موسيقى الاحد: مندلسون عند القوميين الألمان

موسيقى الاحد: مندلسون عند القوميين الألمان

ثائر صالح

ينتمي مندلسون إلى الجانب المحافظ، التقليدي في الموسيقي في خضم الفورة الرومانتيكية التي سادت العقود الأولى بعد وفاة بيتهوفن.

لذلك كانت علاقته بالموسيقيين الرومانتيكيين معقدة، خاصة وأن دوره في الحياة الموسيقية لتلك الفترة كان مؤثراً بسبب أعماله الراقية ودوره الريادي في إحياء موسيقى باخ وتأثيره التأريخي على تطور الفرق السيمفونية ورفعه من سمعة فرقة جيفاندهاوس، وبالخصوص تأسيسه لأساليب جديدة في قيادة الأوركسترا، وتأسيسه وإدارته لكونسرفاتوار لايبزيج الذي صار أحد أهم المراكز التعليمية الموسيقية. كل هذه الإنجازات دفعت حتى خصومه إلى الحديث عنه باحترام، بضمنهم ريشارد فاغنر (1813 - 1883) الذي هاجمه بالاسم كممثل للموسيقى اليهودية في كتابته "اليهودية في الموسيقى" التي صدرت في 1850، بعد ثلاثة أعوام من وفاته، إذ اضطر رغم ذلك إلى الاعتراف بدوره المؤثر وأهمية وجمال موسيقاه. هذا النمط من التفكير نجده لاحقاً عند النازية التي منعت نشر وتقديم أعمال مندلسون وغيره ممن اعتبروا لا يمثلون الموسيقى الألمانية، فهو يمثل عندهم "حادثة خطيرة" في تأريخ الموسيقى القومية الألمانية. وقد أبدل النازيون مارش الزواج الشهير من حلم ليلة صيف لمندلسون بآخر ألّفه كارل أورف (1895 - 1882) الذي اشتهر بتأليفه "كارمينا بورانا" وتعاونه مع النازية. كما أزال النازيون كل أثر يدل على هؤلاء الموسيقيين (والمفكرين عموماً)، منها التمثال البرونزي لمندلسون الذي نصب في ساحة كنيسة توماس بلايبزيج عرفاناً بدوره في رفع الحياة الموسيقية في هذه المدينة وبدوره في إحياء موسيقى باخ الذي أعيد دفنه على مبعدة أمتار من التمثال داخل كنيسة توماس (أعيد نصب تمثال لمندلسون في نفس المكان عام 2008). وقد سخر الكاتب التشيكي الشيوعي اليهودي يرجي فايل من هذا الأمر في إحدى رواياته عن الحاكم النازي على مورافيا وبوهيميا راينهارد هايدريش (قتله المقاومون في 1942 وتسبب ذلك في مذبحة ليديتسه المعروفة)، فتصور مشهد إرسال هايدريش عمال لإزالة تمثال مندلسون من بين عدد من تماثيل الموسيقيين، فلم يتعرفوا عليه، فقرروا رفع تمثال صاحب أكبر أنف، وكان هذا تمثال فاغنر!

توفي مندلسون في خريف 1847 بعد أشهر معدودة من وفاة أخته فانّي هنسل - مندلسون التي كانت الأقرب إليه، وقد رثاها برباعية وترية مؤثرة. كان هذا قبل عام من ثورات 1848 - 1849 في أوروبا التي فتحت الباب أمام الحركات القومية سياسياً وثقافياً، وأثرت في مجمل الحركة الثقافية وقتها. لذلك يصعب تحديد ماهية تأثيرها المحتمل على مندلسون وموسيقاه فيما لو كان قد عاش تلك الفترة العاصفة. فقد كان مندلسون "قومياً" ألمانياً على طريقته، لكن هذه القومية تختلف عما جاء بعد 1848، فقد ارتبطت القومية بالعرق وبالأساطير التيوتونية الجرمانية التي صارت مودة النصف الثاني من القرن التاسع عشر، والتي استعملها فاغنر في موسيقاه "القومية" مثل رباعية النيبلونغ. واختزلت النازية القومية إلى فكرة "الآري النقي" التي روّج لها الأنثروبولوجيون الألمان في بداية القرن العشرين.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top