في رواية (الحُب الأول ) لفيرونيك أولمي : علينا ألا نغادر مراهقتنا أبداً

في رواية (الحُب الأول ) لفيرونيك أولمي : علينا ألا نغادر مراهقتنا أبداً

من الغريب أن تشعر بالسرور أحياناً بعد مطالعة كتاب محزن او أن يدفعك الى التحليق في عالم الخيال برغم ما فيه من مأساوية ...هكذا قد يشعر مَن يقرأ كتاب ( الحب الأول ) لفيرونيك أولمي الصادر مؤخراً عن دار غراسييه للنشر بـ(300) صفحة .

اميلي بوليو ، امرأة متزوجة منذ اربعين عاماً ..تنشغل في ذكرى زواجها بإعداد عشاء خاص لكنها تكتشف مصادفة بعد قراءة ورقة مقتطعة من صحيفة لفَّ بها البائع قنينة النبيذ أن هناك اعلاناً صغيراً موجهاً لها يدعوها فيه الرجل الذي أحبته منذ عهد طويل لمساعدته وإنقاذه في ايطاليا .

من دون تفكير ، تلبي أميلي نداء حبها الاول فتُطفىء الفرن وتقود سيارتها باتجاه مدينة جينيس ..إنها رحلة نحو المجهول كما تقول كاتبة رواية  (الحب الاول ) كما انها مكتوبة بصيغة فيلم سينمائي لما فيها من اجتياز جغرافي وعاطفي للمسافات .

يرسم احد مشاهد الرواية الأحاسيس المضطربة في اعماق بطلتها التي تدور حول علاقة اميلي بزوجها وعن بلوغهما ذروة الحب ثم الاحساس بالتعود والملل، وعن العلاقة الحلوة – المرة التي تربطها بابنتيها ومحاولتها المحافظة على هذه العلاقة برغم بلوغهما سن الانسلاخ عنها ومشاهدتهما وهما تغادرانها، اضافة الى علاقتها الحيوية مع شقيقتها واقتسامها معها القليل من الجنون والميل الى الفنطازيا والخيال ما منحها شخصية حدية ومتمردة وغير اجتماعية - تماما كما تحب المؤلفة تصويرها -.

عاشت اميلي طفولة قاسية تؤطرها صرامة تعليمها ومنزلها الموصد عليها وعلى مبادئها واحلامها ..وفي صباها، وقعت أسيرة سحر النظرات الاولى للشاب الفاتن (داريو ) وعاشت معه روعة انفعالاتهما الاولى على رمال الشاطىء ورقصاتهما البطيئة قرب صخور مرسيليا .

تتساءل اميلي وهي في طريقها الى ايطاليا إن كان حبيبها السابق داريو ما زال  محتفظاً بنظرته الشاردة الفاتنة كما بقي في ذاكرتها أعواماً ...وتلهث طوال الطريق تعباً ولهفة بينما تتعاقب في دواخلها تفاصيل حياتها القائمة على أوهام الزواج والأمومة والعائلة التي أجهزت عليها مغامرة اميلي الجريئة ورياح الجنون التي حملتها بعيداً عن عائلتها لتلبي نداءات حب قديم لمجرد رغبتها في معرفة ما يريده منها حبيبها السابق وكيف يمكنها ان تنقذه ..وتظل اميلي تتساءل طوال الرحلة عن كيفية قدرة تلك الكلمات البسيطة التي ضمتها القصاصة الورقية على دفعها الى الكـف عن الاهتمام باشياء كثيرة ..الزوج ، الاولاد ، ذكرى عيد الزواج للعثور على حبها الاول .

اما الكاتبة فتتساءل في روايتها عن تركيبة شخصية هذه المرأة منذ مراهقتها وحتى سن النضج ..وعن افكارها ومشاعرها وانفعالاتها ولحظات سوء الفهم وعن الاسئلة الكثيرة التي بنيت عليها حياتها والتي تثيرها الكاتبة في روايتها النابضة بالحياة .

وتمارس فيرونيك اولمي الكتابة ببراعة وتمتلك قدرة التحري على كشف الأسرار الأنثوية ليس من جانبها الحلو فقط ، بل من الجانب الفـظ والعنيف ثم تعقب آثارها بمهارة ..وفي روايتها الاخيرة ( الحب الاول ) تشيع لدينا الرغبة في التحرر من أغلال الحياة اليومية والعودة الى المراهقة ..ويعد هذا الكتاب عميقاً في محتواه لكنه يدفع المرء الى ان يكون خفيفاً ورقيقاً وسعيداً برغم ما فيه من حزن ، كذلك يُعيد للمرء قدرته على الخيال كما في ايام المراهقة إذ لا يمكن الخروج منها مطلقاً – كما ترى الكاتبة – لانها تسكننا طوال الحياة بما فيها من مشاعر وانفعالات ،وعلينا –اذا اردنا الحصول على شيء من السعادة – ألا نغادر مراهقتنا مطلقاً!

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top