اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > الرأي > عن خراب الحلة

عن خراب الحلة

نشر في: 12 أكتوبر, 2012: 07:27 م

كانت مدينة الحلة (بابل) واحدة من جنائن العراق المميزة. لست أتحدث عنها في عهد الدولة البابلية الأولى أو الثانية، بل عن حلة الستينات والسبعينات.. المدينة التي كانت حديقة كبيرة حافلة بالألوان الزاهية، هواؤها عليل وماء شطها رقراق أكثر الأوقات .. مدينة ثقافة وتحضر، شوارعها نظيفة وأزقتها مغسولة ومحالها أنيقة.
الآن الحلة واحدة من علامات الخراب المتواصل منذ العهد السابق حتى العهد الحالي الذي أتخم الفقراء والمساكين والمعوزين والثكالى واليتامى بالوعود الكاذبة. الحلة متى ما دخلتها الآن، 24 ساعة في اليوم وسبعة أيام في الاسبوع و12 شهراً في السنة، تجدها مزبلة حقيقية.. ما من شارع فيها نظيف ولا من زقاق غير موبوء بالمياه الآسنة والروائح الكريهة.. وهذا كله وسط غمامة هائلة من الغبار جاثمة بثقل موجع على قلب المدينة وأطرافها، لا تبارحها الا في أيام معدودات هي أيام المطر الشحيح.
منذ سنة ونصف السنة وأنا أتردد على الحلة مرة واحدة في الأقل كل شهر. في كل مرة أطرح الأسئلة نفسها على نفسي وعلى من حولي: لماذا اختارت سلطات المدينة أن تحفر شوارع المدينة وساحاتها كلها دفعة واحدة؟ (لا جواب من أحد)، ولماذا لا يجري العمل في الشوارع الواحد بعد الآخر؟ (لا جواب أيضاً)، ولماذا تمرّ الشهور وأحيانا السنوات ولا أرى شارعاً قد أُنجز؟(الجواب: إما ان المقاول قد أوقف العمل لعدم تلقيه المال الكافي في الوقت المحدد، أو انه فرّ بما قبضه من مال، أو ان السلطات اكتشفت ان هناك أخطاء أو نواقص في العمل، وهذا قليلاً ما يحصل، لأن الموظفين الحكوميين في الغالب غير مكترثين بنوعية الإنجاز كرمى لعيون المقاولين ذوي العلاقات الحسنة مع كبار المسؤولين في المحافظة أو في بغداد، على عهدة من ينقل اليّ هذه المعلومات ).
على مدى السنة ونصف السنة الماضية كلما ذهبت الى الحلة مررت بمشروع بناء مجسر (يقال انه سيكون الاكبر في العراق) على تقاطع للطرق في جنوب غربي المدينة يربط مركز المدينة بالنجف والديوانية وبغداد. أظن ان نصف غمامة الغبار في الحلة ناجمة عن هذا المشروع الذي توقف العمل فيه عدة اشهر بعد اكتشاف أخطاء قاتلة في التصميم (يقال ان ذلك ناجم عن اعطاء مقاولة المجسر الى مقاول غير حقيقي لكن له علاقة قرابة بالمحافظ السابق).
يقوم المشروع على مساحة واسعة ومفرق طرق رئيس تمر به عشرات آلاف السيارات يومياً .. المقاول ترك أرضية المشروع من دون تبليط. وعدا عن إثارة الغبار فان ذلك يتسبب في تلف كبير في السيارات لا تنتفع به الا الشركات الأجنبية وتجار السيارات وادواتها الاحتياطية. أسأل أيضاً: كيف لا تتنبه سلطات المحافظة الى وجوب الزام المقاول بتبليط المنطقة لتمهيد الطريق لمرور هذا العدد الهائل من السيارات؟ (الجواب: قصص كثيرة عن الفساد المالي والإداري).
كانت الحلة واحدة من جنائن العراق الغافية على أحلام كبيرة وصيّرتها حروب العهد السابق وفساد العهد الحالي خرابة كبرى، مدينة مهملة تتقاسم حزنها مع شطها الشحيح بمائه .. شطها الذي يحلم بالمستحيل، كما تكتب لي صديقة متحدرة من مدينة على مرمى حجر من الحلة.
الحلة اليوم واحدة من العناوين الكبيرة للخراب المعاند في العراق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. د . عبد علي عوض

    الأخ عدنان حسين المحترم تحية طيبة بإعتباري من مدينة الحلة، أشعر بألألم عندماأقارن وضع المدينة الآن وبين ما كانت عليه حين مغادرتي لهاقبل 38 عاماً . تعاني الحلة الآن من ظاهرة الترييف - زحف أبناء الريف عليها - وهذا أحد أسباب فقدانها لمدنيتها ووجهها الحضاري و

  2. مهندس من الامارات

    سيدي الكاتب فقط لو قامت لكنه نزيهه لتدقيق احالتي تقاطع مكسر الأم ومفسر باب الحسين الذي في طور الإحالة لوجدتم أن لجنه فتح وتحليل العداءات قد خالفت الشروط التي وضعتها للمقاولين سيدي الكاتب من خلال جريدتكم أوجه الدعوة إلى الحكومة بإيقاف كافه مشاريع المجسرات

  3. محمد الشمري

    الحله اه جم اه هاي الحله الثقافه والتحضر والنضال والهوى والشباب والاحبه والاصحاب وعوائلها المعروفه علوش وعوض ووتوت وبهيه وووو ومحلاتها الجامعين والحشاشه والكلج والورديه والمهديه ووو واسواقها المسقفه ونواديها نادي المعلمين والموظفين والاطباء والزراعيين و

ملاحق المدى

!!العمود الثامن: وثيقةعالية نصيف

 علي حسين كنت أتمنى أن لا أعود إلى الكتابة عن النائبة عالية نصيف ، لكن ماذا أفعل ياسادة والسيدة النائبة خرجت علينا مؤخراً لتتقمص شخصية الفنان الراحل توفيق الدقن وهو يردد لازمته الشهيرة...
علي حسين

باليت المدى: الأمل الأخير

 ستار كاووش كان مروري في الشارع الأخضر بمدينتي القديمة كافياً لإعادتي لتلك الأيام البعيدة، فها أنا بعد هذه السنوات الطويلة أقف بمحاذاة المقهى القديمة التي كنتُ أرتادها صحبة أصدقائي. مازالت رابضة في مكانها...
ستار كاووش

قناديل: لقطات!

 لطفية الدليمي لقطة أولى بعد أيام قلائل من 9 نيسان 2003 خرج أحد العراقيين ليبحث عن فرن صمون يبتاع منه بعض ما يقيتُ به عائلته في تلك الايام المشحونة بالفوضى والخراب.
لطفية الدليمي

قناطر: الأمل.. جرعة المورفين التي لا تدوم طويلاً

طالب عبد العزيز أولئك الذين يأكل أرواحَهم الاملُ ما اشفق الرَّبُّ عليهم! وما الطفه بهم، وإن لا يبدو الاملُ متحققاً في المدى القريب. تلتقط الكاميرا على الجادة بفلسطين وجه شيخ، طاعنَ السنوات كثيراً، أشيبَ...
طالب عبد العزيز
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram