وكالة قطر

احمد المهنا 2013/03/25 09:01:00 م

 وكالة  قطر

في لحظة غضب تساءل بول وولفويتز أيام الغزو الأميركي للعراق: ماذا نفعل مع قناة الجزيرة؟ وكان يشغل يومذاك منصب مساعد وزير الدفاع، وكان معدودا بين قلة من مهندسي تلك الحرب. وكانت "الجزيرة" أعلى صوت معارضة للغزو الأميركي في العالم. والمفارقة هي أن قاعدة السيلية في قطر، وهي الأكبر بين قواعد الولايات المتحدة خارج أراضيها، كانت من أهم أدوات ذلك الغزو.
وبعبارة أخرى فإن قطر كانت شريكا للولايات المتحدة في الحرب، وخصما لها في الإعلام. لدى اسرائيل أيضا مثل هذه المفارقة. فقد كانت تريد اسقاط صدام لكنها تخشى الديمقراطية في العراق أو أي بلد عربي آخر. إن المفارقة كاملة. ولكنها ليست عصية التفسير، خاصة إذا ما قرئت من خلال الدور القطري في ثورات "الربيع العربي".
وما هو هذا الدور؟
إنه بإيجاز دعم "الاخوان المسلمين"، وبذل أموال قارون، في محاولة لتمكينهم من تسلم السلطة في البلدان الثائرة. حدث ذلك تباعا في تونس ومصر وليبيا. ويحدث اليوم في سوريا. وقد جاء آخر رد فعل على محاولة تمكين "الاخوان" على حساب بقية قوى المعارضة السورية، من قبل أحمد معاذ الخطيب، باعلانه الاستقالة من رئاسة الائتلاف الوطني، احتجاجا على محاولة بعض الدول الداعمة السيطرة على الثورة السورية حسب تعبيره. وقال الخطيب في اعلان استقالته ان "من هو مستعد للطاعة فسوف يدعمونه، ومن يأبى فله التجويع والحصار، ونحن لن نتسول رضا أحد".
والدولة الداعمة التي يلمح اليها الخطيب هي قطر. وكان الائتلاف السوري المعارض قد انتخب غسان هيتو رئيسا للحكومة المؤقتة، بطريقة متعجلة شابتها اعتراضات، وأثارت غضب بعض قيادات الائتلاف، ورفض الجيش السوري الحر. وهيتو شخص مغمور لكنه مقرب من الاخوان المسلمين السوريين.
ومن المشكوك فيه للغاية أن يكون انتخاب اخواني لقيادة حكومة المنفى اليوم والوطن غدا عاملا مساعدا في صنع التوافق بين مكونات وأطياف الشعب السوري. ولكن من المؤكد انه سيكون عاملا قويا في تكريس الانقسام السوري. فهو يمثل استفزازا للعلمانيين السنة، ورعبا لبقية الطوائف من علويين ومسيحيين ودروز.
وحتى اليوم فإن "الاسلام السياسي" لم يصل الى سدة الحكم الا وصنع انقساما محدودا أو كبيرا في المجتمع. وليس هذا هو هدفه لكن هذا هو الأمر الواقع. حدث ذلك تباعا في تونس ومصر والى حد ما في ليبيا وقبلهم في العراق. وقطر تلعب دورا مهما اليوم في دعم "الاخوان" في العراق أيضا، بحيث انه يمكن أن يؤدي الى عودتهم الى الصدارة في انتخابات مجالس المحافظات الشهر المقبل، خاصة في الأنبار ونينوى. ولعل المطلوب قطريا من الانتخابات المحلية العراقية أن تكون "بروفة" لاستعادة هيمنة الاسلام السياسي وسط سنة العراق في الانتخابات العامة المقبلة سنة 2014 ، ليعود الأمر كما كان في انتخابات 2005 التي تنافست فيها "جبهة التوافق" السنية الخالصة مع "الائتلاف الوطني" الشيعي الخالص.
اقليميا يتعارض هذا الدور القطري مع جميع دول المنطقة باستثناء اسرائيل والى حدود ما ايران وتركيا. ولعله يرضي اسرائيل بصفة خاصة. إن المضمون الفعلي للدور القطري هو تغذية الصراعات الطائفية والانقسامات العميقة في البلدان العربية، بما فيها السعودية. ويصعب تصور تولي دولة صغيرة مثل هذا الدور الخطير والمدمر بالأصالة عن نفسها. ولكن يسهل تصور ان قطر تلعب هذا الدور بالوكالة عن اسرائيل التي يقوم أحد أهم عناصر استرتيجيتها الدفاعية على إدامة الضعف العربي، أو على اعتبار ان أي مظهر قوة عربية تهديد لأمنها.
ولعل دور الوكالة الواسع فوق العادة هذا هو الذي يمنح قطر كل هذه الجرأة. فظهرها قوي!

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top