هشام داود
المشتركات بين إيران وأفغانستان كثيرة جداً، فبغض النظر عن الحدود الطويلة بينهما لكن الأهم ان هناك تاريخ مشترك وروابط طبيعية على أسس أولها عرقية وكذلك دينية وثقافية ولغوية واقتصادية، لكن هناك امراً معيناً دائما ما يدفع بهذه العلاقة لأن تكون مختلطة بالريبة وعدم الثقة وسيئة في بعض الأحيان، وهو الدور الذي تلعبه باكستان لمنع أي تقارب بين هذين الدولتين.
فباكستان لا ترغب بأن تكون العلاقات بين إيران وأفغانستان وثيقة، لكنها حريصة دائماً وتسعى جاهدة إلى تحسين علاقاتها مع إيران، والسبب ان باكستان دائما ما تتوجس من علاقة إيران بالهند وهذا يدفع باكستان بالشعور بأن هناك تهديد ناجم عن توثيق العلاقات الإيرانية الأفغانية ظناً بإمكانية امتداده إلى علاقة جيدة مع الهند.
على الرغم من أن الحدود بين إيران وأفغانستان رسمتها بريطانيا بناءً على طلب شاه إيران عام ١٨٥٧، إلا أن العلاقات الدبلوماسية الرسمية بين البلدين بدأت عام ١٩٢١ بتوقيع معاهدة صداقة ثم جاءت بعدها الخلافات الأولية حول تقاسم الحقوق المائية لنهر هلمند في بادئ الأمر ثم انتقلت إلى مجالات أخرى خصوصاً بعد الثورة الإيرانية كذلك بعد وصول حركة طالبان للحكم.
وصلت العلاقة إلى أسوأ مستوياتها عام ١٩٩٨عندما قتلت طالبان ثمانية دبلوماسيين إيرانيين وصحافي إيراني أثناء احتلال مدينة مزار الشريف شمال أفغانستان لذلك دعمت طهران أحمد شاه مسعود في قتاله ضد طالبان.
بعد الغزو الأمريكي لأفغانستان وتشكيل حكومة أفغانية جديدة أكثر شمولاً، حاولت إيران تحسين العلاقة فأصدرت قانونًا يمنح المواطنين الأفغان فرصة جديدة للحصول على إقامة إيرانية من نوع خاص، كما اعتبرت الأفغان الذين لديهم أزواج وأطفال إيرانيون هم من بين المؤهلين للاستفادة من القانون، لكن الامور سرعان ما تغيرت.
إن الوجود المتزايد للقوات الأمريكية وقوات الناتو بالقرب من حدود إيران والغزو الأمريكي للعراق والتهديد بغزوها، جعل إيران تخشى الحكومة الأفغانية.
من جهة أخرى كان دعم باكستان لطالبان واستهداف الهزارة الشيعة من قبل طالبان وضع إيران في موقف حرج في تقديم الدعم لطالبان ضد الولايات المتحدة، إضافة الى استخدام باكستان لأراضي ايرانية كنقطة عبور لتهريب المخدرات من أفغانستان، وأوضحت تقارير حلف شمال الأطلسي بأن سلسلة التوريد الكاملة لتهريب المخدرات من أفغانستان تسيطر عليها باكستان بالكامل.
لا تملك طالبان شبكة منفصلة لهذا الاتجار وتعتمد بشكل كامل على الكيانات التي ترعاها الدولة في باكستان لتهريب المخدرات، ولأجل التمويه واخفاء المصدر تستخدم باكستان طريق إيران لتهريب المخدرات الأمر الذي تسبب في توتر هائل في العلاقة بين إيران وأفغانستان.
مع انسحاب الولايات المتحدة والناتو من أفغانستان حافظت إيران على مهمتها في كابول وحاولت مرة أخرى البدء من جديد مع طالبان والاستفادة من المأوى الذي وفرته لبعض قادة طالبان اثناء الوجود الأمريكي في أفغانستان، لكن جهود إيران لم تثمر وذلك لان باكستان استخدمت نفوذها مرة أخرى مع طالبان لضمان عدم تغيير اتجاهات علاقتها مع إيران.
كل هذا وفي ظل عدم وجود حكومة تمثيلية من طالبان وايضاً استهداف الهزارة الشيعة والتدفق الهائل للاجئين الأفغان ادى إلى عرقلة أي تقدم ملموس في العلاقات.
في واقع الحال إيران تريد من طالبان اعترافاً رسمياً بالفكر الشيعي الجعفري كجزء من تقاليد الفقه الإسلامي وان يكون ضمن الدستور الجديد لأفغانستان.
كذلك تريد من طالبان الالتزام بمعاهدة المياه لعام ١٩٧٣ بشأن تدفق نهر هلمند وإبقاء سد كمال خان مفتوحًا.
وطالبت طهران قيادة طالبان باتخاذ خطوات لاحتواء تدفق اللاجئين بينما أثار قادة طالبان سوء معاملة اللاجئين الأفغان في إيران باعتبارها مشكلة كبيرة.
لا يزال القادة في إيران ينظرون إلى طالبان على أنها وكيل لباكستان ويتحتم على طالبان أن تثبت العكس وهذه هي الخطوة الأولى نحو وضع العلاقة على المسار الصحيح، فالعلاقة المستقرة والمتنامية مع طهران مهمة بالنسبة لطالبان لتظهر للعالم أنها ليست ملزمة بالأوامر الباكستانية وبالتالي ان نجحت في هذا الأمر يعني ذلك انها زادت من إمكانيتها في الحصول على الاعتراف الدولي، لكن هذه المهمة تبدو صعبة جداً على طالبان لأنها تحت تأثير التدخل الباكستاني ولا يمكنها انكاره او التقليل منه نظراً للدور التاريخي لباكستان في انشاء وتكوين طالبان.
اترك تعليقك