دور نشر عربية لـ( المدى ): أزمات السياسة في المنطقة ساهمت بإنعاش الأدب الساخر

دور نشر عربية لـ( المدى ): أزمات السياسة في المنطقة ساهمت بإنعاش الأدب الساخر

مع أن السمة الجادة والأكاديمية العلمية هي الغالبة على الإصدارات التي تضمنتها الدورة الثامنة لمعرض أربيل للكتاب، ولكنها في الوقت ذاته احتوت أيضاً كتباً مختصة بشؤون أخرى مثل ادب الاطفال وهناك الادب النسوي ويمكنك أن تجد ايضاً نوعاً جميلاً ومسلياً من الأدب وهو الساخر الذي يجعل مؤلفوه يعبرون عن مكنونات قلوبهم من هموم ومشاكل يصوغوها بقالب كوميدي ويقدمونها على شكل ابتسامات وطرائف لان الناس لا تستطيع العيش في حالة الحزن طوال الوقت، وفيه تتجلى حرفية الكاتب الذي يقدم الفكاهة والسخرية في وقت تتصارع داخلة مشاعر الحزن واليأس ولغة الكتابة تكون أحيانا باللهجة الشعبية او الفصحى أو مزيجا من الاثنين.
سياسة خالصة
عندما تبدأ الكلام في الأدب الساخر فأن الصورة النمطية التي تقفز إلى الاذهان هي النموذج المصري في هذا المجال لأنهم اصحاب السبق في مجال الصحافة عموماً والادب الساخر خصوصاً، وقبل كل كلام يدعونا محمود عبدالنبي من دار أطلس للجلوس ويحضر آخر الاصدارات في المجال الساخر ومنها كتاب المؤلف عمر طاهر (الكلاب لا تأكل الشوكولاته) الفائز بالجائزة الأولى في مجال الادب الساخر بمعرض القاهرة للكتاب 2013 وتدور أحداث الكتاب على لسان شخصية برما التي تنتقد بأسلوب ساخر وخفيف مجمل الاوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية عقب ثورة يناير ويعرض بشكل مضحك موضوع انتهاك حقوق الانسان على يد القوات الأمنية.
وفي كتاب آخر بعنوان (بابا رئيس جمهورية) لمؤلفه محمد زكي يتحدث عن حلم مزعج يرى المؤلف نفسه، وقد أصبح رئيس جمهورية ويمر بسلسلة من المواقف التي تمزج بين المرارة والسخرية وتنتهي باستيقاظه من النوم فزعاً وكارها لهذا المنصب، في حين يسلط كتاب (ليالي البورث في طره) الضوء على حياة بعض أركان نظام مبارك في السجن والتسمية مأخوذة من سجن طره الذي يقضي فيه عدد من رموز النظام المصري السابق فترة محكومياتهم.
نكت الرؤساء ومقولات المجانين
أما كتاب (من أفواه المجانين) لمحمد السيد محمد فهو عبارة عن خواطر مختصرة وذات فكرة مركزة وعميقة وتخلط بين السياسة والحياة العامة وفيه نجد أن المرضى كلما ازدادوا ضعفاً ازداد ثراء الأطباء أضعافاً وكلمة أخرى تقول الفنانة شاكيرا مثل ثمرة الجزر لأنها مفيدة جداً للنظر وفيه مقولة لو كان السكوت من ذهب فما هو السر في فقر الأغلبية الصامتة حتى الآن؟
ويأتي في السياق الساخر ذاته كتاب (نكت الرئيس) لمحمد الباز الذي يتحدث بأسلوب النكتة المريرة عن قرارات اتخذها رؤساء مصر الثلاثة  عبد الناصر والسادات ومبارك  ويتطرق أيضاً إلى دور النكتة والسخرية في نجاح ثورة يناير التي أطاحت بالأخير وبجانبه تماماً يستقر كتاب (مجنون ليبيا) لذات المؤلف وهو استعراض للجوانب الكوميدية لشخص الرئيس الليبي الراحل معمر القذافي.
ومن قلب الأحياء العشوائية في القاهرة يأتي كتاب (توك توك) وهو اسم واسطة النقل الأكثر شعبية في مصر والتي يستخدمها متوسطي وضعيفي الدخل وفيه تجد عرض ساخر ومؤلم لحياة الناس في هذه الأحياء مع نقد لاذع للفساد الموجود في مؤسسات الدولة.
محاكمات غريبة ونقد خليجي
تصدر المصريون لهذا الفن لم يمنع آخرين من ولوجه والإبداع فيه ومنهم كتاب الخليج حيث تجد في دار بلاتينيوم بوك الكويتية مجموعة من هذه الكتب التي يستعرضها لنا مسؤول جناح الدار فيصل المشوح ونطالع في كتاب (قره قوش مازال حياً) للكاتب مشاعل الزعبي اغرب القوانين في العالم ففي مدينة تورنتو الكندية يمنع سحل اي حصان ميت في شارع بوينج ستريت وفي ولاية نيوجرسي الأميركية يمنع ارتداء سترة واقية للرصاص من قبل الشخص الذي ينوي ارتكاب جريمة قتل، وفي المحاكمات الغريبة نجد ان محكمة هندية حكمت سنة 2003 على كلب بالإعدام ولكن بعض الناشطين الحقوقيين استطاعوا أن يلغوا الحكم بعد مظاهرات وفعاليات فيما حكم قاضي أميركي بسجن الحاضرين جميعاً في قاعة المحكمة.  
ويوجه احمد الحيدر في كتابة (عبث) رسائل ساخرة إلى أشهر عباقرة ومخترعي العالم الذين ابتلوا العالم بمجموعة من القوانين والعلوم المعقدة التي أرهقت الطلاب وفي رسالة منه الى اسحق نيوتن يطالبه بأكل التفاحة التي سقطت على رأسه او بيعها بدلاً من اكتشاف قانون الجاذبية  الذي أضاف عبئاً دراسياً على كاهل التلاميذ.
وتظهر السخرية والانتقاد السياسي بصورة جلية في كتاب (شيصان الحكيم) للمؤلف الكويتي عبدالله جواد الذي يستعرض تجربة طالب مغترب يعود الى بلده بعد تحقيق نجاح كبير وحصوله على شهادة عليا ولكنة يصطدم بمأساة البطالة وعدم وجود وظائف حكومية لأمثاله وتجري الاحداث بأسلوب كوميدي ينتقد الروتين والإجراءات الحكومية.
أدب الأزمات
يرى يوسف إبراهيم من دار كنوز للنشر والتوزيع المصرية أن كتب الأدب الساخر هي الأكثر رواجاً في مصر حالياً وخصوصاً تلك المكتوبة باللهجة العامية، موضحاً بان الكتابة الساخرة بالعامية تجعل القارئ يشعر بأنه يتحدث مع شخص عاقل وليس كتاب جامد وهذه هي الميزة التي جعلت الطلب على هذا النوع مرتفعاً.
أما محمود عبد النبي فيؤكد بان اثناء وعقب كل أزمة تمر بها دولة من الدول او شعب من الشعوب فان رد الفعل يكون برواج الأدب الساخر الذي يمكن اعتباره نوع من المقاومة السلمية لمظاهر القمع والظلم والاضطهاد وهو لا يختلف عن فن الكاريكاتير وفي كلتا الحالتين فان المؤلف أو الفنان يستخدمان الشخصيات الوهمية للتعبير عن فنهم ومثلما استخدم ناجي العلي شخصية حنظلة فان المؤلف الساخر يبتكر شخصيات ساخرة تعبر عن أفكاره ودواخل نفسه.
ويوضح فيص المشوح ان الادب الساخر صار رائجاً في دول الخليج العربي وهناك كتاب مختصون يعملون على انتقاد الظواهر والحالات السلبية بأسلوب ساخر وكوميدي طريف.
وختام الجولة كانت عند دار الساقي اللبنانية حيث يؤكد مسؤول الجناح بان كتاب (السخرية السياسية العربية) لخالد القشطيني قد نفدت نسخة برغم انه كتاب قديم نوعاً ما وهو أمر لم يتوقعه ويرى فيه مؤشراً على ان هذا النوع من الأدب يزداد الطلب عليه في وقت الازمات خصوصاً وان الرسالة الساخرة تصل اسرع وأسهل من غيرها لان لها طعم وتعبير مختلفين لدى القارئ.

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top