المأزق السياسي والانغلاقيات بدوامة متواصلة تخمد لتنهض أقوى من سابقتها ، لأزالت سيدة الموقف الذي كان في المربع الأول وهو رعب الحرب الأهلية ، بعد أن عجزت الوصفات الدولية والإقليمية والمحلية . فطول المخاض لا يعني أبداً مولوداً سليماً . ولذلك عشر سنوات مضت والعمل السياسي مكانه . وأعلن إفلاسه تماماً يأساً داعياً الى أسوأ الخيارات وهو التقسيم .
فأمامنا نموذجان في التقدم والازدهار لم يكتب لهما النجاح والتفوق بالاعتماد على ساق السياسة . بل كانت الريادة بامتياز لعملية التنمية وابتكار الحلول لأزمات سياسية بأدوات اقتصادية تنموية . وهذان المشروعان هما المشروعان الماليزي والتركي وكلاهما إسلاميان لديهما أثنيات ومذاهب وأعداء أقلمين ودوليين ومواردهم محدودة ونفوسهم في تزايد . والرواد أو الأبطال الإسلاميي التوجه .
ما يعني أن ديمقراطية كل منهم ترتكز على أحزاب سياسية وأحزابهم ذات الصبغة الدينية هي سياسية أولاً وحولت الأغلبية المعارضة على أساس سياسي وبرنامج وأضح محدد . انسجاماً مع الهندسة التوافقية . التي جرى العمل بموجبها في ديمقراطيات عريقة ناجحة في الغرب ولم تنجح لحد الآن في البلدان المتخلفة لأن القواعد أثنية وطائفية . وليست أحزاباً وطنية . التي هي عادة من إفرازات التخلف الاقتصادي .
ولذلك يعدّ التخلف الاقتصادي هو المعوق الأساس لهندسة التوافق الاجتماعية والسياسية والثقافية فالأحرى أن تؤخذ متطلبات التحديث الاقتصادي في الحسبان عندما تتم هندسة الديمقراطية التوافقية في بلد متخلف ( ارنست ليبهارت / الديمقراطية التوافقية ص 344 ) . بحيث تصبح منظمات المجتمع المدني النقابات والجمعيات المهنية هي البديل عن البنى العشائرية والطائفية . كما نلمس وجودها بكثافة في الساحة السياسية بحيث اقترن الانسداد السياسي ومأزقه لهم وأصبحوا إيقونة له .
فتشغيل معاملنا ومشاريعنا الزراعية والثروة الحيوانية لابد أن تكون سبباً أساسياً للقضاء على البطالة بدلاً من (الترقيع والترهل) وهذه العمالة الماهرة بجناحيها الفكري والعضلي ستكون قاعدة لأحزاب وجمعيات ونقابات لها صوت مسموع في العمل الاقتصادي بحيث تمتد من صناعة النفط حقول الدواجن . برغم الريع النفطي الذي أصبح مجرد داعم للتخريب الاقتصادي في المرض الهولندي الذي ينقله لنا عبر أنابيبه . واستفحال هذا المرض يعزز الانحطاط السياسي . ولذلك توقف مثلاً مشروع البنى التحتية والنفط والغاز ومنع المصارف الأهلية من الاستثمار وشل التعرفة الكمركية وتعثر العمل الزراعي والحيرة في التصنيع للقطاع وهكذا في الإسكان واستفحال أزمته برغم جميع المحاولات . يواكب هذا التراجع والمراوحة والتفاقم . عدم صدور قانون الأحزاب أو الانتخابات والمحكمة الاتحادية وجميع القوانين التي من المفروض أن تصدر من الدستور أو من إلغاء أو تعديل قوانين سابقة .
أذن هذا الشلل هو تعبير عن غياب الإرادة الاقتصادية التي تطهر الحوا ضن السياسية من إداراتها الطائفية والعشائرية التي حولت اقتصادنا الى مزاد عمله وسوق حرة للبضاعة المستوردة وارتباط مصيري مع المصدرين سياسياً واقتصادياً . ليس من مصلحتهم مشروع تنموي يكون قاعدة كونكريتية لهندسة توافق تظلل كل العراقيين تحت اسم مواطن لا جزء من مكون .
اترك تعليقك