السماوة/ احمد ناصر

يعاني الكثير من المسنين العراقيين اوضاعا مأساوية، فمنهم من يعيش الوحدة بعد تشتت عائلته بين الهجرة الى المدن الحديثة واخرى بسبب مشاكل عائلية تسببت بها الأوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة للكثير من معدومي الدخل، ومنهم من لازال مضطرا للعمل رغم كبر سنه لتوفير قوته اليومي ومعظمهم ينتظرون الموت ويجدون فيه خلاصا مما يعانون.

هجرة

الحاج كاظم عبد وجد نفسه مع اقتراب نهاية عقده الثامن من عمره وحيدا بعد ان تفرق عنه الابناء وفرق الموت بينه وبين زوجته حيث يقول لـ(المدى): انا اعيش لوحدي منذ عدة اعوام فقد هاجر اولادي مع من هاجر الى خارج العراق عام 2014 بعد الاحداث المأساوية لهجوم داعش الارهابي، لكنه يستدرك بانه احس بالوحدة الحقيقية فقط عندما فقد زوجته قبل ثلاث سنوات لأنها كانت ترعاه وتتدبر شؤونه، ويضيف، اولادي على اتصال دائم بي وهم يطالبونني باستمرار بالسفر لهم والاقامة معهم خارج العراق، وقد رفضت ذلك لأنني لا اريد مغادرة بلدي ومدينتي وبيتي وان كان بعد ذلك الاقامة مع اولادي والعيش معهم ورؤية أبنائهم.

وطن مؤقت

ويجد الحاج كاظم ان صبره على وحدته وعدم لحاقه بأولاده قد ضمن له تحقيق اخر امنياته، وعن ذلك يتحدث ان حياتي تتجه الى نهايتها وانا لا اطيق التفكير باحتمالية موتي على ارض غير العراق اذا ما سافرت لذا انا سعيد ببقائي رغم كل شيء لانه سيضمن لي الموت في العراق ودفن جثماني في ارضه، فنحن كبار السن نلتقي بين الحين والاخر في احدى مقاهي مدينة السماوة ونجتر ذكريات الماضي الذي عشناه وتعايشنا معه من احداث ومغامرات وحتى لاحت لنا فكرة انشاء كروب خاص على مواقع التواصل الاجتماعي لنشر صورنا القديمة والتواصل مع اصدقاء في محافظات اخرى.

ومن المسنين العراقيين ايضا من لازالوا يخوضون غمار مشاق الحياة في العراق بعد ان فقدوا احلامهم بإيجاد فسحة من الراحة في الفصل الاخير من حياتهم.. ابو احمد 76 عاما وهو من اسرة نازحة من مدينة الموصل ويسكن قضاء الخضر 30 كم جنوب محافظة المثنى قال لـ(المدى) انا جد لأسرة تتكون من 17 فردا نعيش معا اضطرتنا عصابات داعش الارهابية الى مغادرة منزلنا في الجانب الايمن في الموصل قبل اكثر من تسعة سنوات.

ويضيف سبعة عشر فردا منا يعيشون في مكان واحد 10 اطفال وسبعة من الكبار منهم نساء اربعة نعيش في بيت مستأجر، اوضاعنا المعيشية صعبة للغاية لكن اهل السماوة الخيرين احتضنوا عائلتنا ومدو يد العون لأبنائنا في اعمال تساعدنا على سد احتياجاتنا من الغذاء والادوية والمستلزمات الاخرى.

ويتابع ابو احمد ان الكبار منا يحاولون مواصلة العمل، فعل أي شيء يجدونه بمن فيهم انا رغم كبر سني ولكن دخلنا لا يكفي حتى نعيش حياة كريمة.

كفيل

كذلك هو الحال بالنسبة لأبو سلام والذي رغم تجاوزه الـ67 عاما من العمر الا انه لازال يمارس احدى المهن الشاقة ليعيل نفسه وزوجته، حيث يعمل بعربة خشبية صغيرة يدفعها بيده ليتجول في اسواق السماوة يوما لنقل البضائع واغراض المتسوقين من مكان الى اخر، ويضيف اضطررت الى ممارسة هذا العمل الشاق جدا منذ ثلاث سنوات لأتكفل بمصاريف البيت بعد ان قتل ولدي الاكبر سلام الذي كان يتكفل بمصاريفنا في الانفجار الارهابي الذي طال منطقة الشرقي وراح ضحيته العديد من المواطنين من ابناء مدينة السماوة، حيث كان شرطيا قبل ان نفقد اخاه الاخر في حادث سير.

ويشير ابو سلام، كنت احلم بان ارى ولداي وهما متوفقين في حياتهما ليتكفلا بنا نحن ابويهما، كنت أتأمل ان اعيش ايامي الاخيرة في الحياة مرتاحا ومحاطا بأولادي لكن هذا هو قدرنا وهذه ارادة الله تعالى.

مناشدة

متمنيا من الحكومة والجهات المعنية بمد يد العون للمسنين من خلال توفير راتب شهري وضمان صحي والذي يصفه بانه سلب اكثر ما يحصل عليه من العربة الخشبية كونه يعاني من امراض مزمنة هو وزوجته ويستخدمون ادوية السكري والضغط وامراض اخرى بـ"راجيتات" باهضة الثمن، وهو ما يتمناه ان يتوفر في المستشفيات الحكومية والمراكز الصحية بالمجان لمن يتعدى عمرهم الـ(60) عاما.