ان العملية السياسية في العراق منذ احتلاله من قبل الولايات المتحدة الى الان لم تمر بالقنوات الصحيحة الكفيلة بتحقيق الديمقراطية ودولة المؤسسات، فالتحول من حالة سياسية قائمة على اساس الشمولية السلطوية وانعدام الرأي والتعبير الى حالة ديمقراطية تتطلب وجود إرادة وقادة يديرون العملية. مارتن لوثر لم يغيير الوضع العنصري في الولايات المتحدة الا بالتضحية والكفاح والايمان الصادق بالقضية، و نلسن مانديلا لم يغيير الامور في جنوب افريقيا الا من خلال معرفة المجتمع والتضحية في سبيل الهدف.. يا ترى هل ازمة العراق... ازمة مؤسسات ام هي ازمة قادة ام كما تعودنا هي مؤامرة صهيونية غربية تهدف تدمير العراق؟
ان للازمة العراقية الراهنة اكثر من قراءة وتحليل فالبعض قد يربطها بحالة الثقافة السياسية والوعي الشعبي نتيجة الجمود الثقافي والتخطيط المبرمج نحو تغيير العقل العراقي وتجريده من الارادة والطموح نتيجة سياسات البطش والتنكيل التي اتبعتها الانظمة السياسية التي حكمت العراق، الا ان البعض يذهبون بعيدا ويربطونها بالاحداث والتطورات السياسية التي شهدها الشرق الاوسط.
ان الازمة العراقية هي ازمة قادة بالدرجة الاساس وان التاريخ شاهد على ذلك من خلال المغامرات والسياسات اللاعقلانية التي اتبعها القادة العراقيون في التاريخ العراقي المعاصر والعمل وفق اجندة خارجية بهدف الحفاظ على كراسي الحكم، فالعراق برغم الثروات الطبيعية والموقع الجيوسياسي والجيواقتصادي إلا ان الفرد العراقي لا يزال يعاني من عدم توفر ابسط الحقوق الحياتية، فالفقر في العراق حسب احصائيات اللجنة العراقية للتخفيف من الفقر تصل الى 38% والسؤال اين القادة من خطط التنمية ورفع مستوى المعيشة من خلال رفع معدل الدخل القومي، اي ان القادة والنخبة السياسية لا يملكون رؤية واضحة لنقل العراق الى بر الامان من خلال وضع خطط اقتصادية وايجاد فرص العمل وتحقيق العدالة الاجتماعية؟ ان المظاهرات التي تجتاح المدن العراقية في الوقت الراهن ما هي الا تعبير واضح على الاخفاق السياسي للمشاريع الانتخابية التي طرحتها القوائم العراقية في التسابق الانتخابي، وهي تعبير واضح عن عدم استجابة النظام للمدخلات التي تطرحها الشارع العراقي من خلال تمريرها قرارات ومشاريع تخدم العامة، اي ان المخرجات ليست بالمستوى المطلوب من حيث تغذية المتطلبات والحاجات المتغييرة لدى الفرد العراقي، اي ان النظام السياسي في العراق لا يستجيب لمعادلة ديفيد ايستن في التحليل النظمي.
ان النخبة العراقية بحاجة ماسة الى اعادة التفكير بمستقبل العراق وممارسة السياسة وفق ستراتيجية وطنية توفر للبلاد رؤية سياسية على المستوى المحلي من خلال اعادة صياغة السياسة العامة من خلال توفير الخدمات وتحقيق العدالة الاجتماعية وذلك بتقوية دولة المؤسسات ومكافحة شبح الفساد الاداري، وكذلك على المستوى الخارجي من خلال تبني سياسة خارجية قائمة على اساس المصلحة العليا للبلاد، فالنخبة امام مسوؤلية تاريخية لصياغة رؤية العراق ومعالجة المسائل العالقة... فالادمان على الفشل عاهة عانت منها النخبة في بلاد الرافدين ايام الحضارات الاكدية والبابلية من خلال المغامرات الخارجية، واستمرت معنا هذه العاهة ايام الحضارة الاسلامية بظهور الطغاة وفي العصر الحديث من خلال الرؤساء الذين بطشوا بالبلاد والعباد.
زيرفان البرواري رئيس مركز الديمقراطية وحقوق الانسان في جامعة دهوك
اترك تعليقك