قناطر: على الطريق الى السليمانية

طالب عبد العزيز 2023/03/14 10:56:49 م

قناطر: على الطريق الى السليمانية

طالب عبد العزيز

الى د. رؤوف عثمان

لم استطع الوقوف خارج ذاكرتي وانا اتجول في مدينة السليمانية، التي دخلتها قبل يومين، فقد اعادتني الى منتصف ثمانينات القرن الماضي، مقتفيا خطاي التي أخذتني الى الجبال والاودية جندياً، لا يملك القدرة على دفع ما يأخذونه اليه. اليوم،

وبعد ما يقرب من خمسة عقود أجيء المدينة التي أحببتها، ودافعت عنها، لا لأعقد المقاربات، بين زمنين، أو جغرافيتين إنما لأجدني واحداً من الذين كانوا ضحايا نظام تظافرت آلته على سحق ذاكرة أجيال من الرواة والشهود، جيلنا الذي لم يبق من محاربيه إلا القليل وجيل الشباب من الكرد والعرب الذين لم يشهدوا معنا ما كنا نعانيه معاً.

في القاعة الكبيرة المسماة باسم الشخصية الثقافية والوطنية الكردية المعروفة الدكتور عزّ الدين مصطفى رسول بفندق الملينيوم، حيث حضرت فعاليات مؤتمر خاص بمؤسس إحدى الطرق الصوفية هو مولانا خالد النقشبندي(1779-1827) واستمعت الى مجموعة المحاضرين، الذين تناوبوا البحث لأيام ثلاثة، تعرفت على مفصل آخر في الفكر والمعرفة، إذ هناك ما هو أهم من الشعر والرواية والنقد، وما يمس الحياة مباشرة، على الرغم من مكوثه في التاريخ، وهنا عرفت بأن الشعور القومي ما لم يستنفد بحثا وممارسة وتأملا لن يأمنَ أحدٌ خطورته، فقد كان صوت القومية في القاعة أعلى من روح العرفان والتصوف التي عرف بها مولانا خالد النقشبندي:

لا شكَّ بأنَّ الشعب الذي حرم من ممارسة حقّه في التعبير عن قوميته لسنوات طويلة يمتلك الحق كله في التعبير عنها في مناسبات كهذه، بعد زوال الضاغط والمهدد، وله الحق ايضاً بالبحث في سلوك وأعمال شخصية مولانا خالد وسواه من الشعراء والكتاب والسياسيين، الذين كتبوا بلغته، وعبّروا عن طموحاته وآماله، بوصفهم النصير والظهير لكل ما من شأنه تأكيد وجوده، أو يشير ويؤسس لقوميته التي استبعدت عن مممارسة دورها في الحياة، وقد بدا ذلك واضحاً حين انصرفت ألسن الباحثين وآذان المستمعين الى التركيز على قومية مولانا خالد، واللغة التي كتب بها كتبه ورسائله دون الخوض في عرفانياته وطريقته في التصوف، التي انعقد المؤتمر لأجلها.

اشترك في المؤتمر باحثون كرد وفرس وعرب من داخل وخارج اقليم كردستان، وكان فرصة مثالية للتعرف على جانب لا يقل اهمية عن جوانب بحثية أخرى، ومع أنَّ جبال وأودية كر دستان كانت مهد الطريقة النقشبندية إلا أننا نجد آفاقها قد امتدت الى كثير من المدن العراقية والايرانية والشامية والتركية وغيرها. قد يحقُّ لنا السؤال في جدوى واهمية بحوث كهذه، وما الذي ستقدمه الطقوس والمارسات الصوفية في عصر العلم والمعرفة والتحولات السياسية والاقتصادية الكبرى، التي تعصف بالعالم؟ لكن، هناك من يجد فيها ضالته الروحية. سيكون لمؤتمرات مثل هذه الاثر البليغ لو أنها اقتربت أكثر من حياة الشعوب، وبحثت في المصائر الانسانية التي تمس بشكل مباشر واقع معيشتهم.

في مركز عزِّ الدين مصطفى رسول، المبنى الحضاري الضخم حيث استقبلنا مديره الدكتور رؤوف عثمان وقفنا على معنى آخر من معاني المعرفة، فقد وجدنا مفخرة علمية جامعةً. هناك مكتبة كبيرة، تضم مئات الوثائق وآلاف الكتب والمخطوطات بلغات عربية وفارسية وكوردية متاحة للباحثين من الاقليم وخارجه، يجد الداخل اليها ضالته ويتحقق في أروقتها من انسانيته، بعيداً عن القهر وخارج أيِّ تضييق قومي وانحياز طائفي.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top