مأزق العراقيين...

آراء وأفكار 2012/12/02 08:00:00 م

مأزق العراقيين...

الحكومة العراقية تعيش أصعب أوقاتها هذه الأيام، وحزب الدعوة الذي يحكم البلاد يواجه أسوأ أزماته، وهذه الظروف جعلت البلد حبيس مأزق يتعذر الخروج منه بدون خسائر شاملة يقدمها العراقيون على مذبح سوء الفهم الذي يتلبس الحكومة، وسوء التقدير الذي يغشي رؤية السياسيين.

والحديث عن أزمة الحكومة، يعني الحديث عن مأزق العراقيين، ويعني أيضا مأزق الحزب الحاكم الذي يهيمن على التحالف النيابي والمنفرد بتوجيه سفينة الحكم، الأمر الذي يجعله المسؤول الرئيس عن كل الإخفاقات التي تغرق فيها البلاد.

وفي ظل علاقات سياسة متدنية بين الكتل السياسية، وأداء حكومي فاشل بكل المعايير الإدارية والمهنية، سيكون متعذراً على حزب الدعوة التخلص من مأزقه بدون خسائر هو الآخر، خصوصاً أنه الطرف الذي يقبض على مفاتيح الحكم منذ أكثر ست سنوات.

ولعل من العبث التعكز على اجترار مبررات الفشل بالادعاء أن الحزب لا يحكم وحده، وأن ثمة ائتلافاً حاكماً، أو أن حكومة شراكة وطنية تتخذ القرارات. 

ثمة وقائع على الأرض تؤكد أن الحزب لم ينجح حتى الآن في حل مشكلات الحكومة أو معالجة مأزق العراقيين، وأن كل الإجراءات التي اتخذها بهذا الصدد لا توحي بأية ملامح إيجابية تمنح الأمل بالإصلاح، بل إنها زادت من أجواء التوتر القائم بين الكتل السياسية، ورفعت سقف التعقيدات في الوضع العراقي بطريقة جعلت العراقيين يتحملون أعباءً إضافية رسخت معاناتهم ورفعت من حدة استيائهم.

وبطبيعة الحال إن هذه الأمور ستكون مدعاة لنفور بعض حلفائه، وفقدانه الكثير من قواعده الشعبية، كون التبريرات التي عادة ما يقدمها رجالاته لم تعد مهضومة في الشارع العراقي، أو حتى في صفوف المؤيدين لحزب الدعوة، الأمر الذي يجعلها داعياً لإضعاف موقف الحزب في انتخابات مجالس المحافظات وبعدها في الانتخابات التشريعية. 

وإذا أردنا النظر إلى المأزق من زوايا عقلانية، سوف نرى أن سببه الرئيس يكمن  في عدم اعتماد المعايير المهنية والأكاديمية في تولّي المواقع الفاعلة في إعادة بناء الدولة، وفي إحجام الحزب عن اتخاذ أية إجراءات لإصلاح النظام حتى  هذه اللحظة، وإصراره على عدم الاستجابة للمطالبات الجماهيرية بإبعاد الفاسدين والمقصرين ومحاسبتهم. 

ومن المنطق السليم أن نعتقد أن حزب الدعوة قد يتحرك في اتجاهين:

إما أن يقدم على اتخاذ خطوات تعكس حالة وطنية خالصة دون تشتيت الجهود في أهداف حزبية ضيقة، وخياراته في ذلك الجنوح إلى إصلاح النظام باتخاذه إجراءات يكسب من خلالها احترام وثقة الشعب، وتجاوز أمراض السلطة ومتطلبات رجالاته، والنظر بجدية إلى منطلقاته الأولى التي باتت موضع هواجس دفينة وشكوكاً معلنة.

وإما أن يعمد إلى المناورات السياسية فيؤجل تحركاته الحاسمة، ويعمل على محاصرة السلبيات في حدودها الحالية، واضعاً رهانه على المشاعر الطائفية أو التأريخية، في محاولة لتجاوز مأزقه السياسي وتفادي ضياع شعبيته، يحدوه الأمل أن توفر له المصادفات وتقلبات الظروف إمكانية التعاطي معها في المستقبل، وخياراته في هذه المحاولة قد تستند إلى أوضاع إقليمية وقوى دولية تعكس حالة وطنية خالصة دون تشتيت الجهود في مسائل حزبية ضيقة، واضعاً مصلحة البلد والناس في مقدمة الأهداف التي يسعى إلى تحقيقها، وخياراته في هذه الحال إيجاد السبل الكفيلة بترسيخ أسباب الثقة في نفوس الكتل السياسية المشاركة وغير المشاركة في السلطة، والعمل بإخلاص على  تصويب مسيرة الحكومة ،وهي إجراءات ستنعكس نتائجها على الشارع العراقي. مواقف حزبية وقرارات حكومية،  وفي كل الأحوال فإننا سنكون أمام حالة يختار فيها حزب الدعوة بين مصلحة البلاد والناس في التعامل مع مأزق استنزف الكثير من وقت وجهد العراقيين، فيجنح إلى إصلاح النظام بإجراءات يكسب من خلالها احترام وثقة الشعب، وبين مصلحة الحزب ورجالاته ومتطلبات الحفاظ على السلطة دون النظر إلى منطلقاته الأولى التي باتت موضع هواجس دفينة وشكوك معلنة.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top