المالكي: يأس وحرب في ٢٠١٣

سرمد الطائي 2013/04/23 08:01:00 م

المالكي: يأس وحرب في ٢٠١٣

يائساً من الفوز بالأغلبية، منع نوري المالكي وفداً برلمانياً من لقاء المعتصمين بالحويجة يوم الإثنين. يائساً من الفوز بالأغلبية أصدر أمره لجيش لم يصادق البرلمان على جنرالاته، باقتحام مخيم الاحتجاجات. يائساً من ولاية ثالثة راح يمنع أي فرصة للحوار. يائساً من رضا مرجعية النجف، راح يخالف توصيات المراجع بإبعاد الجيش عن المتظاهرين كي لا يحدث أي احتكاك.

أتحدث قبل قليل مع سياسي رفيع وذكي يرأس فريقاً من الأكاديميين لتحليل نتائج الانتخابات. هو يقول: انتظر يومين وسترى أن المالكي خسر نحو ٨٠ مقعداً في مجالس المحافظات، مع أنه تحالف مع بدر والفضيلة والجعفري. وعلى سبيل المثال فإن مرشحي حزب الدعوة لم يحصلوا في البصرة إلا على مقعدين، بينما حصل الفضيلة على ٣.

الخسارة رهيبة إذن والمالكي غاضب على فريقه السياسي، الذي أوهمه بأن كل عوامل النصر المؤزر متاحة سياسياً وعسكرياً، وراح يلجأ في آخر ساعتين قبل الانتخابات إلى وسائل الإعلام الحليفة معه لبث إشاعة مفادها أن سلطان السلاطين سيأتي برأس عزة الدوري صباح السبت، لكي يستكمل "اكتساح" الأصوات وينطلق نحو انتخابات ٢٠١٤ بثقة كاملة ويخضع إلى الأبد أهل أربيل والموصل والنجف والبصرة، بلا فرق. لكن مساء السبت نزل كالصاعقة على صاحب نظرية "الرجل القوي" فقد خسر ٨٥ مقعدا على الأقل وأصبح واضحا أن الانتخابات البرلمانية القريبة ستكبده خسارة أقسى، وأن الحلفاء في واشنطن وطهران يراقبون بدقة هذه النتائج ويستعدون لمراجعة وضع حصانهم الخاسر والمعزول والمتسرع الذي يحب الدبابات. وان محور الحلفاء من أربيل حتى النجف بات في موقف أقوى وتشجع على المزيد من التنسيق على رقعة الشطرنج الجديدة التي أحاطت المالكي وملياراته وجنرالاته، بهستيريا رهيبة.

إن الأمر يذكرني باقتباس كلمة عبد الرحمن الكواكبي من كتابه "طبائع الاستبداد". إن "المستبد في مراحله الأخيرة، يضرب ضرب عشواء، كثور هائج، أو مثل فيل ثائر في مصنع فخار، يحطم أهله وبلده قبل أن يستسلم للزوال".

منذ شهور والنخبة الاحتجاجية تحذر من أن المالكي يتفرد بقرار تحريك القوات ويقحم الجيش في الخلاف السياسي ولا يذهب للبرلمان لمناقشة القضايا الخطيرة ولا يسمع نصيحة المرجعية بإبعاد الجيش عن أماكن التظاهر منعا للاحتكاك. وتقوم هذه النخبة بالتذكير بأن السلطان بعث بجنرالاته إلى ساحة التحرير ليدوسوا قصائد الشعراء ويعتقلوهم عام ٢٠١١. وأنصار السلطان يقولون لنا: عداؤكم للمالكي أمر شخصي.

لكن سقوط ٢٠٠ جريح مع ٢٠ قتيلا وسط المتظاهرين وسقوط جنود أبرياء أيضا، يطالب الجميع بأن يسارعوا للجم إرادة العسكرة لملفات الخلاف السياسي. ولا أدري ماذا يمنع مراكز القوى الاجتماعية والسياسية من أربيل إلى البصرة، من أن تقوم بلقاء عاجل في النجف لتداول الأمور وإيقاف استغلال العسكر بطريقة يمكنها أن تقسم العراق على نحو دموي يجعل الخسارة رهيبة.

وموقف النخب السياسية والدينية والثقافية أمام هستيريا اليأس والحرب لدى سلطان بغداد، لا بد أن يلعب دورا في وقف التضليل الذي راح ضحيته جمهور لا يستهان بحجمه.

فالمالكي مدفوع أيضا بجزء من جمهور طائفي على الجانبين يتيح له أن يواصل اللعب بالنار هربا من اليأس والخسارة. ولابد من تحرك عاجل لوقف هذا.

وحين كتبت عبر مقالين هذا الأسبوع، مشاهدات مفادها أن تيارا معتدلا كبيرا يمكننا رؤيته في الأنبار والتحاور معه، راح العشرات يشتمونني ويقولون إنني كاذب، وإن كل المظاهرات إرهابية طائفية.

إننا إذن أمام جزء من الجمهور لا يتمنى أن يرى معتدلين في الطائفة الأخرى، بل يريد صورة مكتملة السواد كي يحرك دباباته ويقوم بالإخضاع العسكري الكامل. وعلى الطرف الآخر هناك جزء طائفي مشابه من الجمهور قد يضيع معه صوت العقل ومآلات الاعتدال ومصائر مصالحنا الكبرى. إنه اندفاع بربري صرف واستسلام لمشاعر غريزية تهدم الأوطان على مر العصور، وهذه بيئة مثالية لتفريغ اليأس والرغبة بالحرب لتزعم طائفة خائفة رفضت إعادة انتخاب سلطان فاشل.

المالكي فجر الاثنين أصدر أمر اقتحام الحويجة وهو ينظر إلى خسارته ويأسه. وينظر إلى التعدد السياسي والحياة الدستورية التي تمنعه من إعلان نفسه حاكما مطلقا. ينظر إلى انتخابات ٢٠١٤ ويرى محور أربيل-النجف يعين رئيس وزراء جديداً يخفف الاحتقان. لم يتحمل معنى المشهد العميق الذي يأتي مع رياح التغيير الإقليمية التي يمكن أن تطلق عملية مراجعة كبرى. وجد المالكي نفسه خارج المستقبل فقرر أن يقتحم ليعيد العراق إلى ماضي الاقتتال حيث يظل هو زعيما يبرر إخفاقه بانهيار الأمن.

إنني أردد ثالثة مع الكواكبي: "إن المستبد في مراحله الأخيرة، يضرب ضرب عشواء، كثور هائج، أو مثل فيل ثائر في مصنع فخار، يحطم أهله وبلده قبل أن يستسلم للزوال". وعلينا أن نمنع هذا.

تعليقات الزوار

  • أحمد هاشم الحسيني

    لنتركك والمالكي معا تمارس هوايتك ب إقتلوني ومالكا معي ومع أنك لا تستطيع الحكم على نتائج إنتخابات دون الحصول على النتائج الرسمية النهائية فلنترك هذا الأمر لك تتسلى به قدر المستطاع فقد تصدمك النتائج فيما بعد وتثبت بأن تحليلاتك في غير محلها ومصادر معلومات

  • المدقق

    يبدو ان نفسك المريضة قد بدأت تصور لك اوهام واحلام اليقظة وكأنها واقعا ملموسا .. فانت تنكر وبكل صلافة ان المالكي وائتلافه هو من فاز في انتخابات مجالس المحافظات وتصور لنفسك وللناس بانه قد خسر وهذا ما لم يحدث .. فالنتائج الاولية تقول بان ائتلاف دولة القانون

  • منير تركي

    عزيزي سرمد مرة اخرى يعبر الشعب العراقي عن السلبية في التعامل مع الواقع ودليلي هو بعدم الخروج للانتخابات وكأن الامر لايعتيهم حتى لو لم يكن للتصويت لجهة تقف بالضد من الطبقة الحاكمة ... العراقين وارجو ان على خطأ تعودا الجلوس في بيوتهم وليأتي التغيير من المري

  • د. أحمد السرحان

    و ماذا عن قتل جنود عراقيين في الجيش العراقي قبل ان يحدث الاقتحام يا سرمد؟؟؟ الحرية التي تتحدث عنها هل تعني لك حرية قتل جنود في الجيش و حرق عربات عسكرية؟؟ لن نحصل على الديمقراطية من ايدي القتله و المجرمين كما لم نحصل عليها من الاحزاب الدينية. و مرة اخرى و

  • ابو عمر السامرائي

    اخي سرمد كلامك مطابق للواقع لكني استغرب من الذين ينظرون الى الامور على وفق اهوائهم وأسألهم هل ينكرون ان المالكي خسر الاغلبية؟ وهل ينكرون ان المرجعية في النجف والمرجعية السنية على حد سواء قاموا بإنتقاد المالكي وسياسته المتخبطة ؟ وهل ينكرون ان الانفلات الام

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top