متى يخرج بلد الحضارة والثقافة والعلم عن مأزق الصراع على السلطة؟

آراء وأفكار 2023/02/07 12:47:58 ص

متى يخرج بلد الحضارة والثقافة والعلم عن مأزق الصراع على السلطة؟

عصام الياسري

منذ الغزو الأمريكي للعراق قبل عقدين والوضع الأمني والمعيشي في تردٍّ مستمر، حتى أصبح المواطن العراقي محروماً من أبسط الاحتياجات اليومية من ماء وكهرباء وعلاج طبي وسكن. إلى جانب ذلك يتزايد جيش العاطلين عن العمل ويتردي الوضع الاقتصادي.

ولاتزال مؤسسات ومصانع الدولة عرضة للنهب والتخريب بالإضافة إلى عمليات السرقة التي تمارسها المليشيات المسلحة والأحزاب الشعبوية الولائية الماسكة بالسلطة لصالح دول خارجية. فتحولت، أكذوبة توفير الأمن والاستقرار المعيشي والاقتصادي وإعادة أعمار العراق إلى فضيحة مكشوفة. وأصبحت الصحف العالمية تتناقل أخبار الاختطاف والتهجير القسري وتعرض المعتقلين في السجون العراقية والميليشياوية إلى أبشع أساليب التعذيب يومياً. ناهيك عن الإنفجارت الصاروخية المستمرة التي ترعب المواطنين العراقيين وتتعرض لها مؤسسات الدولة والأحياء المدنية في معظم المدن العراقية والتي تذهب ضحيتها العشرات من الأبرياء.

أما من الناحية الأمنية، فلم يعد للمرء العراقي ما يضمن حياته وحياة عائلته حتى ليومٍ واحد. إلى جانب ذلك لا زالت الجماعات السلفية ومليشيات القوى المشاركة في الحكم تمارس بشكل منظم ارهاب المواطنين ونشر مظاهر العداء الطائفي والعقائدي. وباتت المخابرات الأجنبية، وبالأخص الايرانية والامريكية والإسرائيلية، تستغل الفوضى القائمة لتحقيق مآربها وتدمير العراق وتمزيق وحدته الوطنية. وما عمليات التحييد والاهمال التي يتعرض لها العلماء والأكاديميون والمثقفون العراقيون إلا جزءاً من خطة إنهاء حاضر العراق وجعل مستقبله مسرحاً تجول فيه العصابات التي تقتل على الطلب مقابل أسعار بخسة على مرأى ومسمع أجهزة الأمن والشرطة التي تم اختراقها وتداخلت فيها مختلف العصابات الامنية الاجنبية والحزبية والشوفينية العراقية. مما جعل المواطن لا يأتمن إلى هذه المؤسسات، لا بل يخافها بقدر خوفه من الميليشيات، الأمر الذي اضطر مئات الآلاف إلى ترك العراق والهجرة إلى دول الجوار. وبلغ عدد العراقيين في الخارج أعلى مستوياته متجاوزاً أي زمن مضى.

لقد بلغ الفساد الإداري والمالي منذ غزو العراق وحتى الآن أعلى درجاته. وأصبحت سرقة أموالِ الدولة وعقارتها ظاهرة منتشرةً بشكل علني على جميع المستويات، ووصلت أرقاماُ خيالية لم يشهدُها العصر الحديث في أي مكان في العالم. أيضاً سرقة النفط وتهريبه أصبحت حالة دارجة، يتهم الضلوع فيها الكثير من العراقيين من أصحاب المسؤوليات وقادة أحزاب مشاركة في الحكم ـ كردية وعربية. وصار النفط العراقي المسروق يباع من قبل المليشيات في أسواق دبي بشكل شبه علني وبإيعاز من جهات رسمية واحزاب سلطوية ومتعاونون معهم في الحكومات العراقية المركزية والمحلية المتعاقبة. وتشير التقارير إلى أن معظمه يذهب إلى الإمارات (الشارقة ورأس الخيمة والفجيرة) والاموال التي تحصل عليها شبكات تهريب النفط العراقي يتم ايداعها في بنوك اماراتية.

إن تدخل دول الجوار ومخابراتها أصبح أمراً واضحاً وعلنياً، وصل قمته باصرار قادة الأحزاب العراقية الولائية تصفية مصير العراق واستنزاف اقتصاده وموارده لصالح ايران على حساب قوت الشعب واعمار البلد وتقدمه. جاعلون الشعب العراقي خارج اللعبة، يتحكمون بمصيره ومستقبل أجياله بالاضافة الى تفكيك مؤسسات الدولة ومحو الهوية العراقية، شبيهاً بصراع الدول الاستعمارية على المناطق الإفريقية في القرن التاسع عشر. كما أصبح خطر النزاعات الطائفية واقعاُ ملموساُ، فالقتل على الهوية والتطهير العرقي والتهجير القسري، صار شيئاً مألوفا.

لقد قام المحتل بحل مؤسسات الدولة العراقية من جيش وشرطة وحرس الحدود، وسمح بنشوء فوضى تامة. وأصبحت الحدود العراقية مفتوحة من كل الأطراف، ساعدت على دخول المتسللين وعملاء المخابرات الأجنبية للعراق. وتعتبر هذه الاجراءات بالاضافة الى نهب المتاحف وحرق المكتبات والدوائر الحكومية وسرقة ثرواتها أول الخطوات لمحو الهوية العراقية والمضى لتشمُل كل مجالات الحياة السياسية والاجتماعية وإقامة التحالفات العرقية وتوزيع الامتيازات والسماح بإنشاء الميليشيات، بهدف استعمالها ضد قوى سياسية عراقية أخرى أو تأليب بعضها على البعض الآخر. وأستُغل الفكر الطائفي من قبل فئات اجتماعية وأحزاب سياسية كأداة للدفاع عن مصالحها الفئوية والاقتصادية. أما الدستور فكان الطامة الكبرى، حيث شرع على أساس المسودة الأمريكية، التي استهدفت وضع قاعدة قانونية لتمزيق العراق وشرذمة شعبه.

واليوم وبعد انتهاء مهزلة الانتخابات الاخيرة، والإعلان عن تشكيل حكومة توافقية على غرار سابقاتها يرعاها "الاطار التنسيقي" بعد صراعات طويلة على تقاسم السلطة (العراق) والإتفاق على نسب توزيع المكاسب والغنائم بما فيها الوزارت بين الاحزاب الحاكمة. تم تشكيل الحكومة وتوزيع المناصب الوزارية على اساس المصالح الفئوية والقومية لا على أساس الكفاءة والمسؤولية القانونية وإحترام مؤسسات الدولة ومصالح المواطنين. وتركز الصراع على الوزارات السيادية التي تتوفر فيها السرقات كوزارة النفط والمالية والصحة والتجارة، مما يبين أنانية وجشع المتصراعين على السلطة.

أن ما سبق تشكيل الحكومة من صراعات طائفية وشللية تبين بوضوح: بأن لا مجال لتغيير أي شيء في واقع السياسة في العراق. فاحزاب "الاسلام السياسي" والميليشيات لا زالت صاحبة القرار الفصل في القضايا المصيرية للعراق. والقوى المشاركة في الحكومة الحالية، هي ذاتها التي شاركت في كل الحكومات السابقة، وفشلت في حل أي معضلة من معضلات الشعب العراقي. كما أن أطرافاً سياسية، تشكل جزءاً مهماً من الحكومة، متهمة باغتيال العشرات من العراقيين وممارسة التهجير القسري ونهب أموال الدولة، وأن العديد من أحزاب السلطة يروج بشكل علني للفكر الطائفي والشوفيني والولاء لدول اجنبية، ويعمل بشكل فعال للتفرقة والنعرات الطائفية والاثنية. إلى ذلك، فلعبة الديمقراطية الزائفة، لم تحقق أي نجاحاً، بل العكس، حيث إن الوضع في العراق أصبح المثال الأسوأ الذي تحاول كل شعوب المنطقة أن تتفاداه.

إن الفشل السياسي الذريع وانتعاش الوضع الفوضوي الذي يعود إلى التصورات الخاطئة للحكومة المتعاقبة في العراق، أدى إلى تصاعد النفوذ الأجنبي وبالأخص الإيراني، الذي يتعارض بشكل واضح مع سياسة الولايات المتحدة الداعية لعزل إيران في العراق، بل يضَعها إلى جانب الخسائر المادية والمعنوية والقيمية التي تواجهها، رهينة صراع سياسي وعسكري غير محسوب النتائج، اليد الطولى فيه للمخابرات الإيرانية وحلفائِها العراقيين.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top