أول ما شطح نطح

ميثم لعيبي 2013/05/25 10:01:00 م

أول ما شطح نطح

إن أدق واسرع وصف يمكن ان اختصر به حركة الاقتصاد الصيني، انه تحول من اقتصاد انتاجي (فقير) الى اقتصاد استهلاكي (غني)، بمعنى ان الصين استخدمت طوال عقود سياسة شد البطن الداخلية مقابل ان تتوجه نحو إغراق أسواق أوروبا وأميركا بتصدير سلعها الاستهلاكية المنتجة في الداخل، وحين أشبعت العالم بمنتجاتها وشبعت من إشباع الآخرين، تحولت لتشبع بطنها، حيث بدأت بمرحلة الاستهلاك الداخلي الواسع، وذلك مع اتساع اندماجها باقتصاد السوق وانضمامها الى مؤسسات الاقتصاد الدولية وخاصة منظمة التجارة العالمية.
حدث هذا خلال فترة طويلة من الزمن، حيث ان فترة شد البطن هذه استمرت بحدود الـ30 سنة (1950-1980)، إذ فضلت الصين ان لا تندمج كثيرا بالاقتصاد الخارجي، مقابل سياسات تخفيض قيمة العملة الداخلية التي قادت الى تشجيع التصدير لكن مع تقتير في الاستهلاك الداخلي.. لكن هذه السياسة تحولت بعد 1980 وانتقلت الصين الى أمة قوية وثرية اقتصاديا.. ودخلت مرحلة الاستهلاك الداخلي الواسع، وعرفت عندها استهلاك ما لذ وطاب مما كانت محرومة منه، ابتداءً بمساحيق التجميل مرورا بالسيارات الفارهة والمياه المعدنية وصولا الى شاشات الـLCD.
وهنا بيت القصيد، فعندما أقارن، هذا التنين الآسيوي، باقتصادنا، يأتيني انطباع أولي بسيط، ان الاقتصاد العراقي (والعراقي) سواء أكان فرداً أو مسؤولاً، لا يريد ان يمر بكل ما تمر به الأمم والشعوب حتى ترتقي. الاقتصاد العراقي يريد ان يقفز مباشرة الى مرحلة الشبع، دون المرور بمرحلة الإنتاج وشد البطون. بالمقارنة، قفزنا مباشرة الى المرحلة النهائية، اقصد مساحيق التجميل والسيارات الفارهة والمياه المعدنية و.. و.. ولم نمر بمرحلة إنتاجها أو تصديرها، فقط استيرادها واستهلاكها.
هل قارنا مثلا بين خيارات بديلة حيال تبني وسائل نقل جماعية مع استيراد هذا الكم الهائل من السيارات الخاصة الفارهة التي ملأت الشوارع؟ كلا. هل قارنا بين العملات الصعبة التي ستخرج من البلد لشراء تلك السيارات وبين بناء شبكة مترو متكاملة؟ كلا. هل قارنّا بين شراء سيارات من مناشئ محترمة بدل السيارات الصينية والإيرانية؟ كلا. هل قارنّا بين ان ننفق مبالغ خيالية على مصانع لإنتاج السيارات في الداخل وبين استهلاك سيارات عراقية مستقبلا؟ كلا وألف كلا.
الاقتصاد العراقي كما يقول المثل: أول ما شطح نطح، لم نصنع السيارة ومن ثم نستهلكها أو نصدرها، ولم نصنع الماء لنستهلكه أو نصدره، ولم نصنع التلفزيون المسطح ولا مساحيق التجميل ولا التنظيف.. لكننا نستهلكها كلها بإفراط.
صحيح ان (الوادم) مرت بمراحل حرمان، طوال عقود.. ستقولون اني أتحدث عنها ببرود الآن، وصحيح ان الناس (ما تتحمل)، وصحيح ان من مهام الدولة تعويض هذا الحرمان بشكل عاجل، لكننا نتحدث عن خيط رفيع يفصل بين العقلانية في الاستهلاك والجنون في الإفراط، أمر يذكرنا بالمثل القائل (المخبّل علجه ترس حلكه).

تعليقات الزوار

  • د.حيدر طعمة

    ما يزيد من صعوبة مرور العراق بذات المراحل التي مرت بها الاقتصادات الصاعدة ، ومنها الصين، غياب الرؤية الاقتصادية في اداء الحكومات التي قادت العراق بعد عام 2003، وسيستمر الحال على ماهو عليه مادامت الوزارات الاقتصادية ومستشاريها ووكلائها ومدرائها العاميين تش

  • عماد عبد اللطيف سالم

    لقد اضعنا فرصة لا تعوّض لأصلاح كل شيء بعد نيسان 2003 ، وفرصة لا تعوّض لبناء خيارات بديلة ، والتاسيس لسلوك اقتصادي عقلاني للعراقي سواء أكان فردا أم مسؤولا . وهانحنُ ندفعُ الثمن مضاعفا الآن .. لأن العام 2003 دشّن عقدا ضائعاً مضافا لعفود التنمية الضائعة

اترك تعليقك

تغيير رمز التحقق

Top