زوجة أحمد القبانجي

سرمد الطائي 2013/03/10 08:00:00 م

زوجة أحمد القبانجي

ليس اهم ما في السيد احمد القبانجي نقله للنقدية الاصلاحية الايرانية، الى لغة العرب، ولا التصورات التي يمكن ان تتفق او تختلف حولها الجماعات والنخب والجمهور، بل حكايته العائلية التي رواها لنا عرضا، وهي تبين ملمح تسامح في شخصيته يفتقده الجمهور وجزء من النخبة على حد سواء.
وبينما تعيش البلاد مخاوف من صدامات تنتهي بعنف طائفي لا سمح الله، كنت مساء الاحد استمع الى القبانجي العائد توا من "الجمهورية الاسلامية" ناجيا من محكمة رجال الدين الخاصة "الرهيبة" والتي سيق اليها رجال فكر مهمون طيلة 32 عاما من عمر الثورة، وأنصت الى طريقته المحببة التي لا تخلو من طرافة احيانا، كما رحت أصفق له بحرارة حين قال انه كان يفكر ان يهجر العراق الى اوربا حيث تتاح حرية اكبر، لكنه الان "يشعر بالخجل وبأن عليه ان يبقى هنا، بعد ان رأى مفكرين ومثقفين يتظاهرون بجرأة من اجل حريته ويتحدون سلطات ايران ونفوذها".
سألناه: سيدنا ما هي تهمتك في محكمة رجال الدين الخاصة بقم وهي مؤسسة سيئة الصيت حاكمت كبار رجال الفكر الايرانيين واساءت معاملتهم؟
يجيب: قالوا لي ان ولاية الفقيه لا تسري على ايران فقط، بل وعلى العراق، وعلى كل الكرة الارضية، وعلى الصين نفسها! ولذلك رأى القاضي في المحكمة الخاصة ان من حقه اعتقال ومحاكمة اي مفكر او انسان عادي مناهض لفكرة ولاية الفقيه سواء كان صينيا او عراقيا.
قلت للسيد مساء امس، انني شاركت في التظاهرة امام سفارة ايران مطالبا باطلاق سراحه، وكتبت بالفارسية على جدارها "مارغ بار استبداد" اي الموت للاستبداد، لكنني لم اكتب كما فعل زملائي مقال عن سجيننا القبانجي، بل نشرت قبل 3 اسابيع مقالا عن السجان. تحدثت عن سجن ايفين وبنات مير حسين موسوي اللتين جرى استجوابهما هناك. واشرت في المقال الى ان ايران تحلم على لسان قائد كبير في حرس الثورة، بإقامة منطقة نفوذ في القطب الجنوبي اذ "ليست هناك يابسة تفصل بين سواحل جنوب ايران والقطب" على حد تعبير الضابط الطموح. نعم فقد علمت ان ايران تحلم ببسط نفوذها على دببة القارة المنجمدة، لكني لم اتخيل ان قاضيا يخاطب مفكرا عراقيا محتجزا في قم ويقول له ان المحكمة الايرانية تمتلك سلطة على كل الكرة الارضية وعلى الصين ايضا!
الجزء الحميم من حكاية هذا الرجل يتعلق بسرده تفاصيل عائلية معبرة كانت خافية عن جمهوره الممتد خارج العراق كما يبدو من تعليقات "يوتيوب". يقول: لدي 6 ابناء وبنات جميعهم يحملون فكرا نقديا مثلي، الا ان زوجتي سيدة ايرانية تؤمن بولاية الفقيه وتعتنق التدين التقليدي، ومع ذلك نعيش جميعا في منزل واحد يسوده التفاهم.
يقول القبانجي انه لا يكن حقدا على ايران، بلاد الفلسفة والشعر والتمدن العريق، لكنه يختلف مع الافكار التي تتأسس عليه "الجمهورية". ويسهب في شرح اسمى مبدأ يعتنقه داخل نشاطه النقدي الذي يثير جدلا واسعا: التسامح.
يحدث جمهوره قائلا: ليس علينا ان نغير افكار الناس بأخلاق خشنة، او نجبرهم على اعتناق فكرنا النقدي. انا اختبر نفسي في علاقتي العائلية، وأتعايش مع زوجتي التي تعتنق الايمان التقليدي، وانا وإياها على طرفي نقيض، لكننا دربنا انفسنا على ان يحترم كل منا وجهة نظر الاخر، ومن هنا تنطلق قيمة ان نتعايش معا، ونصوغ عقدا يضمن لنا السلام في العائلة، وخارجها.
كنت انصت لهذا وأصفق بحرارة، معتقدا ان مبدأ التعايش والتسامح الذي استوعبه القبانجي بعمق، يغيب عن كثير من المثقفين العلمانيين انفسهم، ويجعل بعضهم يهاجمون القبانجي حتى وهو مغيب في سجن ايراني غامض ومخيف.
ان مبدأ التسامح العميق، هو الذي منح القبانجي وكل النقاد الشجعان، الجرأة على التعبير، كما ان احترامهم لحق اي انسان في اعتناق الفكرة التي يحب، هو الذي يؤسس لاخلاق النقد واخلاق التبشير بالفكر النقدي.
ان غياب مبدأ التسامح الذي يعرفه جيدا، شجعان واحرار مثل القبانجي، هو الذي يهدد عمليتنا السياسية بالانهيار، وأمننا الاجتماعي النسبي بالتبدد.
القبانجي وعائلته، نموذج يدرك الدور الحاسم لصيغة التعايش بأفكار متناقضة احيانا. ويمكن لعائلة كهذه ان تقدم درسا عراقيا حلوا، قد ينقذنا في لحظة انهيار من ان نفتك ببعضنا، ونتذكر كلمة قالها آثاري معاصر عن العراق القديم: سومر دمرها تعدد الالهة.
ان المشكلة عند القبانجي وكل المفكرين الشجعان، ليس تعدد الالهة، بل عدم استيعاب الجمهور لصيغة المجتمع الحديث الذي يدير تنوعه بأسلوب غير مكلف. وكل مجتمع خارج الحداثة يمكنه ان ينتحر، كما ينتحر نظام سياسي يحاكم رجال الدين في محاكمه الخاصة الرهيبة.

تعليقات الزوار

  • علي الموسوي

    هذه رساله للسيد سرمد ان يستفيد من السيد القبانجي ويتعلم منه ثقافة الحوار والراي والراي الاخر وثقافة الاختلاف وان للخلاف اسس وقواعد احترام فياريت ان يتعلم في خلافه مع المالكي

  • سلمان الطائي

    سرمد الطائي رايتك في صورة المنافق المتملق الذي يريد ان يرى ضلا له اكبر من طموحه وحجمه .. انت سيئا ولا يكترث احد لمقالاتك ولكنك فنان في الكذب والتمويه وارشحك ان تكون ناطقا رسميا لاياد جمال الدين واحمد القبنجي وحيدر الملا ومشعان الجبوري وكل المثقفين من ام

  • جاسم الحسناوي

    مبروك للكم ولكل صاحب فكر حر اطلاق سراح السيد القبنجي هذا الرجل الذي أخذ على عاتقه تحطيم الخرافات والأوهام والأصنام التي غلف بها الفكر الشيعي الذي هو فكر اسلامي خالص ولكن السياسه هي التي حولت الدين الاسلامي الى مذاهب وهي التي قسمت الامه الاسلامية مثلما قسم

  • فراس الحسني

    دائما متألق ورائع ..واصبح حسادك والمنافقين ممن لايفقهون حديثك..يحاولون عبثا تشوية صورتك ..ولاكنك سوف تبقى الاجمل ..والحقيقة والواقع يقول هذا.

  • كاطع جواد

    مقالة اكثر من رائعة لان السيد سرمد الطائي لا يبغي من حكايته هذه الا إظهار موضوعة رائعه ان الاختلاف بالرأي لا يفسد للود قضية لكن مشكلة أحادي التفكير لا يروا الا مايؤيدهم بالرأي لانهم لم ولن يروا الحقيقة أبدا لذا يصبواجام غضبهم وحقدهم على اصحاب الأقلام الحر

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top