كرم نعمة
العبث الذي يصل أحيانا حد السخف مع "سيري" في هواتفنا، غير مجدِ مع نظام الذكاء الاصطناعي "تشات جي بي تي"، ليس لأن هذا النظام وصل مرحلة البلوغ، بل لأن المغريات المثيرة التي يعدنا بها، تجعلنا أكبر من أن نعبث معه، بعد أن أثبت قدرته على استيعاب انتباه الإنسان.
نحن جميعا نحتاجه. عندما أتحدث عن نفسي كصحافي، فإن في بالي مشاريع كتابة ربما تستغرق مني شهورا من البحث والترتيب، فهل بإمكانه أن يوفر الجهد والوقت عليّ؟ لحد الآن أعتقد ذلك، لأنه صار علينا أن نصنع الفكرة، بينما يقوم الذكاء الاصطناعي بجمع كل تفاصيلها وتغذيتها ودعمها وإقناع الآخر بها.
كل الناس الذين يعملون سيرون في "تشات جي بي تي" مفيدا لهم، بينما أولئك الذين يتحدثون عن معضلة أخلاقية أو تهديد للعقل البشري، بحاجة إلى شيء من التروي، لنرى كيف يتواءم البشر مع الذكاء الاصطناعي، الذي يعّرف نفسه - لحد الآن - بأنه لا يفكر بإلحاق الضرر بالإنسان إلا إذا أراد بعض البشر ذلك "وما أكثرهم". وهذا يتطلب ألا يسمح لتلك الأنظمة باختيار قواعد الاشتباك.
بينما شبّهت ميرا موراتي كبيرة مسؤولي التكنولوجيا في شركة "أوبن إيه آي" انتشار الذكاء الاصطناعي بنوع من العولمة الرقمية، تمنح الجميع إمكانيات اقتصادية جديدة، ما يزيد من تنوع الفرص والازدهار.
يوجد بيننا من يعول على ما يقوله إيلون ماسك تحت إغراء سطوة شركاته وأمواله، بينما يجب معاملة كلامه بطريقة قوة إعلامية بلا مسؤولية، عندما يحذر من الصعود المذهل لـ"تشات جي بي تي" باعتباره أحد أكبر المخاطر على مستقبل الحضارة. وليس غريبا أن نعرف أن ماسك نفسه مؤسس ومشارك في شركة "أوبن إيه آي" التي طورت هذا النظام وبرمجة الذكاء الاصطناعي!
حسنا، مازال "تشات جي بي تي" يفشل في تحقيق طلباتنا الطموحة أكثر مما ينبغي من ذكاء اصطناعي في مرحلة الرضاعة، مع أنه ينتج بعض الأفكار الواعدة. بينما يواجه أسئلة مهمة بطريقة هل سيعوق الذكاء الاصطناعي تبني الإنسان التكنولوجيا أم سيسهلها؟
في كل الأحوال لا يمكن استبدال "تشات جي بي تي" بوزير مالية الحكومات؟ مع أن جيريمي هانت نفسه استغله في كتابة مقدمة لخطابه الأخير المؤيد للابتكار في وزارة المالية البريطانية. ذلك لا يعني، وفق ما أعتقد، تلاعبا مؤسفا بالقواعد السياسية.
أو بطريقة أحد المعلقين الذي اعتبر أن الطبيعة غير الكاملة للذكاء الاصطناعي تخاطر بقلب عالم المعلومات رأسا على عقب.
يمكن أن يكون هذا الكلام صحيحا، على الأقل حاليا، كما فسّره كاتبي المفضل تيم هارفورد، فـ"تشات جي بي تي" لا يمتلك نموذج تجربة إنسانية شاملة، بدلا من ذلك لديه نموذج لأنواع الأشياء التي يميل الناس إلى كتابتها. وهذا يفسر سبب قابليته للتصديق بشكل مذهل، كما يشرح سبب أن هذا الإنسان الآلي قد يجد صعوبة في تقديم إجابات صحيحة لبعض الأسئلة المباشرة إلى حد ما.
كما فعل مثلا أستاذ اللغة الإنجليزية والفلسفة إريك فانونسيني عندما أطلق سؤالا يستند إلى فرضية خاطئة عن كيفية جمع بيض البقرة، وأتت إجابة "تشات جي بي تي" باقتراحه على الأستاذ وضع قفازات تجنبا لالتقاط أي بكتيريا، والعثور على عش بقرة يكون مصنوعاً من تبن أو قش!
وهو أمر لا يدفع غاري ماركوس مؤلف كتاب "إعادة تشغيل الذكاء الاصطناعي"، إلى التعبير عن استغرابه بالقول إن "كل شيء ينتج عنه يبدو معقولا، لأنه مشتق من الأشياء التي قالها البشر. لكنه لا يعرف دائما الروابط بين الأشياء التي يضعها معا".
اترك تعليقك