يربت بأصابعه على مقود السيارة. مرت لحظات من الصمت، ليقول لي ضاحكاً (لكن الأمر بالنسبة لي، لا يخلو من الطرافة والمفاجآت في الكثير من الأحيان) فأومأت له برأسي حي يكمل الحديث، فإسترسل بكلامه (قبل أسبوعين أخذتُ إبنتي ذات الخمس سنوات الى السينما لمشاهدة فيلم للصغار بمناسبة عيد ميلادها، وبعد مرور ربع ساعة من بدء الفيلم، بَدَأَتْ بالصراخ والقفز والإشارة نحوي بعد أن ظهرتُ في الفيلم لحظات بدور بائع آيس كريم. لقد بدا الأمر بالنسبة لها مثل السحر، كونها لا تعرف بأني أعمل كومبارساً، ومن ناحيتي أحببتُ ان أحتفل بعيد ميلادها بهذه الطريقة، كانت سعيدة، ولم أستطع أن أهديء قفزاتها إلا بصعوبة). ضحكتُ بشدة وهو أيضاً إنفجر ضاحكاً وهو يتذكر الموقف. مرَّ الوقت وأنا في كل مرة أحاول مازحاً تقليد إبنته وهي تصرخ في السينما، وهو يهز رأسه ويجاهد على كتم ضحكته. وصلنا الى المطار، ودعته وأنا أضع يدي على مقبض الباب، وقبل أن أترجل مددتُ له رأسي قائلاً (أتمنى أن تجد في المرة القادمة مفاجأة جميلة أخرى لإبنتك)، فأجابني (سأحاول ذلك حتماً) قال جملته الأخيرة ومضى خارج المطار.

بمناسبة الحديث عن التاكسي، يوجد أنواع عديدة وغير متوقعة من التاكسيات في هولندا. فهناك (تاكسي البيرة)، وهو مخصص لجلب البيرة وبأية كمية وأي نوع، لأي مكان في هولندا، وما عليك سوى الإتصال بالرقم المخصص لهذا التاكسي، حتى يأتي لك بعد دقائق فقط وهو محمل بما تريد. وهناك ما يسمى (سناك تاكسي)، وهذا مخصص لجلب المقبلات والأكلات الخفيفة ليلاً فقط، لأي مكان تريده وبسرعة، وهو أيضاً يجلب عادة المشروبات غير الكحولية للزبائن. ويوجد هنا أيضاً (تاكسي الدراجة)، وهو عبارة عربة صغيرة تشبه الدراجة، يقودها سائق، يتنقل بك في أي مكان تريده من المدينة، وهذا النوع يستعمله السائحين كثيراً، لمشاهدة تفاصيل المدينة التي يزورونها، كذلك يستعمل هذا التاكسي (العربة) غالباً في حفلات الزواج غير المكلفة، وهو يُذَكِّرُني بأغنية تاكسي الغرام لهدى سلطان وعبد العزيز محمود. وبما إن هولندا بلد يشتهر بالماء والأنهر والقنوات المائية الجميلة، إضافة الى بحر الشمال الذي يحيطه من الشمال والغرب، فلا تستغرب لوجود ما يسمى ب (تاكسي الماء)، وهو عبارة عن زورق ينقلك بين الجزر الصغيرة والأماكن التي يفصلها الماء، وهو شائع كثيراً في الجزر الهولندية الصغيرة التي تتوزع على الحافات الشمالية للبلد، حيث بحر الشمال. وفي المدينة التي أعيشُ فيها إستحدثت البلدية مؤخراً (تاكسي اليورو الواحد)، وهو عبارة عن سيارة صغيرة جداً تأخذك في أية جولة أو مشوار داخل المدينة مقابل يورو واحد فقط، شرط أن لا يتعدى هذا المشوار حدود المدينة.

توجد في كل دول العالم أنواعاً مختلفة من التاكسيات، لكن أشهرها ما يسمى ب (التاكسي الأسود) وهي السيارة التي يحولها صاحبها عنوة الى تاكسي، دون شروط ومواصفات وبلا تصريح قانوني، ودون مراعاة للضوابط المعمول بها في العالم. فالسيارة لا تتحول عشوائياً الى تاكسي، بل يجب أن تتوفر فيها الكثير من الضوابط والمؤهلات، من ناحية السعة والحجم والأمان ونوع العجلات، مع أربعة أبواب وأربعة مقاعد، ولا يزيد عمر السيارة قانونياً عن عشر سنوات كي تقوم بهذه المهمة، وبعد التأكد من كل هذه التفاصيل يتم إختيار السيارة وتسجيلها قانونياً في الشركة، وهذه الأخيرة تختار السائق الذي تمنحه راتباً معيناً جراء قيامه بعمله.

وبالعودة لكلمة تاكسي، فهي إختصار للمصطلح الفرنسي تاكسيميتر، وهذه الكلمة ترجع في أصولها أيضاً الى الكلمة اللاتينية تاكسا، والتي تشير الى أستئجار وسيلة نقل مقابل مبلغ من المال.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top