ساعي البريد يطرق الباب مرتين.. الرواية المحرمة

ساعي البريد يطرق الباب مرتين.. الرواية المحرمة

محمد الأحمد

بقيت هذه الرواية الجريئة تشكل تحديات كبيرة تأخذ القارئ الى محور اللذة المحرّمة، والتحدي عبر مساحة شباب لا تتوقف عندها المجازفة في عدم السيطرة على الشهوات؛ وحسب.

انما الجنوح نحو الجريمة. حيث تجمع أحداثها بين الخيانة الزوجية، والتآمر لقتل الزوج، والاستيلاء على ما يملك. هذه الرواية انتبذت يومها من قبل معظم شرائح المجتمع الامريكي. لما فيها من انعدام للقيم الكبرى. وقد ظهرت عنها عشرات المقالات النقدية في أمريكا، وقتها؛ خاصة بعد ان اختارت «هوليوود» قصة هذا الفيلم لإظهارها على الشاشة عام 1981م. بطولة الحسناء الفاتنة «جسيكا لانج» بصحبة النجم «جاك نيكسون»، ولم تستطع أي سلطة ان توقف طبعات الرواية في العالم، حيث نقلت الى جميع لغات العالم، ومن بينها طبعة عن دار «الفارابي اللبنانية» في عام 1984م ويومها منعت النسخة العربية من الدخول الى معظم الدول العربية، ولم تكن ترجمتها بمستوى الطبعة الجديدة، التي قدمها المبدع «احمد حسن المعيني» عن دار المدى في 124صفحة من القطع المتوسط. يذكر أن مترجم الرواية لفت في مدخل ترجمته إلى أن «من أهم سمات النزعة الأدبية التي يكتب بها مؤلف الرواية الاعتماد على اللغة اليومية الدارجة المباشرة، ولاسيما في الحوارات. لذلك آثرت تطعيم النص ببعض التعابير والمفردات العامية القريبة من الفصحى، لتقديم ما يكفي من الإيحاء بوجود لغة عامية». أحداث الرواية التي يرويها «فرانك» من محبسه بصيغة المتكلم. تحكي عن محتال قادم من الحدود المكسيكية الامريكية، يبلغ من العمر 22 عام، تأخذه الصدفة الى مطعم صغير على بعد عشرين ميلاً خارج “لوس أنجلوس”، يدخله لأجل ان يأكل، وهو لا يملك المال

ويحاول ان يخدع صاحب المطعم انه لا يستطيع الدفع الا بعد ان تأتي سيارة “كاديلاك” قادمة من أجله، ولم تنطل الخدعة على اليوناني العجوز صاحب المطعم، فيعرض عليه العمل في المطعم الذي يتطلب الى شاب يساعده في خدمة زبائنه، يقوم الرجل الطيّب بتوظيفه في محطة الوقود، ويرى “فرانك» في ذلك مساحة لان يراقب تلك العائلة ليحدد نقطة الضعف التي سوف يستغلها حتى يستولي على ما يمتلكه اليوناني، ولا يضيع وقتا يتقرب من زوجته كورا؛ امرأة جذابة، تفتقر الى العاطفة، (تشعر أنها لا تزال تدفع ثمن خطأ ارتكبته في شبابها، علاقتها بزوجها السكير مضطربة- الرواية)، ومأزومة جنسيا. ويجد فرصة مناسبة ليسطو على قلب «كورا» زوجة صاحب نعمته. التي تعامل معها منذ المقابلة الأولى، وخداعها من أجل ان يفوز بقلبها، على الرغم من انها تبدو اليه (لم تكن ذات جمال صارخ باستثناء قوامها، لكن نظرتها واجمة، وشفتيها مزمومتان بطريقة تدعو الى تقطيعهما). الراوي «فرانك» ينقل لنا الاحداث بمهارة كاتب قدير لم تقتصر لغته على اظهار العالم الحسي في جسد كل منهما. الرجل المحتال يجعل من حاجته الى جسدها جسراً يعبر به الى حيث نزواته المؤقتة، من أجل ان يشبع هذه الغزيرة التي تصهل من اجل اطفاءها. اما المرأة، فقد اوضحها الروائي انها حب حقيقي ينطلق من حالة حرمان من وجودها كأنثى تريد ان تحقق ذاتها، وليست حاجة جنسية تطفأها. انها تحقق بها مصيرها من اجل ان تحيا حياتها التي حرمت منها، وتحقق احلامها مع رجل تعتقد انه يحبها، وهو في حقيقته يسايرها من اجل غايات أخرى تتوضح عندما يروي عن نفسه ويكشف عن سيرة مليئة بالاحتيال، ويصل هذا الى اختلاف بين الرجل والمرأة ليحدث قرار الجريمة بحق الزوج، وايجاد طريقة تبعد عنهما الشك، ويتوصل الى تلك الطريقة بفضل ذكائه، ولكن اليوناني العجوز يفلت من مخالب تلك الجريمة، دون ان يلقي تبعات ذلك الفعل على أحد. الرواية تحكي عن تفاصيل ذكية في الإشارات والدلالات. انها رواية متحركة تقود القارئ بطرق مقنعة ودون توقف الى أهدافها. يوم ظهرت هذه الرواية للكاتب «جيمس مولاهان كين» في طبعتها الأولى عام 1934م، أحدثت لغطاً كبيرا حولها، لما فيها من مواجهة سافرة بسبب المحتوى الذي رفضه المجتمع الأميركي المحافظ في ثلاثينيات القرن الماضي بسبب العنف ايضا. شخصية «فرانك» المتشرد المتهور والمجرم المعتاد، والذي لا يجيد اية مهنة سوى الاحتيال، والخديعة، يستغل المرأة الى اقصى مديات الاستغلال الى درجة يجعلها تشترك معه في جريمة قتل زوجها، يرويها فرانك من زنزانته في السجن بعد الحكم عليه بالإعدام. (كنت في اليومَين التاليَين ميّتًا من التعب، لكنّ اليونانيّ كان منزعجًا مني، فتدبّرتُ أمري. كان غاضبًا لأنني لم أصلح باب الزنبرك الذي يفصل بين المطبخ وقاعة الطعام. قالتْ له إنّ الباب ارتدّ إليها وضربَها على فمها. كان لا بدّ أن تقول له شيئًا يفسّر انتفاخ فمها بعد أن عضضتُها. لذلك قال إنّ الذنب ذنبي لأنّي لم أصلح الباب. شددتُ الزنبرك فأصبحتْ دَفعةُ الباب أضعف، وانحلّت المشكلة. لكنّ السبب الحقيقي وراء غضبه منّي كان اللافتة. فقد أعجبتْه الفكرة إلى حدّ الخوف من أنّني سأنسبها إلى نفسي- الرواية). وسرعان ما تستلم المرأة لعلاقة غرامية عميقة، وتتمادى في خيانة زوجها، ونفاق خادمه. ولم يكتف الرجل الغريب بكل ذلك. بل دفع بها، للتفكير بالتخلص من الزوج، وربط حياتهما معًا، وتبدأ محاولات العاشقان في التخلص من الزوج، ويعملان على التخطيط لإزاحته من حياتهما، ولكن المرة الأولى لم تنجح، (حيث يعود الزوج بمرح إلى الحياة بقوة أكبر بعد تعرضه لكسر في الجمجمة جعله يفقد جزءا من ذاكرته - الرواية). وتنجح في المرة الثانية عندما يدبران للضحية حادثة سيارة. ويقرران الزواج، تكتشف كورا أن “فرانك» على علاقة غرامية مع امرأة أخرى. لينتقل الى المرحلة الثانية من خطته، وهي التخلص من «كورا». ثم (قُتلت “كورا» في حادث سيارة هو كان يقودها– الرواية)، و(«فرانك» الآن من سجين عنبر الإعدام، يكتب قصته هذه موضحًا أنه أدين خطأً بقتل «كورا». ويأمل أن تنشر قصته بعد إعدامه). للكاتب رواية أخرى لم تترجم الى العربية بعنوان «تعويض مزدوج»، لم تنل الشهرة كما نالتها رواية «ساعي البريد يطرق الباب مرتين».

تعليقات الزوار

  • محمد الأحمد

    محبتي وبالغ احترامي

  • رائف امير اسماعيل

    عرض مشوق للقصة..مقالة جيدة جدا.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top