اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > آراء وأفكار > تصدع وليس صداعًا ينتاب العالم

تصدع وليس صداعًا ينتاب العالم

نشر في: 6 مارس, 2023: 11:17 م

كرم نعمة

العالم مصاب بالصداع منذ سنوات، لم يبدأ مع الحرب الروسية الأوكرانية، وكل التشخيصات السياسية الخجولة قبل هذه الحرب، كانت تبعث بنوع من الاطمئنان غير المجدي سياسيًا ومن دون أن تخفف الألم آنذاك أو تقي من الأعراض التي ستظهر لاحقًا على وجه العالم.

من بين التشخيصات المفرطة بالتفاؤل، كانت ترى أن الصين لا تريد حربًا باردة مع الولايات المتحدة، رغم هذا الكم من الاختلافات المتصاعدة حتى على منطاد تائه أو زيارة مسؤول أمريكي إلى تايوان.

مقابل ذلك التفاؤل وصل الألم إلى أجزاء مؤثرة على قلب العالم. متمثل بالاستخدام الوقح لسلاح الطاقة، تعطيل توريد سلسلة الغذاء، بناء التحالفات خارج الهيمنة الأمريكية، تحالفات أطرافها الصين وروسيا لا تخفي ظهور تعابير القلق على حلف الناتو، وأخيرًا إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رفع سرعة الحرب وإيقاف العمل باتفاقية "ستارت" للأسلحة الهجومية الاستراتيجية، متعهدًا بعدم العودة إلى المناقشة والبحث بشأن تمديد "ستارت" كآخر اتفاقية رئيسية متبقية مع الولايات المتحدة، من دون أن تعرف موسكو، ما الذي تريده تلك الدول مثل فرنسا وبريطانيا؟ وكيف ستأخذ في الاعتبار ترساناتها الاستراتيجية، أي القدرة الضاربة المشتركة لحلف شمال الأطلسي.

بوتين اليوم يؤكد أن روسيا لم تخسر شيئًا في المواجهة العالمية مع الولايات المتحدة، وإنما استفادت في الواقع من خلال وضع نهج سيادي جديد من شأنه أن يعيد لها نفوذها العالمي. بينما الغرب يفشل لأن المحاولة غير المجدية لعزل روسيا بالعقوبات تدمر الاقتصاد العالمي، في وقت تنهض فيه آسيا.

يبدو هنا أن تساؤلات الحرب النووية، ليست عبثية عند الأستاذ في جامعة هارفارد جوزيف صموئيل ناي مؤلف كتاب "هل الأخلاق مهمة؟ الرؤساء والسياسة الخارجية من روزفلت إلى ترامب" لأن قياس احتمالات اندلاع حرب نووية شغل الخبراء منذ عقود.

لا أحد يفكر باستعادة مجد التحدي الذي كان يملكه الاتحاد السوفييتي، بما فيهم بوتين نفسه، فهو طالما وصف من يفكر بعودة الاتحاد السوفييتي، بلا عقل، من دون أن يخفي حزنه على انهياره.

في كل الذي يحدث، هناك ما أهو أشد من الصداع يضرب رأس العالم، ليس بوتين وحده من تسبب به، الصين تعمل بهدوء وانسيابية سياسية بطريقة أهدأ وتزعم بأنها لا تسعى إلى حرب باردة جديدة. انكسار الغطرسة الأمريكية، جعل واشنطن تبحث عما يعيد كبريائها، إلا أن بايدن أكثر من مريض!

مع ذلك، فإن التحذيرات الجديدة من قبل المسؤولين الأمريكيين من أن الصين ربما تستعد لمنح روسيا أسلحة وذخيرة لحربها على أوكرانيا تنذر بأسوأ ما في الحرب الباردة القديمة.

بوتين نفسه قال لرئيس لجنة الشؤون الخارجية في الحزب الشيوعي الصيني وانغ يي، في الكرملين "إن العلاقات الدولية معقّدة، اليوم… في هذا السياق يكتسب التعاون بين الصين وروسيا أهمية كبيرة لتحقيق استقرار الوضع على الساحة الدولية".

هو في حقيقة الأمر يستخدم مفردة "الاستقرار" لكنه يعني المزيد من الألم للغرب.

ففي صراع الظل هذا الذي دام عقودًا، ضخت الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي والصين أحيانًا الموارد العسكرية في حروب طويلة حول العالم وانخرطت في صراعات دموية بالوكالة من كوريا إلى فيتنام إلى أفغانستان.

يقول المسؤولون الأمريكيون إن الصين، امتنعت طوال عام من الحرب في أوكرانيا عن تقديم مساعدات لروسيا. أكد الرئيس جو بايدن لزعيم الصين شي جين بينغ، أن أي خطوة من هذا القبيل ستكون لها عواقب بعيدة المدى.

ليس هناك شك في أن دخول الصين إلى الحرب بهذه الطريقة من شأنه أن يغير طبيعة الصراع، ويحوله إلى صراع تاريخي يضم القوى العظمى الثلاث الكبرى في العالم وشركائها من الأطراف المتعارضة.

تحذيرات وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، الموجهة إلى الصين كشفت أن إدارة بايدن تعتقد أن بكين على وشك تجاوز الخط الأحمر باتجاه روسيا.

واجه بلينكن نظيره الصيني وانغ يي، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن، وأخبره أن واشنطن تعتقد أن الصين "تفكر في تقديم دعم فتاك لروسيا في حربها على أوكرانيا".

الولايات المتحدة لديها القليل من الأوراق المفيدة، إن وجدت أصلًا، للعب مع الصين. على الرغم من أن البلدين لا يزالان شريكين تجاريين قويين، إلا أن العلاقات في واحدة من أدنى مستوياتها منذ عقود، والتي تفاقمت بسبب الأزمة التي اندلعت بسبب بالون التجسس الصيني الذي دخل إلى سماء الولايات المتحدة.

لذلك تستبق واشنطن والعواصم الأوروبية، تداعيات هجوم روسي جديد هذا الربيع، ويعملون ما بوسعهم للتحذير وإعلان إرسال المزيد من الأسلحة إلى كييف تمنع اختراق الدفاعات الأوكرانية. ذلك أيضا ما يفسر لنا الطبيعة التاريخية لزيارة بايدن إلى أوكرانيا.

مسؤول الشؤون الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل أعلن من جانبه أن تسليم الصين أسلحة لموسكو "خط أحمر" بالنسبة للاتحاد الأوروبي. مؤكدًا على أن الدول الأعضاء في الكتلة ستعتمد على مخزوناتها لتسريع توريد الأسلحة والذخيرة لأوكرانيا.

ذلك يعني أن مرحلة الصداع كانت مجرد أعراض أولية لا تقلق أطباء صناعة السياسة في العالم، إلا أنها وصلت إلى واقع متصدع في الجدار الهش الذي كان يفصل التوافق المعلن بين القوى العظمى. عندما بدأت بكين بتحريك أولى خطواتها المقلقة لواشنطن.

التصدع يصيب العالم بينما بوتين لا يشعر بالصداع لحد الآن، مع ذلك دعونا نترقب الأعراض التي ستظهر على موسكو!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملاحق المدى

مقالات ذات صلة

كيف يتصوَّر العقل الشيعي (الشعبي) الوجود؟

غالب حسن الشابندر الكون كما نفهمه ظاهراً هو هذا العالَم الذي يحيط بنا، شمس وأرض وبحر وجبال وصحراء وحيوانات ونباتات… كائنات ومخلوقات وظواهر شتى، هذا هو البادي للعيان، وفيما رجعنا إلى القرآن الكريم نجد أكثر من مستوى نظري للكون، فهو قد يكون هذه الاشياء الظاهرة والخفية، أو هو العلاقات التي تربط بين هذه الاشياء، أو […]
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram