إن التغيير السياسي في الشرق الاوسط قد احدث انقلاباً في الكثير من الموازين وانقلب الكثير من الامور والمعطيات السياسية في الساحة الإقليمية، بل وغيـََّر موازين القوى على الخريطة السياسية للدول العربية خاصة والمشهد الشرق الاوسطي بصورة عامة، فالربيع العربي وما حملته من عواصف قد عصفت بالطغاة و الانظمة المستبدة التي حكمت البلاد والعباد لعشرات السنين على اُسس شرعية الثورة وفي ظل غياب الديمقراطية والأُسس الدستورية للانظمة السياسية التي رهنت على مساعدات واستشارات المخابرات العالمية في حماية كراسي السلطة من دون ان يكون هناك اي اعتبار لرقم الشعب في المعادلة السياسية وعملية صنع القرار السياسي.
الربيع العربي وما أفرزته من احداث ومعطيات قد اعطت للشعوب بريقاً من الأمل بعد ان كان التغيير المعضلة الاساسية في عقلية الافراد مع غياب المعارضة السياسية لكونها محرمة وفق قوانين الطوارى.
إن الحديث عن الربيع العراقي في ظل تزايد الضغوط على حكومة نوري المالكي، واستمرار المظاهرات في بعض المدن العراقية مع استمرار الملف السوري وما يشكله هذا الملف من تهديد على الأمن الإقليمي وأمن دول الجوار السوري على وجه الخصوص قد لا يكون موضوعا للتحليل السياسي بقدر ما هو موضوع جدي يهدد الاستقرار السياسي والأمني في العراق خاصة وان البلد يعاني من ازمات جوهرية في مسألة تقاسم السلطة والثروة واستمرار حالة الفوضى السياسية والولاءات الخارجية للاطراف العراقية، فالربيع العربي لم يأتِ من فراغ و انما كان نتيجة طبيعية لحالة التعسف السياسي للسلطة المستبدة وغطرسة الطغاة.
إن التغيير السياسي في العراق بعد 2003 لم يؤدِ بقيادة سياسية تعي مسؤولياتها التاريخية تجاه شعب عانى ويلات الحروب والمغامرات السياسية لعشرات السنين، لم يكن لدينا قادة بعقلية القادة الالمان بعد الحرب العالمية الثانية الذين ادركوا ان النهضة الالمانية لا تتحمل ايدولوجية قومية ضيقة وبدأ الانفتاح والخطة الاقتصادية الالمانية وها نحن الان امام المانيا تقود اوروبا وتعد من اقوى الدول الصناعية، وكذلك الحال بالنسبة لليابان وكيف ان اليابانيين تمكنوا من تغيير الموازين واعادوا بناء دولتهم بعد تعرضها للهجوم النووي الامريكي، اما نحن العراقيين فأبدعنا في الانتقام ورفض الآخر المختلف، ان الربيع العراقي لن يكون له مثيل في الشرق الاوسط وذلك لكونه سيكون الأخطر من نوعه وذلك لكون البلد منقسم على اعتبارات طائفية وقومية وفئوية ضيقة وقابلة للانفجار والتدهور فهناك من يتحدث عن جيش المختار ويجند الشباب للالتحاق بالجيش المذكور ولا يخفي على العلن على انه جزء من تنظيم عسكري متهم بقتل العشرات والمئات من المدنيين في سوريا، اي ان الوضع العراقي الداخلي قابل للتعبئة لحسابات ايدولوجية وطائفية تهدد بانفجار حرب اهلية على غرار 2006، فضلا عن وجود تدخلات اقليمية في الشأن العراقي ومحاولة توريط العراق في الصراع المحوري الجديد في الشرق الاوسط بين انصار الولايات المتحدة وروسيا، فالاطراف السياسية في العراق تعتمد على الخارج في صناعة قرارها وهذا جوهر الازمة العراقية.
إن الربيع العراقي سيكون كارثة حقيقية على العراق، والأجدى على حكومة المالكي والاطراف السياسية العراقية التفكير بعقلية الواقعية السياسية والابتعاد عن التجنيد السياسي لمطالب الشارع العراقي، والاصلاح السياسي، فالسفينة العراقية تحمِّل الكل، والكل مسؤول في اعادتها الى بر الامان.
اترك تعليقك