الرواية الخامسة لأوفاريل صاحبة المبيعات الاكبر

الرواية الخامسة لأوفاريل صاحبة المبيعات الاكبر

تجلس الروائية البريطانية ذات الإصدارات الأفضل مبيعاً، ماغي أوفاريل، في ركنٍ من ( المنزل الفرنسي ) في سوهو. و تتحدث عن واحد من زبائن البار الأسوأ سمعةً خلال الخمسينات والستينات : المصور الفوتوغرافي البارع جون ديكين، الذي وصفه مغني الجاز جورج ميلي ذات مرة بأنه " سكير صغير فاسد ذو خبثٍ إبداعي و دعارة عنيدة إلى حد أن من المدهش أنه لا  يختنق بالسم الذي فيه "!

في أوائل الستينات، تقول ألاستير سوك التي أجرت المقابلة مع الكاتبة البريطانية، كلّف الفنان فرانسيس بَيكون المصور ديكين بتصوير أصحابه و عشيقاته، و هو ما استخدمه الفنان بعدئذٍ كمفكّرة من أجل لوحاته. و قد أصبحت اللقطة الوجهية لبيكون، الملتقطة في آب 1952، الصورة المثالية للفنان، الذي توفي في عام 1992. و لقد قام ديكين، المصور الموهوب و لكن المكّار أيضاً و غير الجدير بالثقة، الذي كان يحب القيل و القال و الجن القرنفلي و طُرد مرتين من مجلة (Vogue )، بتوثيق الكثير من معارفه الشخصيين بين المدمنين و البوهيميين في حي سوهو ما بعد الحرب.

وصوره من هذه الفترة، والكثير منها كان مخزوناً بشكلٍ عشوائي في صناديق كرتونية تحت سريره ولم تُكتشَف إلاّ بعد موته في عام 1972، قد ألهمت الروائية أوفاريل روايتها الخامسة، (اليد التي أمسكت يدي أولاً The Hand That First Held Mine)، التي نُشرت في نيسان الماضي. و قد أخبرتني أوفاريل، و هي تقلّب صفحات الكاتالوغ الذي صاحبَ العرض، الذي افتُتح في غاليري دين في عام 2002، "إن نقطة البداية كانت معرضاً لصور ديكين الفوتوغرافية التي رأيتها في أدينبره. و لم أكن أعرف الكثير عن مشهد الفن في سوهو في الخمسينيات، لكنني كنت مشدودةً إليه في الواقع، و كان جو الرواية يتفق و المكان".

وكانت تزيّن البار خلفها، حيث تجلس، عشرات الصور الفوتوغرافية بالأبيض و الأسود التي يبدو فيها بعض الأشخاص السكّيرين الذين عرفوا ديكين، بمن فيهم بَيكون الذي يرتدي سترة سوداء من الجلد. فما الذي كان يعجبها في صور ديكين الفوتوغرافية، يا تُرى؟  تقول أو فاريل : " إن فن التصوير اليوم يمكن أن يكون مركّباً كثيراً. و إذا أخذنا مصور الصور الشخصية الأميركي آني ليبوفيتش، الذي يتّسم عمله بالتخيل و الإثارة، لكنه مسرحي جدا، بالملابس، و التجميل، و رش الدهان airbrushing، فإن ديكين كان على العكس من ذلك. فليس هناك من شيءٍ مركّب في ما يتعلق بصوره. فهي تبدو و كأنه لا يمكن أن يضايقه التفكير بها حتى النهاية. و هذا تنويم مغناطيسي ".

ولقد فتنت الشخصيات التي صورها ديكين بكاميرته أوفاريل ، التي عادت مراتٍ عديدة إلى المعرض و ابتاعت عدداً من البطاقات البريدية، التي أخضعتها لدراستها. و ببطءٍ تبلورت تركيبة روايتها : فنجد ( اليد التي أمسكت يدي أولاً ) تنسج معاً قصتين، إحداهما تقع في الوقت الحاضر، و الأخرى في لندن ما بعد الحرب. و بطلة القصة الأخيرة امرأة شابة عنيدة تُدعى أليكساندرا، تأمل بشدة في أن تتحول حياتها " من انعدام الألون المشوّش إلى الألوان الزاهية الرائعة ". و ذات صيفٍ في أواسط الخمسينيات، و بعد مقابلةٍ مع ناقد فني من الباحثين عن اللّذّة الذي تقع في حبه لاحقاً، تهرب أليكساندرا من موطن طفولتها في ديفون و تتجه إلى لندن، حيث تدعو نفسها " ليكسي " و تعمل لصالح مجلة في سوهو.

وتقضي أمسياتها في (المنزل الفرنسي)، ثم في حانة للفجور تدعى ( يورك مينستر )، بالإضافة إلى مأوى بَيكون المفضل، ( الغرفة المستعمرة Colony Room )، و هي آنذاك نادي إباحي للسكر و العربدة تديره سيدة أشبَّه بالتنين تُدعى موريل بيلتشر. و تقول الكاتبة : " بدأت أقرأ عن هذا المشهد البوهيمي في سوهو و أتخيّل ما كان سيحصل على وجه الاحتمال عند الوصول إلى هناك و مقابلة هؤلاء الناس الممتعين الذين تحدوا التقاليد. لقد كان العالم الفني يشتعل بشكلٍ ساطع جداً في هذه الشبكة من الشوارع لعقدٍ من الزمن أو ما يقارب ذلك. لكنه الآن تلاشى. ذهبت (الغرفة المستعمرة ). و المكان الوحيد الذي تبقى فعلاً هو ( المنزل الفرنسي ) ".

و حتى هذا تغيَّر، مع ذلك،.  و لم تعد " حشود العاهرات و البحّارة " الذين كان يكتظ بهم " الداخل النتن " للمنزل، كما يرد في رواية أوفاريل، تظهر للعيان في أي مكانٍ منه، حيث نتحدث معاً. و تقول أوفاريل ضاحكةً : " ما أزال أأمل في أن البحارة يمكن أن يظهروا هنا عند هذا الركن. أظن أنني منجذبة إلى رومانس الأشياء التي تلاشت. ذلك هو ما يفتنني من العيش في المدن. فأينما يذهب المرء، يلتقي على الدوام بالماضي ".

و في الوقت الذي استلهمت فيه المؤلفة لندن ما بعد الحرب، فإنها أرادت أن تتجنب الكتابة عن الماضي بطريقة الحنين إليه. و هي تقول : " لا أعتقد بأن كل شيء في الماضي كان عظيماً و أن الحياة الحديثة رهيبة ــ لا أبداً. ففي الخمسينيات كان الأطفال يموتون من أمراض  الشلل و الدفتيريا. أجل، كانت هناك حركة مرور أقل في الشوارع، لكن كان من العادي تماماً أن تضرب طفلك بحزام جلدي. و هناك اليوم قوانين تمنع ذلك. فالحياة تمضي قدُماً، أليس كذلك؟ "

لكن ماذا عن ديكين؟ الآن و قد انتهى الكتاب، هل ستنتقل أوفاريل من استغراقها بأعماله؟ تهز الكاتبة رأسها قائلةً : " لن أتخلى عن صور ديكين ــ ليس الأن، بأية حال ".

و كنوع من الضريبة تدفعها له، نجد أوفاريل تعطيه مروراً عابراً في روايتها الجديدة. إذ يظهر المصور في ( الغرفة المستعمرة )، حيث تسأله إحدى معارفه إن كان يمكنه أن يوفر " شلناً أو شلنين " ليشتري لها مشروباً. فيلتفت ديكين و يزمّ شفتيه قائلاً ببطء و تشديد على الكلمات : " اللعنة ... اشتري لنفسك ".

وتقول أوفاريل : "إن أحد المحررين لديها خشيَ من أن يكون في ذلك إهانة لذكرى ديكين. لكنني أعتقد بصدقٍ بأن ذلك ما كان سيقوله ديكين في مثل هذه الحالة"!

عن / Telegraph

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top